هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
في الوقت الذي تواصل فيه مجموعات "عرين الأسود" تحدي قوات الاحتلال، واستقطاب الجماهير الفلسطينية حولها، فإنها تلفت أنظار الضباط والخبراء الإسرائيليين للتعرف على ماهية هذا الجيل الجديد الذي أنتج هذه الظاهرة.
ومما يزيد من حيرة الاحتلال، أن هذه المجموعات لا تنتمي تنظيميا لأي فصيل بعينه، ولا تتمترس خلف أيديولوجية بعينها، مما يجعل من استمرار نشاطها يحمل عددا من التهديدات المركزية باتجاه الاحتلال.
يتوقف الإسرائيليون عند الرسائل الصوتية التي يبعث بها قادة عرين الأسود للجماهير الفلسطينية، وهي رسائل سرعان ما تنتشر عبر شبكات التواصل الاجتماعي انتشار النار في الهشيم، وتحمل كلها معان حماسية لتشجيع الشبان الفلسطينيين على اتباع طريق النضال، مما جعل هذه المجموعات تشكل أحد أخطر التحديات الأمنية التي تواجهها إسرائيل على الساحة الفلسطينية.
مايكل ميلشتاين رئيس منتدى الدراسات الفلسطينية بمركز دايان في جامعة تل أبيب، وباحث بمعهد السياسة والاستراتيجية في جامعة رايخمان، أشار إلى أن "ظاهرة عرين الأسود انفجرت في الأراضي الفلسطينية، وتحديدا في نابلس، قبل أكثر من شهر بقليل، وباتت تشكل تهديدا أمنيا لقوات الاحتلال، لكنها في الوقت نفسه أيضًا مقدمة لعمليات عميقة في الساحة الفلسطينية، وقبل كل شيء تحمل مزيدا من التأثير للجيل الفلسطيني الشاب، الذي يتمتع بخصائص فريدة، رغم أنها تشبه مجموعات أقل حجمًا وعلى نطاق أضيق، مثل كتيبة جنين وعش الدبابير في جنين".
وأضاف في مقال نشره موقع القناة 12، وترجمته "عربي21" أن "نشوء هذه المجموعات في مخيمات اللاجئين أمر طبيعي لأنها مناطق ذات تاريخ طويل من التحريض ضد أي نوع من الاحتلال، لكن تحليل صور نشطاء "عرين الأسود" يظهر عددًا من الخطوط البارزة، فمعظمهم ولدوا عام 2000، أي أن ذكرياتهم محدودة نسبيًا من الانتفاضة الثانية، لكنهم يذكرون أحداث انتفاضة السكاكين في 2015، وبدلا من السلاح الأبيض، فقد باتوا يحملون أسلحة نارية، ويظهرون ازدراء للسلطة الفلسطينية، ورغم أنها لا تضم سوى بضع عشرات، لكنها تتمتع بصدى واسع في الشارع الفلسطيني، خاصة بين الشباب".
وأكد أن "عرين الأسود استطاعت أن تتصدر فضاء الإنترنت، ومقاطع Tiktok، رغم أنهم يعملون بشكل مستقل، وليس من خلال تنظيمات مؤسسية أو هرمية، ويمثل استمرار نشاطهم ثلاثة تهديدات رئيسية، أولها إلحاق الأذى بقوات الجيش والمستوطنين في مدن الشمال، وثانيها تقليدهم المحتمل في مراكز أخرى من الضفة الغربية من الشباب الذين يتوقون لهذا العمل، مما سيعزز التهديد الأمني للاحتلال، وثالثها وأخطرها احتمال أن ترعى حماس هذه المجموعات، وتزودها بالدعم المالي واللوجستي والعسكري، وتوجه أنشطتها".
تحمل هذه المعطيات الإسرائيلية قناعة لا تخطئها العين بأن الاحتلال بات يجد نفسه من خلال ظاهرة عرين الأسود في فخ استراتيجي في ظل التصعيد في الضفة الغربية، رغم الواقع السياسي الحساس عشية الانتخابات، مما قد يزيد الحاجة لتوسيع النشاط العسكري في شمال الضفة الغربية لإجهاض هذه التجربة المبتدئة قبل تصاعدها وانتشارها، حيث يخشى الاحتلال من حدوث احتجاجات في مراكز إضافية من الضفة الغربية.
وأي تحرك إسرائيلي ضد عرين الأسود عبر خطوة عسكرية واسعة، قد يدفع لمزيد من الاندماج الشعبي الفلسطيني الواسع؛ ويؤثر سلبا على التنسيق المنتظم مع السلطة الفلسطينية، التي تعاني من صورة سلبية أمام الشارع الفلسطيني، مما يحتم في البعد الاستراتيجي على أي حكومة بعد الانتخابات أن تضع الموضوع الفلسطيني على رأس جدول الأعمال، بعد فشل النماذج القديمة لـ"إدارة الصراع" و"السلام الاقتصادي" وأن "الوقت يلعب لصالحنا"، ولذلك لا تخفي الأوساط الإسرائيلية قلقها من تصاعد أحداث الأشهر القليلة الماضية لأنها تحمل إشارات تحذيرية، خاصة فيما يتعلق بتكثيف التهديدات الأمنية.