هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
انتقد رئيس تحرير "عربي21"، والكاتب المتخصص في شؤون الشرق الأوسط، فراس أبو هلال، تعاطي الإعلام الغربي مع استضافة قطر لنهائيات كأس العالم لكرة القدم.
جاء ذلك في مقال رأي نشره موقع "ميدل إيست آي" البريطاني، حيث اعتبر أبو هلال أن النفاق الغربي لا حدود له بشأن تغطية المونديال الذي تستضيفه قطر.
وقال فراس أبو هلال إنه لم تُوجه أي انتقادات لبعض الدول ذات السجل السيء في مجال حقوق الإنسان، والتي استضافت دورات رياضية، بما في ذلك الصين التي نظمت الألعاب الأولمبية، رغم الجدل القائم بشأن قمع السلطات لمسلمي الإيغور في شينجيانغ، شمال غربي البلاد.
وأضاف أنه وبالرغم من معاناة العمال الأجانب في قطاعي البناء والضيافة في جميع دول الخليج، بما في ذلك قطر، من ظروف العمل السيئة وساعات العمل الطويلة والأجور المنخفضة، إلا أن تدابير السلامة لمشاريع البنية التحتية الكبيرة جيدة نسبيًا.
كما قامت قطر ودول الخليج الأخرى بإصلاح نظام الكفالة، الذي كان يمنع العمال في السابق من تغيير وظائفهم دون إذن من أصحاب العمل. كما قدمت قطر مؤخراً حداً أدنى للأجور، بحسب الكاتب.
وسلط أبو هلال الضوء على إدانة الإعلام الغربي ظروف العمل السيئة للعمال الأجانب قبل كأس العالم، مستدركا بالقول إن "التقارير حول هذه القضية كانت مليئة بالنفاق".
كما أشار الكاتب المتخصص في شؤون الشرق الأوسط إلى عدد من وسائل الإعلام الغربية التي اعتمدت في تغطيتها لكأس العالم على صورة نمطية استشراقية لمن يعيشون في العالم العربي، مما ينقل انطباعًا غير دقيق للقراء الغربيين.
اقرأ أيضا: كاتبة بريطانية تنتقد ازدواجية الغرب ونظرتهم لمونديال قطر
وفيما يلي النص الكامل للمقال:
كأس العالم بقطر: النفاق الغربي ليس له حدود
كانت كأس العالم 2022 في قطر محور نقاش غير مسبوق منذ فوز الدولة العربية بعرض الاستضافة في عام 2010، وفي حين أن العديد من الأحداث الرياضية الدولية قد امتلأت بالمناقشات الأخلاقية حول سجل حقوق الإنسان في البلدان المضيفة - مثل الجدل حول قمع الصين للإيغور في شينجيانغ قبل دورة الألعاب الأولمبية في بكين هذا العام - لم يتعرض أي منها لهجوم شرس مثل قطر.
هذا النقاش مليء بالنفاق والتعبير عن الاستشراق والمركزية الأوروبية. وتتركز الانتقادات الرئيسية على معاملة قطر للعمال الأجانب، وخاصة أولئك الذين يعملون في بناء مشاريع كأس العالم؛ حيث أنفقت البلاد ما يقدر بنحو 220 مليار دولار على بناء الملاعب والطرق والبنية التحتية الأخرى لدعم البطولة الدولية، وكانت تهدف إلى إعداد 130.000 غرفة فندقية.
ويعاني العمال الأجانب في قطاعي البناء والضيافة في جميع دول الخليج - بما في ذلك قطر - من ظروف عمل سيئة وساعات عمل طويلة وأجور منخفضة، لكن إجراءات السلامة لمشاريع البنية التحتية الكبيرة جيدة نسبيًّا، بالإضافة إلى ذلك؛ قامت قطر ودول خليجية أخرى بإصلاح نظام الكفالة، الذي كان في السابق يقيد العمال من تغيير وظائفهم دون إذن من صاحب العمل، كما وضعت قطر مؤخرًا حدا أدنى للأجور.
وفي حين أن هذه التغييرات في قوانين العمل إيجابية؛ إلا أنها ليست جيدة بما فيه الكفاية، وقد كان لدى وسائل الإعلام الغربية الحق في إدانة ظروف العمل السيئة للعمال الأجانب قبل كأس العالم، لكن التقارير حول هذه القضية كانت مليئة بالنفاق.
في الواقع، فإن العديد من أكبر شركات البناء التي عملت في مشاريع كأس العالم، والتي أنشأت أيضًا العديد من الفنادق والمشروعات السكنية، مقرها الأساسي في الغرب، كما يحصل الغربيون العاملون في هذه المشاريع على رواتب أعلى في قطر. ومع ذلك؛ نادرا ما يتم تناول هذه الحقائق من قبل النقاد الغربيين لسجل قطر في مجال حقوق الإنسان.
