أواخر نيسان/ أبريل الماضي فاجأ السيسي المتابعين بدعوته
إلى حوار وطني للقوى السياسية
المصرية، والتقى بالمرشح الرئاسي السابق حمدين
صباحي، وأفرج عن مدير حملته السابق حسام مؤنس، ثم جرت
إفراجات محدودة لبعض
المعتقلين، وكان التركيز الأكبر على المعتقلين من خارج تيار الحركات السياسية
الإسلامية، وتلك إشارة هامة لغاية إعلان
الحوار المزعوم، ومدى إتاحته لمساحات الحريات.
تضاربت التكهنات حول أسباب توقع صدور انفراجة سياسية
مفاجئة، وربطها البعض بالأوضاع الاقتصادية التي تتردى بسرعة ملحوظة، وربطها آخرون
بضغوط دولية مستمرة، وحان أوان تخفيفها. وبالطبع هلل لها
إعلاميو النظام باعتبارها صادرة من شخص عاقل وحريص على المصلحة الوطنية، لكن الذي
غاب عنّا في الأسابيع الأولى بعد الإعلان، أن مصر مقبلة على قمة دولية كبرى في
تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، وتحتاج إلى
تحسين مظهرها السياسي بالإفراج عن بعض
المعتقلين. ومن هنا ظهرت الحاجة إلى إحداث الانفراجة، خاصة أن هناك زعماء دوليين
بوجهين؛ يدعمون رأس النظام المصري في الخفاء، ويطالبونه باحترام
حقوق الإنسان في
العلن، ومن هنا كانت استجابة السيسي متوافقة مع الضغوط الحقيقية عليه، لا الضغوط
المعلنة.
مثّلت
قمة المناخ الدافع، لكن الاندفاع محدود، والمدفوع
يراوغ ولا يُراوِح؛ وآية المراوغة أنه قام بإفراجات سياسية محدودة من التيار غير
المحسوب على الإسلاميين، ولا يزال يتشبث بالإبقاء على المشاغبين أو ما يحلو لهم
تسميتهم بـ"سليطي اللسان" أمثال
علاء عبد الفتاح ومحمد عادل، واحتفظ
بحقوقيين أمثال العليمي وباقر. ويُقال إن سبب عدم الإفراج عن الأخيرين تجاوزهما
للخطوط الحمراء، والحديث عن حقوق النوبيين، وهي مسألة تستحق الاهتمام بها ولا تنال
حقها من الاهتمام الحقوقي والسياسي.
مثّلت قمة المناخ الدافع، لكن الاندفاع محدود، والمدفوع يراوغ ولا يُراوِح؛ وآية المراوغة أنه قام بإفراجات سياسية محدودة من التيار غير المحسوب على الإسلاميين، ولا يزال يتشبث بالإبقاء على المشاغبين أو ما يحلو لهم تسميتهم بـ"سليطي اللسان" أمثال علاء عبد الفتاح ومحمد عادل، واحتفظ بحقوقيين أمثال العليمي وباقر
ما حدث أن هناك من أتبع دعوة الحوار بخطاب غير معهود في
السنوات الأخيرة، وأصبح هناك حديث عن نصوص الدستور، وحريات المعتقلين، وخطأ الإجراءات
الاقتصادية. وسريعا أدرك النظام خطورة تكرار هذه الخطابات، فقام بمنع ظهور معارضين
على شاشاته، بعدما كان من المتوقع أن يظهروا، كذلك سمح النظام بعودة بعض المعارضين
من الخارج، وفي ذات الوقت قام بنفي معارض آخر، وهو أحمد طنطاوي، وأفرج عن معتقلين
سياسيين، لكنه اعتقل آخرين، وآخرهم إعادة اعتقال شريف الروبي المفرج عنه منذ أقل
من أربعة شهور.
