هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
تعتبر جباليا واحدة من المدن الفلسطينية القديمة التي لها تاريخ عريق منذ القرن الرابع الميلادي، وقد أقام الرومان على جزء من أراضيها قرية "أزاليا"، والتي اندثرت عندما رحلوا عنها وتحول اسمها إلى جباليا.
ولا تزال شوارع جباليا تحتضن بعض الحجارة المتبقية من منازل قديمة منها ما يعود إلى العهد العثماني وتحتاج إلى المزيد من الترميم كي تبقى صامدة في وجه العوامل البيئية والبشرية التي تؤثر فيها وهذا يوحي بالعمران الذي كان فيها حتى أواخر العهد العثماني مطلع القرن الماضي.
بقيت جباليا على مدار التاريخ والحضارات التي مرت عليها صامدة في وجه كافة العوامل وعاصمة غزة الشمالية ومنطلق الثورات ضد المحتلين الغزاة، فمن جباليا انطلقت شرارة انتفاضة الحجارة في 8 كانون أول/ ديسمبر من عام 1987م وامتدت لاحقا إلى كل الأراضي الفلسطينية المحتلة ليطلق على مخيمها اسم "مخيم الثورة".
وقال الدكتور محمد خلة وكيل وزارة السياحة والآثار الفلسطينية إن جباليا هي إحدى أهم مدن قطاع غزة، وتقع على مسيرة كيلومترين شمال الشمال الشرقي من مدينة غزة.
محمد خلة وكيل وزارة السياحة والآثار الفلسطينية في غزة
وأضاف خلة لـ "عربي21": "يحد جباليا من الشرق الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948م، ومن الغرب البحر الأبيض المتوسط، ومن الشمال مدينتا بيت لاهيا وبيت حانون، أما من الجنوب فتحدها محافظة غزة".
وأضاف: "تتكون جباليا من ثمانية تجمعات سكنية هي: (مخيم جباليا، مدينة جباليا، النزلة، تل الزعتر، حي الكرامة، حي عباد الرحمن، حي الزهراء، مشروع العلمي). ويبلغ طول شريطها الساحلي على البحر الأبيض المتوسط قرابة (1.5) كم".
وعن التسمية ذكر خلية أنها سميت بهذا الاسم نسبة إلى سكانها الجبلية، ومن المدن المقاربة لاسمها: جبلة في اليمن، وجبلة في سوريا. وقد يكون اسمها محرفاً من (أزاليا) الرومانية أو من (جبالاية) السريانية بمعنى الجمال أو من (جيلا) بمعنى الفخار والطين. وهناك من يقول إنها نسبة إلى (الجبالية) والذين قد يكونون نزلوها في أواخر العهد البيزنطي.
وأشار إلى أن منطقة جباليا النزلة فقد سميت بهذا الاسم نسبة إلى النزول؛ والنزول هو الحلول أي موضع النزول.
أما مخيم جباليا فقد سمي بهذا الإسم نسبة إلى نصب الخيام على أرض جباليا التي أقام عليها اللاجئون الفلسطينيون الذين تم طردهم وتشريدهم بعد عام 1948م، وهو من أكبر مخيمات قطاع غزة. بحسب خلة.
وقال: "أقام بها الكنعانيون، والفرس واليونان، ذكر المؤرخ الروماني زمانوس في كتاباته بأن الرومان في أواخر القرن الرابع للميلاد أقاموا على جزء من أراضيها بقرية أزاليا، التي ظلت حتى الفترة البيزنطية، والوجود الاسلامي بغزة منذ مطلع السنة الخامسة عشر للهجرة سنة 636 ميلادي، حتى يومنا".
وأضاف: "عرفت جباليا بتربتها الخصبة وزراعة أشجار الحمضيات، وقد خصص الأمير المملوكي سنجر الجاولي جُزءًا من أراضيها لمسجد الشمعة الذي بناه في حي الزيتون بغزة".
وتطرق وكيل وزارة السياحة والاثار الى الآثار الموجودة في جباليا، والتي من اهمها مقبرة رومانية تم الكشف عنها عام 1998م، تعود للقرن الثاني الميلادي، وكنيسة جباليا البيزنطية ـ التي تم الكشف عنها بالصدفة عام 1997م، وذلك أثناء عملية إزالة الردم المتكوم نتيجة أعمال تعبيد شارع صلاح الدين بالقرب من منطقة الإدارة المدنية، وهي تعود للقرن الخامس الميلادي (496- 497م).
