مشكلتنا الرئيسية كحقوقيين قادمين من بلدان عربية ومسلمة، أننا بتماس مباشر، وبعضنا منذ نصف قرن، مع الدول
الغربية التي كان اللجوء إليها نقطة عار في جبين حكومات مستبدة تتعامل مع أحرارها بالنطع والسيف. هذا اللجوء جعل أسماء كبيرة تحتل صدارة النضال الحقوقي العالمي بنظرة عالمية وإنسانية قولا وفعلا، وليس بنظرة غربية ضيقة تعتبر "الذات الغربية" روح الحضارة والمعرفة، وبالتالي عليها فرض معارفها وتجاربها الخاصة على العالم باعتبارها الحاملة الشرعية للحرية والتقدم. ولعل في "
مونديال قطر" ما أظهر هذه المسألة بشكل جلي لا سابق له.
يمكن القول دون محاباة أو تحامل، إن دولة قطر قد أدركت مبكرا بين دول العالم غير الغربية أهمية وقوة ما يسمى "السلطة الرابعة" و"السلطة الناعمة" soft power، في النظام العولمي، بداية في مشروع قناة الجزيرة ثم في الاستثمار في الرياضة الأكثر شعبية في العالم. وهذه مسألة يصعب على الأوربي والشمال أمريكي هضمها. وقد خاضت قطر في هذين المجالين جلّ معاركها ضمن قواعد اللعبة السائدة. الأمر الذي يصعب على "الكبرياء الغربي" تحمله. ففي نفس الوقت الذي يوضع فيه ركاب سفينة أوشن فيكينغ في قاعدة عسكرية لتوزيعهم أو إعادة قسم منهم لبلدانهم، وفي الوقت الذي يجد فيه أكثر من خمسة ملايين أوربي فرص عمل في دول مجلس التعاون الخليجي، يتوقف الإعلام الغربي عند قضيتي منع الكحول في المدرجات وشرعنة "المثلية" في الدول العربية وقطر والعمال الأجانب في بناء منشآت المونديال.
لقد كنا كمنظمة حقوقية أول من تواصل مع السلطات القطرية لمناقشة موضوع ظروف العمال الأجانب قبل ثماني سنوات، وبالتالي ليس للغربيين، الذين تذكروا مؤخرا هذا الموضوع أن يعطونا دروسا في الموضوع. أما قضية "المثليين" فلعلها قمة النفاق والكذب خاصة ونحن نعرف جيدا تاريخ هذه القضية في أوروبا.
يمكن القول دون محاباة أو تحامل، إن دولة قطر قد أدركت مبكرا بين دول العالم غير الغربية أهمية وقوة ما يسمى "السلطة الرابعة" و"السلطة الناعمة" soft power، في النظام العولمي، بداية في مشروع قناة الجزيرة ثم في الاستثمار في الرياضة الأكثر شعبية في العالم.
عندما كنت طالبا في جامعة ماري وبيير كوري في باريس في الأمراض العقلية كان أستاذنا في 1980 يدرس تعريف 1951 للعلاقة المثلية باعتبارها اضطرابا عقليا. وأتذكر أنني سألته: "حسب رأيك الفيلسوف ميشيل فوكو والأديب بروست يعانيان من اضطراب عقلي؟ فأجاب: الاستثناء لا يشكل قاعدة". كلا الإسمين ترجمت العديد من أعمالهما للعربية والفارسية والتركية والأوردية..، ولا نجد إشارة تمييزية أو احتقارية في ما كتب عنهم أو ترجم لهم لعلاقتهم الجنسية الخاصة في البلدان ذات الأغلبية المسلمة؟
في تجميع مفصل للمواد التاريخية والإثنوغرافية لثقافات ما قبل الصناعة، عرضه علينا عالم الأنثروبولوجيا كلود ليفي ستروس عام 1982، لاحظ أنه "تم تسجيل رفض قوي للمثلية الجنسية في 41٪ من 42 ثقافة؛ تم قبولها أو تجاهلها من قبل 21٪، وأفاد 12٪ بعدم وجود مثل هذا المفهوم. الأمر الذي يجعل برأيي إقحام هذا الموضوع في مواثيق حقوق الإنسان الدولية ما يسميه أبو العلاء المعري "لزوم ما لا يلزم"، أي إقحام حركة حقوق الإنسان في معارك جانبية في وقت تعيش فيه الحقوق الستة الاقتصادية والاجتماعية والمدنية والسياسية والثقافية والبيئية حالة تراجع على الصعيد العالمي.
في التشريعات الفرنسية، الثورة الفرنسية هي التي أصدرت قانون العقوبات لعام 1791 الذي أوقف العمل بإعدام من يمارس الجنس المثلي، ولكن إلغاء الفروق القانونية بين الجنس المثلي والعلاقة بين الجنسين ألغيت عمليا في فرنسا عام 1982.
تعج اللغة الإنجليزية بالمصطلحات التحقيرية للمثليين وللمثل لا للحصر queer و fagot و fairy و poof و poofter وقد بقيت العلاقات المثلية موضوع عقاب جزائي حتى صدور قانون الجرائم الجنسية لعام 1967 في إنجلترا وويلز بشرط التراضي وبعد عمر 21 سنة. ولم يطبق هذا القانون في إيرلندا الشمالية حتى عام 1982. أما في الصين فعلينا انتظار 2001 لرفع العقوبات الجزائية. ويمكننا بالإحصاءات أن نظهر متى اختفى اعتبار الجنس المثلي مرضا عقليا في الجامعات الأوربية، ومتى رفع من قانون العقوبات في هذه الدول. لم تكن هذه المسيرة عالمية بل غالبا وطنية أو أوربية. وآثرت كل وثائق حقوق الإنسان الأممية تجنب هذا الموضوع. لأنه كما يقال، ظاهرة الجنس المثلي "عالمية" وفي كل الحضارات والشعوب، ولكن التعذيب أيضا ظاهرة عالمية، لذا من الأفضل، ما دامت النصوص الحقوقية الدولية لا تحمل أي طابع تمييزي، عدم التخصيص في هذا الموضوع الإشكالي.
للأسف يتم بشكل تعسفي وقمعي اليوم، إجبار لاعبي فرق كرة قدم في عدة نواد، على حمل شارة المثليين، فأين حرية الرأي في هذا الموضوع؟ من هنا نعتبر موقف رئيس الفيفا جياني إنفانتينو بمعاقبة من يحمل شارة المثليين من اللاعبين في المونديال موقفا صائبا يحترم الحق في الاختلاف ويرفض تسييس كرة القدم، عبر فرض قاعدة غير عالمية وغير حقوقية على كافة البشر.
أما الموضوع الأخير المثير للضحك، فهو منع مشاهدي المباريات من شرب الكحول؟ هل من الضروري التذكير بوجود أكثر من 3000 جمعية غير حكومية في أوروبا تطالب بمنع الكحول في الملاعب؟
ما دفعني للكتابة هو عنوان صحيفة ليبراسيون الفرنسية "قطر… هذا الحقير الصغير".. هل وصلت الدناءة في النقد إلى الشتائم التحقيرية؟
جاء الرد على هذه الصحيفة التي تدنت إلى هذا الخطاب العنصري بعد تاريخ كان أقل سوءا، من لاعبي الأخضر من بلد خليجي جار هو المملكة العربية السعودية، هزيمة الأرجنتين بنجومها في الدوري الأوروبي، درس لكل من يعتبر نفسه الأقوى والأذكى.. نحن في نهاية حقبة وعليكم الاعتياد على قواعد جديدة للتعامل مع الآخر.
*مفكر وحقوقي