أصبحنا أمام نظام يقوم بالفعل وعكسه، وهذا مؤشر ارتباك
في القرار، حتى وإن كان كل قرار واعيا ومقصودا؛ فالنظام يقصد تخفيف الضغوط، ويقصد
إسكات الأصوات، ويريد أن يقول للخارج إنه نظام منفتح ويسمح بحرية التعبير، لكنه
يريد تخويف من يريد انتقاده، ويدّعي انطلاق مسار الانفتاح السياسي بينما هو لا
يراوح مكانه، لذا يقوم بفعل ونقيضه.
آخر علامات الارتباك، كان صدور دعوة لعودة المعارضين من
الخارج، وصدرت من حزب الإصلاح والتنمية الذي أسسه السيد محمد السادات، وهو له صلات
بنافذين داخل الدولة، وما كان له أن يُصدر دعوة كهذه من تلقاء نفسه، كما أنه يحظى
بقبول بين أطياف كثيرة لنشاطه في ملفات المعتقلين. لكن النظام قام بعد هذه الدعوة
بإعادة اعتقال الناشط شريف الروبي، لأنه يتكلم عن
أوضاع المعتقلين، والأوضاع
المعيشية للمعتقلين السابقين بعد الإفراج عنهم، ولم يتحمل النظام هذا الكلام
البعيد عن انتقاد رأس السلطة مباشرة، ولا يتناول القرارات السياسية الصادرة عنه،
فأعاد اعتقاله ليزيد من التضييق على الروبي، وليؤكد تضارب رسائله، والتضارب بين
المؤسسات الأمنية التي تشارك في صياغة القرارات.
ستكلل النظم الدولية رعايتها للإرهاب الرسمي بعد شهرين تقريبا، وللمفارقة سيأتون في محفل دولي ضخم يتعلق بالمناخ، في دولة تقوم بمذابح يومية للأشجار، وترتفع فيها نسب تلوث الهواء والمياه، وسيزيدون من شرعية نظام مستبد
وقد أثار الروبي قبيل اعتقاله قضية هامة تتعلق بأوضاع
المعتقلين السابقين، وهي منعهم من العمل إما بقرار أمني، أو عبر خشية الأفراد من
تعيينهم إذا عُرفت هويتهم، وهذه ممارسة خطيرة يدفع النظام بها خصومه إلى خطوات قد
لا تكون محسوبة بعد سد كل السُّبل. كما أن هناك وقائع لا حصر لها عن استيلاء
النظام على ممتلكات لأشخاص، عبر لجنة حصر أموال الكيانات والجماعات التي يصفها
النظام بالإرهابية، وهناك وقائع أخرى لاستيلاء أشخاص على أموال منتمين للمعارضة
اضطروا إلى ترك منازلهم خوفا من الاعتقال، وعلم أولئك المجرمون ذلك، فأخذوا
منازلهم وممتلكاتهم دون وجه حق، وفي ظل تجاهل متعمد من قوات يفترض أنها تعمل على
حفظ السلم والأمن الأهلييْن.
إن النظام المصري لا يقدم للمعارضين سوى الإذلال والقمع،
ولا يُعنى الغرب بحقوق الإنسان إلا في الإعلام، وتجاربنا في المنطقة لا تقول سوى
أن الغرب إما مستبد أو متواطئ مع المستبدين أو راعٍ لهم، ولا تخرج التجربة عن أحد
هذه الأوصاف الثلاثة، ولو كانت هناك أمارة حقيقية تدل على تفاعل أممي من أجل قمع
الاستبداد، لما شعر المستبدون بالراحة في قمعهم للمعارضين، ولما استقرت عروشهم
لعشرات السنين كما يجري في منطقتنا.
ستكلل النظم الدولية رعايتها للإرهاب الرسمي بعد شهرين
تقريبا، وللمفارقة سيأتون في محفل دولي ضخم
يتعلق بالمناخ، في دولة تقوم بمذابح
يومية للأشجار، وترتفع فيها نسب تلوث الهواء والمياه، وسيزيدون من شرعية نظام
مستبد، ثم يقفون بتبجّح بعد ذلك ويسألون: لماذا لا نجد الدعم بين الشعوب العربية؟
twitter.com/Sharifayman86