وقال: "يوجد في جباليا المسجد العمري الذي يعود تاريخه للقرون الوسطى، حيث أن جميع أجزاء المسجد الآن بنيت حديثًا، إذ لم يتبق أي أجزاء قديمة منه باستثناء الرواق والمئذنة، ويتكون المبنى من ثلاثة أروقة مدعمة بأربعة أعمدة حجرية".
وأضاف: "بجانب المسجد العمري بجباليا يوجد مقام الشيخ المشيش، الذي وفد إلى غزة من المغرب وأقام فيه خلال العصر المملوكي".
وعن دور وزارة السياحة والاثار في حفظ المورث والثقافي الاثار في هذه المنطقة أوضح وكيل الوزارة ان وزارته تساهم في ضوء مهامها المكلفة فيها لحفظ الموروث التاريخي والحضاري في قطاع غزة، في حماية وصيانة المواقع الاثارية في قطاع غزة ومنها إعداد وتنفيذ مشروع صيانة وترميم موقع الكنيسة البيزنطية في جباليا.
وقال: "نجحت الوزارة في إعادة ترميم وتأهيل الكنيسة لتصبح صالحة لاستقبال الزوار، كي تبقى موقعها شاهداً على تاريخ الموروث الثقافي والتاريخي للشعب الفلسطيني".
وأضاف: "عملت الوزارة مجسات أثرية في موقع أصلان الأثري؛ جنوب غرب مدينة جباليا حيث تم الكشف عن أرضيات فسيفسائية وتم عمل دراسات تاريخية وأثرية، حيث تبين أنهها موقع أثري يعود للعصر البيزنطي، وتحديداً للقرن الخامس الميلادي".
ومن جهته أكد مازن النجار رئيس بلدة جباليا النزلة على أن جباليا تقع في منطقة السهل الساحلي إلى شمال شرق مدينة غزة على خط إحداثي محلي شمالي (104.05م)، وخط إحداثي محلي شرقي (100.80م)، ويحيطها من الشمال مدينتا بيت لاهيا وبيت حانون، ومن الجنوب مدينة غزة، ومن الشرق حدود خط الهدنة الثماني والأربعين، ومن الغرب البحر الأبيض المتوسط.
مازن النجار.. رئيس بلدية جباليا النزلة
وقال النجار لـ "عربي21": تبلغ مساحة جباليا 18 كيلو متر مربع، وترتفع عن سطح البحر نحو 35 قدما، ويبلغ عدد سكانها 220 ألف نسمة، قرابة نصفهم من اللاجئين الفلسطينيين الذين تهجروا من مدنهم وقراهم المحتلة عام 1948م واقاموا مخيم لهم على أراضي المدينة اطلق عليه مخيم جباليا.
وأضاف: "لجباليا هيئة محلية مستقلة تأسست في العام 1952م؛ وهي ثالث أكبر بلدية في قطاع غزة من حيث عدد السكان والخدمات التي تقدمها إليهم".
واستعرض النجار الخدمات التي تقدمها البلدية للمواطنين من المياه والصرف الصحي وتصريف مياه الأمطار، والصحة العامة والبيئة وخدمة جمع وترحيل النفايات الصلبة، وشق الطرق وتعبيدها وصيانتها وإنارتها، بالإضافة إلى إعداد المخططات الهيكلية والتفصيلية، وتنظيم جميع عمليات البناء، وتنظيم الأسواق، وتنظيم الحرف والصناعات، كما أنها تقوم بصيانة أسوار المقابر ومداخلها وإعادة تأهيلها، وتساهم في إنشاء الملاعب والحدائق العامة والمتنزهات.
وقال: "في العام 1995م زارها الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات وأعلن عن تحويلها من قرية إلى مدينة، وفي عام 1996م، أصدر الراحل صائب عريقات قراراً بتحول المجلس القروي إلى بلدية وكان آنذاك وزيراً للحكم المحلي"ز
وأضاف: "جباليا تعتبر من المناطق الأكثر فقراً والأكثر عرضةً للاجتياحات والقصف الإسرائيلي؛ ويوجد في منطقة نفوذها مخيم جباليا للاجئين الفلسطينيين الذي يعتبر أكبر مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في قطاع غزة".
