توحي مؤشرات عديدة بانعقاد
القمة العربية القادمة في
الجزائر يومي الأول
والثاني من تشرين الثاني/ نوفمبر 2022، كما تؤكد ترتيبات الدولة المضيفة بأن
القادة العرب سيجتمعون خلال التاريخ المتوافق عليه من قبل وزراء الخارجية خلال اجتماعهم
الأخير الملتئم بمقر
الجامعة العربية في القاهرة، علما أن القمة تمّ تأجيلها خلال
شهر آذار/ مارس الماضي. وحتى وقت قريب، كان هناك حديث قوي عن إرجائها للمرة
الثانية، لأسباب كثيرة ذات صلة بمدى نضج واكتمال شروط نجاح أشغال هذا اللقاء.
ولئن تعثرت خطوات السير نحو انعقاد القمة، فقد ظلت الجزائر متطلعة ومصرّة
على احتضان أراضيها قمة العرب، لحاجتها الماسة لاستثمار الحدث، وتوظيف نتائجه
لإعادة تقوية شرعية نخبتها القائدة، التي أصيبت بالتآكل منذ سنين، وعسى أن ترمم مكانتها
المتراجعة إقليميا ودوليا منذ عقود.
تتأرجح رهانات القمة العربية القادمة في الجزائر بين ما هو ممكن ومتاح في
الواقع، وبين ما تصبو البلاد العربية وتأمل تحقيقه من أشغالها. ونُقدر أنه تأرجح
محكوم بكثير من الشروط، منها ما هو مرتبط بالدولة المضيفة، أي الجزائر، وأخرى لها
صلة بمناخ العلاقات العربية- العربية، ومحيطها الجهوي والدولي.
تتأرجح رهانات القمة العربية القادمة في الجزائر بين ما هو ممكن ومتاح في الواقع، وبين ما تصبو البلاد العربية وتأمل تحقيقه من أشغالها. ونُقدر أنه تأرجح محكوم بكثير من الشروط، منها ما هو مرتبط بالدولة المضيفة، أي الجزائر، وأخرى لها صلة بمناخ العلاقات العربية- العربية، ومحيطها
فمنذ الإعلان عن انتقال القمة العربية القادمة إلى الجزائر، تناسلت
التساؤلات وكثُرت الأحاديث عن مدى قدرة الجزائر على تيسير ظروف انعقاد القمة فوق
أراضيها، بسبب أنها عرفت، من جهة، موجة من الاضطرابات الاجتماعية، عبر عنها الحراك
المدني القوي والسلمي منذ العام 2019، والذي لولا جائحة كورونا (2020) لكان له ما
بعده، ثم لأن الجزائر، من جهة أخرى، فقدت أرصدة قوتها الإقليمية والدولية منذ خريف
1988، وما أعقبتها من أحداث، من قبيل أعوام العشرية السوداء (1990-1999)، ومخلفات
ولايات حكم الرئيس "بوتفليقة".
وقد بدت الجزائر في أعقاب كل هذا دولة ضعيفة، عاجزة عن إعادة بناء ذاتها،
وأخطر من كل ذلك لم تعد أوضاعها مختلفة جوهريا عن أحوال كثير من البلاد العربية
التي عاشت ما عاشت خلال الألفية الجديدة (العراق/ سوريا/ ليبيا/ اليمن).
أما عربيا، فليست الجزائر في موقع توافق ووئام مع كل البلاد العربية، كما لم
تعد على نفس المقدار وبذات الصورة التي كانت لديها خلال السبعينيات، وإلى حد ما
إلى غاية منتصف ثمانينيات القرن الماضي، حيث فعلت الأحداث المشار إليها أعلاه فعلها
السلبي في تراجع مكانة الجزائر وتآكل قوتها المؤثرة، خصوصا وأن خطابات جديدة تبلورت
وأصبحت فاعلة في العلاقات العربية العربية. كما أن خريطة جيوسياسية جديدة طرأت على
المنطقة العربية، ليس للقوى العربية التقليدية فيها أي دور بارز (العراق وسوريا)، بل
هناك مراكز قوة وتأثير جديدة بزغت خلال العقدين الأخيرين (دول الخليج، على وجه
التحديد والمملكة المغربية ومصر).
ثمة قضايا عربية بالغة الأهمية يؤمل من القمة أن تنظر فيها، وتتخذ قرارات إيجابية
وفعالة بخصوصها، من قبيل "القضية الفلسطينية"، و"الأزمة
السورية"، والوضع في العراق، وفي ليبيا، ومستقبل السلام في اليمن، علاوة على التحديات
التي تواجه تونس اقتصاديا وسياسيا وأمنيا. ثم إن الأمر لا يتوقف عند هذه الملفات
ذات الطبيعة المركبة والمعقدة، بل هناك سياق دولي موسوم بالتوتر، ومرشح أن يزداد توترا
في القادم من الشهور، إذا لم تنتصر إرادة السلم وكبح جماح الحرب. والحال أن العرب
معنيون بهذه التوترات، بل توجد دولهم ومجتمعاتهم في قلب هذه المعادلات الدولية شائكة
التعقيد.
بات واضحا أن كل هذه الملفات ستعود مطوية من الجزائر، كما وصلتها مغلقة، علما أن هذه القضايا هي التي كان في مُكنها أن تُضفي على قمة الجزائر طابع الجدية، وتجعل منها قمة تاريخية ليست كسابقاتها
يُستبعد واقعيا أن يكون لقمّة الجزائر دور مقرر وفعال في القضايا العربية
المشار إليها، لأسباب موضوعية، تتعلق بانعدام وجود إرادة عربية ومناخ جماعي سليم لحلحلة
أحوال هذه البلدان، والدفع بها في اتجاه الحلّ الإيجابي والمتوازن. ثم إن الجامعة
العربية التي غدا عصيا عليها صياغة حلول متوازنة لأزمات هذه الدول من اندلاعها،
وقد تجاوز بعضها العشرين سنة (العراق)، لن يتأتى لها القيام بذلك في قمة تأرجح
انعقادها بين القبول والتردد في الإعلان عن المشاركة، أو الدعوة إلى الإرجاء
والتأجيل.
والحال أنه بات واضحا أن كل هذه الملفات ستعود مطوية من الجزائر، كما
وصلتها مغلقة، علما أن هذه القضايا هي التي كان في مُكنها أن تُضفي على قمة
الجزائر طابع الجدية، وتجعل منها قمة تاريخية ليست كسابقاتها. أما لماذا ليس لهذه
القضايا نصيب في قمة الجزائر، فذلك راجع لمناخ الإعداد للقمة، وللقضايا ذاتها، حيث
لا الفلسطينيون في وضع يسمح لهم بالظهور موحدين لدعم قضيتهم، ولا العراقيون قادرون
على تحفيز القمة على دعم وحدتهم وتماسكهم الداخلي، ولا سوريا خرجت من عنق الزجاجة
كي تستطيع العودة إلى بيت العرب، أي الجامعة العربية، ولا اليمن هدأت فيه الحرب واستقرت
لغة السلم والبحث عن السلام والوئام، ولا ليبيا تصالح الفرقاء من أجل وحدة وطنهم..
صورة البلاد العربية عشية القمة أن "الكل ضد الكل" في بلدان هذه
الملفات والقضايا. لذلك، ما قد تسفر عنه القمة، حين انعقادها، أنها ستكون مناسبة
لتبادل الكلمات والخطب، وإعلان النوايا والتمنيات ليس إلا.