هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
عنوان الكتاب: صندوق النقد الدّولي، الخطر الجاثم على الشعوب (الجزء الثاني)
المؤلّفة: جنّات بن عبد الله
النّاشر: مطبعة SIMPACT
الطبعة الأولى: 2022
عدد الصفحات: 304
منذ تعيينها بأمر رئاسي، بتاريخ الحادي عشر من تشرين الأول (أكتوبر) 2021، ظلّت الحكومة التونسية برئاسة نجلاء بودن تطارد اتفاقا تمويليا مع صندوق النقد الدولي. وبالرّغم من الانتقادات الكبيرة التي رافقت تجربة الإصلاح الهيكلي الذي طبّقته تونس مع الصندوق المذكور بداية من سنة 1986 وما ترتّب عنه لاحقا من آثار كارثية على المالية العمومية، فإنّ ما يشهده البلد طيلة الأشهر الأخيرة من انخرام توازناته المالية، إلى حدّ العجز عن توفير المواد التموينية الأساسية، في ظلّ خفض تصنيفه من قبل وكالات التصنيف الائتماني، جعل وزيرة المالية سهام البوغديري تصرّح بأنّ " توصل الوفد التونسي لاتفاق مع صندوق النقد، أمر مفرح سيفتحُ باب التمويلات الأجنبية".
وجاء تصريح البوغديري عقب توصّل الفريق التونسي المفاوض أواسط هذا الشهر إلى "اتفاق لدعم السياسات الاقتصادية التونسية، يمتد على مدى 48 شهرا، في إطار تسهيلات القرض الممدد وحجمه 1.9 مليار دولار أمريكي". وبدوره قال صندوق النقد الدولي في بيان، السبت 15 من تشرين الأوّل/ أكتوبر؛ إن هذا التمويل سيمكن المجتمع الدولي من المساهمة بشكل كبير في نجاح برنامج الإصلاح التونسي، من خلال منح تمويلات إضافية.
بين ترحيب الحكومة التونسية الحالية بالاتفاق المبدئي المبرم مع صندوق النقد الدّولي، إلى الحدّ الذي يتمّ تسويق الاتفاق بمنزلة المخرج من أزمتها المالية وبين تحفّظات عدّة يطرحها خبراء ماليون واقتصاديون، تتعلّق أساسا بفرض سياسة تقشفية، تقوم على رفع الدّعم والانخراط غير العقلاني في سياسات الإصلاح الهيكلي، التي يطرحها صندوق النقد الدّولي.
في هذا الإطار، يتنزّل تقديمنا لكتاب "صندوق النقد الدّولي، الخطر الجاثم على الشعوب" لمؤلفته جنات بن عبد الله، الصحفية والإعلامية المتخصصة في الشأن الاقتصادي والتجارة الدّولية. وهي إلى ذلك رئيسة تحرير بجريدة "الصحافة اليوم" التونسية وتشتغل بالقطاع الصحفي منذ سنة 1984، وهي حاصلة على الماجستير في التجارة الدّولية، وعلى الماجستير في الاقتصاد، ومدرّسة سابقة بمعهد الصحافة وعلوم الإخبار. وصدر للصحفية جنّات بن عبد الله كتابان آخران بعنوان: "الثورة المهدورة..تأمّلات في التفاوض الندّي والسلوك السيادي مع الاتحاد الأوروبي" (2016) و"القطاع السمعي البصري من منظور الاتفاق العام لتجارة الخدمات وواقعه في تونس" (2012).
ولئن اقتصرنا في تقديمنا لجزء وحيد من الكتاب وهو الجزء الثاني، فإن المؤلَّف جاء في جزأين اثنين، واعتبرته مؤلِّفته "مذكرات يومية لاقتصاد دفع به حكُّامه إلی غرفة الانعاش بالتواطؤ مع الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي. ومثلما بينت جنات بن عبد الله في تقديمها للجزء الأوّل من مؤلفها، فإن الكتاب يسلّط الأضواء على محطّات تاريخية مفصليّة في مسيرة الاقتصاد التونسي ما بعد ثورة 17 كانون الأول/ديسمبر 2010- 14 كانون الثاني/جانفي 2011، من خلال عمل الحكومات منذ أيار/ماي 2016 إلى آب/أوت 2022 وتنفيذها لأجندات صندوق النقد الدّولي والاتحاد الأوروبي، سواء من خلال مشاريع القوانين التي تمّ تمريرها بمجلس نوّاب الشعب، أو مناقشة مشاريع ميزانية الدّولة في ظلّ سياسة تضليل وتعتيم ممنهجة. وعلى وجه الخصوص، اعتنى الجزء الثاني من المؤلف الذي نحن بصدد تقديمه، على المقالات الصحفية المنشورة بين كانون الثاني/يناير 2020 إلى آب/ أغسطس 2022.