ومن جهته أكد الدكتور عبد القادر حمّاد الأستاذ في جامعة الأقصى والباحث والخبير في السياحة الفلسطينية ان جباليا تتميز بزراعة الحمضيات والزيتون والعنب وكذلك اللوزيات وتشتهر بقوة العلاقات الاجتماعية بين سكانها.
عبد القادر حمّاد.. أستاذ في جامعة الأقصى وباحث وخبير في السياحة الفلسطينية.
وقال حمّاد لـ "عربي21": "إن اسم جباليا بفتح أوله وثانيه وسكون اللام وياء وألف، مأخوذ من العلو والارتفاع ألا وهو الجبل، وأجبل القوم أي ساروا إلى الجبل، وأجبل أي إذا صادف جبلاً من الرمل".
وأضاف: "سميت جباليا نسبة إلى سكانها الجبلية، ومن المدن المقاربة لاسمها: جبلة في اليمن، وجبلة في سوريا، وجباليا فيها جبل من الرمل يرتفع عن سطح البحر نحو 45 قدما يطلق عليه اسم جبل الكاشف، لأنه يكشف كل غزة منه".
وأشار حمّاد إلى أنه في العام 1948م أقيم على جزء من أراض جباليا أكبر مخيم للاجئين الفلسطينيين في قطاع غزة وأطلق عليه اسم "مخيم جباليا"، والذي تجمع فيه اللاجئون الفلسطينيون الذين هُجروا من أراضيهم بالقوة عام 1948م.
وقال: "يعرف عن جباليا أنها ذات الأرض الخصبة، والخضرة النضرة، والهواء العليل، ومائها شديد العذوبة، وتحتضن جبل الكاشف وهو تلة ترابية مرتفعة تقع شرق بلدة جباليا وتعتبر أعلى تلة في القطاع حيث من خلالها يُمكن كشف جميع مدن القطاع، كما أنَّ الكثافة السكانية فيها قليلة وأغلب الأراضي مكشوفة".
وأضاف: "جباليا مجتمع زراعي حيث يعمل معظم أهلها بالزراعة بالإضافة إلى أنهم يعملون في بعض الوظائف الحكومية، كما يشتهر أغلب سكان جباليا بالبشرة الفاتحة ويعرفون بشدة بأسهم".
وأوضح حمّاد أن سكان جباليا تربطهم علاقات دينية واجتماعية وتجارية مع المدن والقرى الفلسطينية وخاصة مدينتي غزة والخليل، فقد كانوا يشاركون بعضهم البعض في جميع المناسبات الدينية والاجتماعية منذ زمن طويل.
وقال: "كان سكان جباليا يتبادلون المنتجات ويستوردون البضائع من غزة والخليل، خاصة زيت الزيتون والحلويات والأقمشة، واشتهروا بالفلاحة وزرع الخضروات والحمضيات والفواكه واللوز والتين والزيتون، وكانوا يبيعون منتجاتهم في سوق التركمان شرق مدينة غزة، ويتبادلون السلع فيما بينهم، وبالرغم من الظروف المعيشية الصعبة التي كانت تواجههم إلا أنهم كانوا يغطون حاجياتهم الأساسية وأحياناً قد تزيد فيتقاسموها فيما بينهم".
وأشار إلى أن جباليا تعرضت إلى كارثة طبيعية قبل اكثر من قرن من الزمان، فقد أجتاحها الجراد عام 1914م من الشرق والشمال ليقضم كل ما هو أخضر فيها، وتبعه في عام 1915م وباء الكوليرا الذي حصد العديد من سكانها، كما تعرضت للعديد من المجازر الإسرائيلية والاجتياحات على مدار سنوات الاحتلال وقدمت الالاف من الشهداء إضافة الى قصف الاحتلال لمسجد "العمري" الأثري فيها.
وذكر حمّاد أن أشهر عائلات جباليا هي: البرش، القانوع، دردونة، البطش، عبد ربه، النجار، أبو ردة، نصر، خلة، عسلية، حمودة، السلطان، الندر، شعبان، المطوق، جنيد، الحرثاني، نبهان، وفسوس.