كأس العالم الصحراوي
المغتربون الغربيون هم من بين أكبر المستفيدين من التوزيع الظالم والجائر للأجور في دول الخليج - بما في ذلك قطر -، لكن هذه القضية لم تكتسب زخما في التغطية الغربية، فغالبًا ما يتم تقديم حزم تعويضات جذابة لهم، بما في ذلك نفقات الانتقال والإقامة، إلى جانب الرواتب المعفاة من الضرائب.
النفاق الغربي واضح أيضًا - كما أشار الصحفي البريطاني بيرس مورغان - في سلوك الشركات الإعلامية؛ ففي الوقت الذي تدين فيه سجل قطر في مجال حقوق الإنسان وظروف العمل للعمال الأجانب فيما يتعلق بكأس العالم، أرسلت هذه الشركات نفسها موظفيها للاستمتاع بالكماليات بأسعار معقولة التي أنشأها هؤلاء العمال أنفسهم.
وتميل الانتقادات بشأن كأس العالم في قطر إلى مزيج من الشعور بتفوق الجنس الأبيض والنزعة الاستشراقية؛ فقد أطلق عليها البعض اسم "كأس العالم الصحراوي"، وفي تغطية النقاش حول البطولة استخدمت بي بي سي مجازًا متعبا آخر مؤكدة أنها "ابتليت بعاصفة ترابية من الجدل". وفي غضون ذلك، نشرت صحيفة ديلي ستار مقالًا "حصريًّا" بعنوان: "الفريق الإنجليزي في قطر يعاني من عدم النوم بسبب شخير الإبل خارج مقره الرئيسي".
تعتمد هذه التغطية على صورة نمطية واستشراقية لأولئك الذين يعيشون في العالم العربي مما ينقل انطباعا غير دقيق للقراء الغربيين، فربما كلنت قطر دولة صحراوية صغيرة قبل أن تحصل على استقلالها من الاستعمار البريطاني في عام 1970، إلا أنها الآن دولة مزدحمة ببنية تحتية وشواطئ ومباني وتنمية بشرية متميزة، وللتاريخ: عشت في الخليج لما يقرب من عقد من الزمان، ولم أر قط جملًا.
لعبة عالمية
الشعور بمركزية أوروبا هي عامل آخر في الجدل حول كأس العالم في قطر؛ ففي سلسلة نتفليكس التي كشف عنها الفيفا تساءل أحد المعلقين كيف سيتمكن المشجعون الأوروبيون من الوصول إلى قطر؟ هذا سؤال جيد، ولكن لماذا لا يسأل المشجعون من الشرق الأوسط أو مشجعو إفريقيا وأمريكا الجنوبية عن هذا عندما يتم استضافة كأس العالم في أوروبا، والتي نظمت فيها لما يقرب من اثنتي عشرة مرة؟
وركزت التغطية الإعلامية الغربية على ارتفاع حرارة الصيف في قطر، ولهذا السبب تم اتخاذ قرار بأن تقام البطولة في نوفمبر وديسمبر، ووفقًا لصحيفة ديلي ميل فإن هذا القرار "سرق منا صيف كرة القدم"، ولكن لماذا يجب على جميع البلدان جدولة أهم الأحداث الرياضية الدولية وفقًا لنظام قضاء العطلات في أوروبا؟؛ لا توجد إجابة باستثناء الإحساس بالمركزية الأوروبية.
وسئِل مراسل فرنسي عن انطباعه الأول عن قطر، فأجاب بأن لديها "الكثير من المساجد"؛ مثل هذه التعليقات تعزز فكرة شعور الغربيين بعدم الراحة خارج البيئة الأوروبية التقليدية، ولكن لماذا لا تكون الدول الأخرى قادرة على استضافة كأس العالم وعرض ثقافاتها وتقاليدها؟.
نعم؛ تتمتع أوروبا بتقاليد قوية في كرة القدم وفازت بكأس العالم أكثر من أي قارة أخرى، لكن كرة القدم هي لعبة عالمية، ويجب أن تعرض أكبر بطولة لها مختلف البلدان والمناطق والقارات.
تقدم كأس العالم 2022 فرصة لمعالجة قضايا حقوق الإنسان في قطر والدول العربية الأخرى. وفي الوقت نفسه؛ فإنها توفر فرصة لتسليط الضوء على النفاق والاستشراق والمركزية الأوروبية في التغطية الإعلامية الغربية، وينبغي أن تكون كأس العالم احتفالا وفرصة لتحسين الرياضة في جميع البلدان وفي جميع القارات.