أزمة كورونا تعمّق تبعيّة الدّول النامية لصندوق النّقد الدّولي
تلفت جنات بن عبد الله الانتباه إلى أنّه بالرغم من أنّ تفشّي فيروس كورونا بداية سنة 2020 دفع المؤسسات الماليّة الدّولية من صندوق النقد الدّولي ومجموعة البنك الدّولي، إلى احتواء تداعيات تباطؤ نمو الاقتصاد العالمي واتخاذ إجراءات وتدابير استثنائيّة وعاجلة، وتقديم مساعدات فنية ومالية للبلدان النامية والأشد فقرا، فإنّ المحصّلة بينت أن جملة الإجراءات المعلن عنها، إنّما جاءت لتوظيف هذه الأزمة الإنسانية لفائدة الشركات، خاصة تلك التي تشتغل في مجال الأدوية ولفائدة الدولار الأمريكي.
ولئن صرّحت كريستالينا غورغييفا، المديرة العامّة لصندوق النّقد الدّولي، حينها بأنّ جائحة كورونا فرضت إعطاء الأولويّة في البلدان النّامية لتدابير المالية العمومية وتركيز تحرّك الحكومات على معالجة مواطن الضغوط والقصور في نظامها الصحي وحث وزراء المالية في هذه البلدان على تمويل نفقات الحماية الاجتماعية، فإنّ الفيديرالي الأمريكي انطلق في ضخّ الدولار الأمريكي دون الخوف من التضخّم؛ باعتبار أن جزءا من هذه الأموال سيتمّ توزيعها على البلدان النامية التي لها برامج إصلاحات هيكليّة، وذلك في "صيغة قروض تستعملها لمزيد التوريد، بما يضمن ديناميكية اقتصاديات الدّول المصنّعة، ويعمّق الرّكود الاقتصادي في هذه البلدان، التي دمّرت منظومات إنتاجها بسياسة نقديّة متشدّدة فرضها الصّندوق، مقابل مزيد الحصول على القروض الخارجيّة".
في ذات السياق، تلفت جنات بن عبد الله الانتباه إلى أن صندوق النقد الدّولي لم يتعرّض إلى دور السياسة النقدية في البلدان النّامية. مدللة على ذلك بأنّه في حين وظّفت البلدان المصنّعة هذه السياسة للوقوف إلى جانب القطاع الخاص والشركات بالتخفيض في أسعار الفائدة، كانت رسالة المديرة العامة للصندوق واضحة عندما "حددت مربّع تحرّك حكومات البلدان النامية، ودعتها إلى الاكتفاء بسياسة المالية العمومية، في الوقت الذي تعاني ميزانياتها عجزا يحدّ من هامش تدخّلها في القطاع الصحّي وغيره من القطاعات، بما يكرّس تبعيّتها المطلقة لهذه المؤسسات الدولية، خاصّة في فترة الأزمات، تضيف ابن عبد الله.
