هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
مع اقتراب العد التنازلي لذهاب الإسرائيليين لصناديق الاقتراع خلال أقل من شهر من الآن، تتطلع الأنظار إلى حزب المعسكر الوطني، الذي يضم الجنرالين بيني غانتس وزير الحرب وغادي آيزنكوت رئيس أركان الجيش السابق.
لكن المفاجأة أن الإسرائيليين لم يعودوا يبدون إعجابهم بانخراط الجنرالات في العمل السياسي والحزبي، فضلا عن تراجع قناعاتهم بأن لديهم الحلول لمشاكلهم التي فشل السياسيون في حلها، رغم أنهم تعلقوا في سنوات وعقود سابقة بكل من ارتدى الزي العسكري.
تنطلق القناعات الإسرائيلية الجديدة من أن القيادة العليا لجيش الاحتلال ليست أفضل بؤرة لتنمية الفكر الاستراتيجي الإبداعي الذي يسهم في منح دولة الاحتلال القدرة على مواجهة تحدياتها العسكرية وتهديداتها الأمنية، مع العلم أن القائمة الأخيرة لرؤساء الأركان، وآخرهم المنخرطون في حزب أزرق- أبيض سابقا، والمعسكر الوطني حاليا، تكشف عن ظاهرة مقلقة لدى الإسرائيليين المنزاحين يميناً، وهي حالة الإجماع الاستراتيجي لدى هذه القيادات العسكرية بانخراطهم تقريبا في استراتيجية أوسلو.
آفي بارئيلي، الكاتب في صحيفة إسرائيل اليوم، "يربط هذه القناعات الإسرائيلية الجديدة بما أقدم عليه مؤخرا غانتس وآيزنكوت، فالأول يجري لقاءات دورية مع رئيس السلطة الفلسطينية ومساعديه، والثاني صاحب نظرية الانفصال عن الفلسطينيين، وإخلاء بعض المستوطنات في الضفة الغربية، ولعل هذه القناعات لديهم مرتبطة بتكييفها مع التوجهات الاستراتيجية للأمريكيين، وحتى التنسيق المسبق معهم".
وأضاف في مقال ترجمته "عربي21" أن "هذه المواقف للجنرالات لا تقتصر على الموضوع الفلسطيني، بل إن تعاملهم مع الملف النووي الإيراني يطرح عليهم تساؤلات بشكل حاد، رغم أن مناقشات هذا الموضوع تتم بسرية كبيرة، لكن من القليل مما هو معروف يظهر أن هؤلاء لا يفضلون موقفًا إسرائيلياً مفرطًا في الاستقلال عن واشنطن، الأمر الذي قد يكون له تبعات ضارة جدا على المسار الاستراتيجي لإسرائيل، رغم أن هذه المواقف تعود في طبيعتها إلى النزعة المحافظة لدى الجنرالات".
وأشار إلى أن "ما يطرحه الجنرالات الإسرائيليون اليوم من شعارات انتخابية حول التمسك بالتحالف مع الولايات المتحدة لدرجة فقدان الاستقلال تقريبا، أو إعلان شعارات الانفصال عن الفلسطينيين، و"الشجاعة من أجل السلام"، لا تعدّ حاضنة مناسبة لزراعة الفكر الاستراتيجي الذي تحتاجه إسرائيل، سواء بسبب النزعة المحافظة التي توجه هذه القناعات، أو لأن حياة الجيش أصبحت معزولة نسبيًا عن مجالات الثقافة والسياسة والاقتصاد في إسرائيل".
يبدو غريبا مثل هذا النقد الموجه لقادة جيش الاحتلال في دولة تعتبر هذا الجيش بمثابة "البقرة المقدسة"، التي لا ينبغي مهاجمتها أو انتقادها، لكن الإخفاقات العسكرية الأخيرة التي مني بها الجيش دفعت الإسرائيليين للتجرؤ على نقده، واعتباره المكان غير المناسب للتنمية السياسية والفكرية، ما يجعل فرصة أن ينشأ ضابط أو جنرال كبير جدير بقيادة إسرائيل ليست عالية، وفي ظل هذه الخلفية، يمكن فهم المواقف المعارضة لصفقة القرن التي أبداها غانتس وغابي أشكنازي، بل حاولا إفشالها.
الخلاصة أن المسيرة العسكرية الغنية لغانتس وآيزنكوت اليوم، وفق التوصيف الإسرائيلي، لا تؤهلهم للتعامل مع التغييرات الهائلة التي تسببها الحرب في أوكرانيا، وسوف تتسبب فيها على الساحة السياسية الدولية، كما أنهم لا يبدون جديرين، وفق الاتهام الإسرائيلي، بمحاربة ناجعة للمقاومة الفلسطينية، بزعم أنهما لا يحيطان بجميع جوانب الصراع الفلسطيني الإسرائيلي: ديموغرافياً واقتصادياً وسياسياً وثقافياً، بجانب الأبعاد العسكرية.
يستعين الإسرائيليون بالتاريخ للتأكيد على هذه الفرضية الجديدة، بزعم أن هناك ثلاثة رؤساء وزراء كانت خلفيتهم عسكرية، أولهم إيهود باراك بوصفه أحد أكثر رؤساء الوزراء فشلًا مع أقل قدر من التفاهم السياسي هنا على الإطلاق، فيما وصل إسحاق رابين وأريييل شارون، بغض النظر عن تقييم فترة خدمتهم العسكرية، إلى موقع القيادة بعد سنوات من التدريب السياسي لفترة طويلة، لكن الأول وقع اتفاق التسوية مع الفلسطينيين، والثاني انسحب من غزة.
النتيجة التي يسعى الإسرائيليون للوصول إليها تتمثل بأن غانتس وآيزنكوت لم يكتسبا بعد خبرة سياسية، ولم يشرحا حتى الآن نظرتهم للمسار الاستراتيجي الجديد لدولة الاحتلال، بل إنهما يدعوان إلى ما يسميه الإسرائيليون نمط المحاولة الفاشلة لرابين وبيريس بتسوية الصراع مع الفلسطينيين على الأرض، ما يجعل خدمتهم العسكرية في حد ذاتها ليست ضمانة لقدرتهم على قيادة الدولة، بل العكس، فإن الإسرائيليين مطالبون بالبحث عن قيادة إستراتيجية في مكان آخر، وليس بالضرورة في الجيش.