هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
في الوقت الذي يتهم فيه بنيامين نتنياهو، زعيم المعارضة الإسرائيلية خصمه رئيس الحكومة يائير لابيد بالخضوع لحزب الله اللبناني في مفاوضات اتفاقية ترسيم الحدود البحرية، فإن الإسرائيليين يذكّرونه بأنه هو ذاته الذي توصل إلى ما يصفونها بـ"الصفقة المخزية" مع حركة حماس لإطلاق سراح الجندي الأسير غلعاد شاليط.
ويستعيد الإسرائيليون المعارضون لنتنياهو تفاصيل صفقة تبادل الأسرى مع "حماس" في مثل هذه الأيام قبل أحد عشر عاما، وقد كانت صفقة مهينة من وجهة النظر الإسرائيلية، ووقعها آنذاك رئيس الوزراء نتنياهو، الذي تحول فجأة ليصبح من أكبر منتقدي صفقة الغاز والحدود البحرية بين إسرائيل ولبنان، مع العلم أن صفقة التبادل المذكورة كانت غير مسبوقة في تاريخ الصفقات السابقة، لا سيما من خلال أعداد الأسرى الفلسطينيين المفرج عنهم، 1027 أسيرا مقابل جندي واحد.
آفي يسسخاروف خبير الشؤون الفلسطينية ذكر أن "نتنياهو لا يحق له معايرة لابيد بالخضوع لحزب الله في الاتفاق الأخير مع لبنان، لأن الصفقة التي وقع عليها بيده شكلت سابقة تاريخية في دولة الاحتلال، سواء بالنسبة لعدد الأسرى الفلسطينيين المفرج عنهم، أو هوياتهم التنظيمية، وانتماء معظمهم إلى "حماس"، ومن بين المفرج عنهم 280 محكوما عليهم بالسجن المؤبد لارتكابهم أعمالا دامية ضد إسرائيليين، ورغم أنه تم ترحيل العديد منهم من الضفة الغربية إلى قطاع غزة وخارجها، فإنهم ما زالوا يعتبرون خطرًا على أمن إسرائيل".
وأضاف في مقال نشرته صحيفة يديعوت أحرونوت، وترجمته "عربي21" أن "هذه الصفقة التي وقع عليها نتنياهو غيّرت وجه حماس في عدد من المستويات، أولها أنها أعطت دفعة كبيرة لشعبية الحركة، وقدمت دليلاً على استقامة طريقها، ومفاده أن الإسرائيليين يستسلمون للقوة، وثانيها بسبب إطلاق سراح العديد من قادتها من السجون، تم استبدال قيادتها في السنوات التالية، فأصبحت قيادتها السياسية والعسكرية من الأسرى المحررين، سواء في قطاع غزة أو الضفة الغربية، وهم مشغولون على مدار الساعة بتوجيه وتمويل العمليات المسلحة ضد إسرائيل، وبعض المفرج عنهم ممن عادوا لمنازلهم بالضفة نفذوا عمليات".
اقرأ أيضا: قراءة إسرائيلية في اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع لبنان
وأكد أن "شخصا واحدا مسؤولا عن كل هذه الآثار والتبعات الاستراتيجية، وهو نتنياهو، مع أن سلفه إيهود أولمرت رئيس الحكومة الأسبق عارض الصفقة بشدة، ورفض مطالب حماس، والواضح اليوم أن إسرائيل في ظل قيادته أذعنت لإملاءات حماس التي نجحت بالإفراج عن أكثر من ألف أسير لإطلاق سراح شاليط بعد خمس سنوات من أسره، وفيما حماس لم تغير مطالبها، فقد أثبت نتنياهو، وبأبسط العبارات، أنه قابل للطي والاستجابة للابتزاز، وأعطى حماس ما تريد".
ويستذكر الإسرائيليون جملة من الأحداث السياسية والعسكرية التي تثبت أن نتنياهو لا يحق له اتهام لابيد بالخضوع لحزب الله في اتفاق الغاز والحدود البحرية، لأنه هو ذاته صاحب سجل طويل من الخضوع للفلسطينيين، وفضلا عن صفقة التبادل مع حماس في 2011، فإنه سبق له أن انحنى للقوة الفلسطينية أكثر من مرة، قبل وبعد صفقة التبادل.
من هذه الأحداث، انتفاضة النفق في سبتمبر 1996 حيث قتل 17 جنديًا ومائة فلسطيني، وتوصلت الحكومة الإسرائيلية بقيادة نتنياهو ومنظمة التحرير الفلسطينية بقيادة ياسر عرفات إلى "اتفاق الخليل" الذي شمل انسحابا إسرائيليا من مناطق واسعة في الخليل، وتقسيمها لمنطقتي H1 وH2.
وفي هبة البوابات الإلكترونية في المسجد الأقصى في تموز/ يوليو 2017، وبعد موجة من إطلاق الصواريخ من غزة باتجاه إسرائيل، ومظاهرات عنيفة وعاصفة، أمر نتنياهو بطي أجهزة الكشف عن المعادن الموضوعة عند مدخل المسجد الأقصى، بعد هجوم خطير هناك قتل فيه شرطيان.
في الخلاصة، فإن الاتفاق الإسرائيلي مع لبنان حول الغاز والحدود البحرية تضمن تنازلات إسرائيلية واضحة، لكنها ليست المرة الأولى، ولعل الخوف من نزاع مسلح مع حزب الله كان جزءًا من عملية صنع القرار في إسرائيل، وبسبب ذلك فقد رضيت بأن تخسر مبلغًا كبيرًا من المال، مقابل جملة مزايا أهمها استقرار الساحة السياسية في مواجهة لبنان، وبدء العمل في حقل كاريش، في بيئة هادئة توفر عائدات كبيرة لخزينة الدولة.
ومع أن الاتفاق بحد ذاته بين لبنان والاحتلال يعتبر من وجهة نظره تغييرا مهما، ولعل حزب الله، الحريص جدًا منذ 2006 على عدم الانجرار لصراع مسلح معه، سيكون أكثر حرصًا الآن، صحيح أن الاحتلال قدم تنازلا لصالح لبنان، انطلاقا من فهمه بأن الهدوء الميداني أفضل على الأصعدة الاقتصادية، لكن لا أحد في دولة الاحتلال، بمن فيهم أنصار نتنياهو، يريد مواجهة أمامية مع حزب الله، مما سيكلف أرواحا بالمئات، إن لم يكن الآلاف، ويلحق أضرارًا بالغة بالاقتصاد الإسرائيلي.