ضخّ العملة دون مقابل في الإنتاج يمثل انتحارا
تشير المؤلِّفة إلى أنه لئن تمّ الترويج لخطط الإنقاذ الماليّة التي قامت بها البنوك المركزية الفيديرالية منها والأوروبية وأيضا الوطنيّة على غرار ألمانيا وفرنسا، باعتبارها تضخّ بالأورو، على أنّها ترمي إلى حماية الشركات من الإفلاس وتوفير السيولة النقدية لها وللدول لتمويل ميزانياتها من جهة، ومن جهة أخرى ترفع الضغوط المالية على الشركات وعلى الدّول المدعوّة إلى تسديد ديونها تجاه القطاع البنكي، فإنّ هذه السياسة لا تخلو من خطورة ومخاطر عديدة، بل هناك من يصفها بالانتحارية. مضيفة أنّ خطورة هذه السياسة تكمن في مضاعفة حجم الأورو والدولارات المتداولة في العالم دون مقابل في الإنتاج، بما يهدد بدخول العالم في أزمة تضخّم. ولئن أخذت هذه السياسات في الدّول المصنّعة بعين الاعتبار كلّ المخاطر المحتملة على القطاع البنكي، من خلال وضع معايير صارمة تحمي البنوك وتحافظ على استقرار الأسواق، فإن الأمر مختلف في الدّول النامية على غرار لبنان وتونس.
ففي لبنان وتونس مثلا الوضع مختلف تماما؛ فهذه البلدان، وفق جنات بن عبد الله، تخضع منذ ثمانينيات القرن الماضي لوصفات صندوق النقد الدّولي والبنك الدّولي، المتمثلة في تبنّي سياسات تقشف حادّة، دفعت إلى تفقير شعوبها، وسياسة نقدية متشدّدة دفعت إلى الترفيع اللامتناهي لنسبة الفائدة المديرية لبنوكها المركزيّة، أدّت إلى تدهور المقدرة الشرائيّة للمواطن وتدمير الاستثمار الوطني ومنظومة الإنتاج الوطنية، فإن سيادتها النقديّة تبقى مبتورة ولا مجال أمامها لتبني خطط إنعاش لاقتصاداتها، على غرار ما يقوم به الاحتياطي الفيديرالي الأمريكي والبنك المركزي الأوروبي، من خلال ضخّ الأموال بصفة جنونيّة.
تمّ الترويج لخطط الإنقاذ الماليّة التي قامت بها البنوك المركزية الفيديرالية منها والأوروبية، وأيضا الوطنيّة على غرار ألمانيا وفرنسا، باعتبارها تضخّ بالأورو، على أنّها ترمي إلى حماية الشركات من الإفلاس وتوفير السيولة النقدية لها وللدول لتمويل ميزانياتها من جهة، ومن جهة أخرى ترفع الضغوط المالية على الشركات وعلى الدّول المدعوّة إلى تسديد ديونها تجاه القطاع البنكي،
وعليه، تخلص جنّات بن عبدّ الله إلى أنّ طريقة التعاطي العمياء من قبل حكومات الدّول النامية، على وجه الخصوص، الحكومات التونسية بدءا من حكومة إلياس الفخفاخ (27 شباط/فيفري 2020 ـ 15 تموز/يوليو 2020)، مع التحدّيات الاقتصادية التي فرضتها أزمة كورونا، لم تخرج عمّا أسمتها بالأعراف المدمّرة التي أحكمت المؤسسات الماليّة الدّوليّة على تكريسها في بلداننا، وتبقى وجهتها صندوق النّقد الدّولي والبنك الدّولي للاقتراض منها، خاصّة أنّ هذه الأخيرة قد أعلنت عن تخصيص اعتمادات للبلدان النامية لمواجهة أزمة كورونا وتداعياتها. ومن ثم عوض الاعتماد على القدرات الذّاتية والقطع مع تبعيّة ماليّة مدمّرة، ستعمّق هذه الأزمة مديونية الدّول النامية. وحتّى إن حاولت هذه الأخيرة الإفلات منها، فإنّ الوقوع في فخّها يبقى جاثما عليها في غياب وجود بنك مركزي مستقل السياسة والإرادة.
حكومة نجلاء بودن والانخراط في برنامج الإصلاحات الهيكلية
بالرغم من خطورة وضعيّة الماليّة العموميّة وعجز الميزان التجاري اللذين وجدتهما حكومة بودن، لم تخف جنات بن عبد الله استغرابها من انخراط الحكومة "بكلّ أريحيّة" في برنامج الإصلاحات الاقتصاديّة لصندوق النقد الدّولي، الذي شكّل محور توجّهات ميزانيّة الدّولة وقانون المالية لسنة 2022، في ظلّ سياسة تعتيم إعلاميّة أغلقت كلّ منافذ الوصول إلى المعلومة.
وكانت وزيرة الماليّة اعتبرت قانون المالية لسنة 2022 محطّة أولى في تعهد حكومة بودن الانخراط في برنامج الإصلاحات، الذي ستتوجه الدّولة التونسيّة إلى صندوق النقد الدّولي للحصول على تمويل جديد، بل هو نقطة ارتكاز هذا البرنامج الذي يغطّي الفترة من سنة 2022 إلى سنة 2026، وتعبير عن استعداد حكومة بودن لاستكمال ما أبطأت في تنفيذه الحكومات التي جاءت بعد انتخابات سنة 2014.
وبذلك يتبين أنّ حكومة بودن لم تشذّ عن منوال الحكومات المتعاقبة بعد الثورة. منوال كرّسته الحكومات المتعاقبة، من خلال توجّهات قانون الماليّة وإجراءاته، وهو برنامج إصلاحات هيكلية مموّل من الأطراف الخارجيّة المانحة، يتضارب مع حقوق الشعب التونسي في العمل والصحة والتعليم والبيئة السليمة والنقل وكرامة العيش، استماتت في الدّفاع عنه بتوصية من المديرة العامّة لصندوق النقد الدّولي عند زيارتها لتونس في سنة 2012.
وتستدلّ جنات بن عبد الله على هذا التوجّه الذي سارت فيه حكومة بودن، من خلال ما عبّر عنه سمير سعيّد، وزير الاقتصاد والتخطيط في حكومة بودن، بمناسبة أشغال الدّورة 35 لأيّام المؤسسة التي نظّمها المعهد العربي لرؤساء المؤسسات، عندما علّق على الشروط التي تفرضها جهات التمويل الأجنبيّة على غرار صندوق النقد الدّولي بالقول؛ "إنّ جميع مقترحات الإصلاح التي تتقدّم بها هذه المؤسسات تصبّ في مصلحة تونس". في هذا الإطار، تستغرب الكاتبة وصف سعيّد ما سيقدم بودن على تنفيذه بأنّه "ردّة فعل تجاه التراكمات السابقة التي قادت إلى الرّكود الاقتصادي طيلة عشر سنوات، زادها الوضع الصحي حدّة"، وكأنّه أراد تبرئة برنامج الإصلاحات الهيكلية ممّا تعانيه اليوم المالية العمومية من شحّ في السيولة، وما تسبب فيه قانون استقلالية البنك المركزي من انهيار للدينار وتدمير لمحرّكات النّمو من استهلاك واستثمار، باعتبار البنك المركزي هو من يترجم الإصلاحات في مجال السياسة النقدية.
في ذات السياق، اعتبرت جنات بن عبد الله أن مسار حكومة بودن فضحته مستشارة رئيسة الحكومة سامية الشرفي قدّور في افتتاح الملتقى السنوي لمراقبي المصاريف العمومية لسنة 2021، المتمثلة في مزيد ترشيد الإنفاق العمومي ومضاعفة القدرات الاقتصاديّة، من خلال خلق شروط إنتاج الثروة في كامل أنحاء البلاد عبر الاستثمار والادخار.
حكومة بودن وسياسة رفع الدّعم
تؤكّد الكاتبة أن ما يكشف انخراط حكومة بودن في سياسة الإصلاحات الهيكلية المفروضة من قبل صندوق النقد الدّولي، هو أنّه عوض اتباعها سياسة ماليّة عموميّة "تقوم على تحفيز الطّلب والتشجيع على الإنتاج من خلال سياسة ماليّة عمومية توسّعية"، لم تتردد هذه الحكومة في ما أسمته بالسقوط في الإصلاحات التي تقوم على سياسة تقشّفيّة، قوامها مواصلة تجميد الأجور والانتداب في الوظيفة العموميّة، ورفع الدّعم عن المواد الأساسية والمحروقات، والترفيع في الضّرائب والأداءات، والتفويت في المؤسسات العموميّة، معلنة بذلك الحرب على الشعب التونسي، تضيف ابن عبد الله.
وتتساءل الكاتبة عن هامش التحرّك الممكن والمتاح أمام الشعب التونسي للتعبير عن رفضه للزيادات في أسعار الخبز ومشتقات الحبوب والزيادات المنتظرة في الأداءات، فضلا عمّا ينتظرنا من سياسة نقدية متشددة تقوم على الترفيع في نسبة الفائدة المديرية للبنك المركزي لمواجهة ارتفاع الأسعار، التي ستأخذ منحى تصاعديّا نتيجة رفع الدّعم على المحروقات وعلى المواد الأساسية، وسياسة صرف مرنة تؤدّي إلى مزيد انهيار الدّينار، بسبب تراجع التصدير نتيجة ضرب الاستثمار. وتخلص ابن عبد الله إلى أنّ هذه الحكومة لا تتردّد في التسويق للوهم والمغالطات، كسابقاتها.
بين هاجس السلطة والإصلاح الحقيقي
ترى جنات بن عبد الله أن انخراط حكومة بودن في برنامج الإصلاحات الهيكلية لصندوق النقد الدّولي، يكشف عن تعمّد ممنهج لمغالطة الرّأي العام الوطني والشعب التونسي، في قدراته الذّاتيّة للخروج من الأزمة واقتراح حلول وطنيّة حقيقيّة تقوم على إعادة الاعتبار لقطاعات الاقتصاديّة المنتجة، وعلى الاستثمار الوطني وإعادة الاعتبار للدّينار، عبر إلغاء قانون استقلاليّة البنك المركزي، ووضع الترسانة القانونية التي صادق عليها مجلس نواب الشعب بين سنتي 2014 و2019 تحت مجهر أولوياتنا التنموية.
في ذات السياق، تؤكد الكاتبة أنّ التلاعب والمغالطات في طرح الإشكاليات والصعوبات التي تواجهها تونس، كانت سمة الحكومات المتعاقبة بعد الثورة، لتخرج للرّأي العام ببرامج إنقاذ لم تتجاوز مربع برنامج الإصلاحات الهيكلية لصندوق النقد الدّولي، وخارطة طريق البرلمان الأوروبي والاتحاد الأوروبي، هاجسها في ذلك ليس الإنقاذ، ولكن ضمان وجودها في السلطة... حكومة قيس سعيّد لم تشذّ وأعدّت ما أسمته بـ"برنامج الخروج من الأزمة" على مقاس وصفة صندوق النّقد الدّولي وانتظارات الاتحاد الأوروبي، بعيدا عن تطلّعات التونسيين وأولوياتهم، وحقّهم في الشغل والصحّة والتعليم.
صندوق النقد الدّولي أقرب الحلول لمن لا حلّ له
على أهمية ما فضحته جنّات بن عبد الله في مؤلفّها القيّم من شروط مجحفة لصندوق النقد الدّولي، وما اجتهدت في تفكيكه من تبعات كارثية لقرار الحكومة الموافقة على الشروط المجحفة لصندوق النقد الدّولي، على استقلال القرار الوطني وعلى العملة الوطنية، باعتبار أن صندوق النقد الدّولي ما فتئ يطالب بـ"زيادة مرونة سعر صرف الدينار لتحسين القدرة التنافسية الخارجية، وإعادة بناء الاحتياطات الأجنبية"، فإنّ خبراء ماليين كُثُر تبنّوا خيار الحكومة التونسية المضي في اتفاق مع صندوق النقد الدّولي، ليس باعتباره خيارا استراتيجيا، وإنّما لاعتبارات عديدة، يذكرون منها دقّة المرحلة الاقتصادية الحالية التي زادتها الحرب الروسية الأوكرانية تأزّما.
وفي وضع باتت فيه الحكومة عاجزة عن سداد طلبيات موادها التموينية، ونظرا لأن صندوق النقد الدّولي يطرح قروضا بأقل نسبة فائدة مقارنة بمصادر تمويل أخرى، فضلا عن كون توقيع الاتفاق المذكور هو مدخل أساسي للحصول على قروض أخرى تأخّر تقديمها حتى من قبل الدّول المساندة لمسار 25 جويلية 2021. ومن ثم فإن اللجوء إلى صندوق النقد الدّولي هو في النهاية ضرورة وليس خيارا، و"يفتح الطريق أمام مزيد من الدمار حسب جنات بن عبد الله، التي ودعت قراءها برسالة برقية تقول: "ويستمر الدمار".