باتت حالة من التوتر تهيمن على علاقة الاتحاد العام للتونسي للشغل بالرئيس قيس سعيد، بعد فترة من "المهادنة"، بالتزامن مع اقتراب الاستحقاق الانتخابي في 17 كانون الأول/ ديسمبر الجاري.
وهاجم الأمين العام للاتحاد العام
التونسي للشغل نور الدين الطبوبي، المسار السياسي
الحالي في البلاد الذي يقوده الرئيس قيس سعيد.
وقال الطبوبي خلال اجتماع نقابي: "لم نعد نقبل بالمسار الحالي لما اعتراه من غموض وتفرد.. صبرنا انتهى".
ويأتي موقف الطبوبي بعد أكثر من سنة من تأييد "إجراءاته
الاستثنائية" التي تشهد معارضة من القوى السياسية وكثير من الأحزاب التي تصفها
بـ"الانقلاب".
ومؤخرا، دعا
اتحاد الشغل إلى تعديل حكومي، كما انتقد الانتخابات التشريعية المقبلة واصفا إياها بأنها "بلا لون ولا طعم".
وشهد موقف اتحاد الشعل ردود فعل بين
مرحب يعتبره "انتصارا للديمقراطية حتى وإن كان متأخرا"، ومنتقد رأى فيه محاولة
لـ"إنقاذ نفسه أمام أنصاره بالنظر لحالة عدم الرضا داخله والانشقاقات" التي
تعصف به في ظل ترد اجتماعي واقتصادي.
موقف مهم.. شعور بالخطر
وقالت عضو "
جبهة الخلاص" النائب الأول لرئيس البرلمان المنحل سميرة الشواشي، إن "خطاب أمين عام اتحاد الشغل مهم جدا، وموقفه غاية في الأهمية، بعد التغيير الحاصل وتحميل المسؤولية لحكومة الرئيس المنقلب".
واعتبرت الشواشي في تصريح خاص لـ"
عربي21" أن "التطور في خطاب الاتحاد محمود خاصة عندما شعر بالخطر الذي أصبح يهدد الشعب وبالتالي لن يكون إلا بجانبه".
وفي المقابل قالت رئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسي إن "الاتحاد خذلنا وخذل التونسيين بالمواقف الصامتة تجاه ممارسات الرئيس؛ خاصة في ما يتعلق بالاستفتاء والقانون الانتخابي".
واعتبرت موسي في تصريح إذاعي أن "من يرفض إنقاذ تونس عبر حلول جذرية فهو خائن للأمانة وللدولة".
وأضافت: "اتصلت بالطبوبي سابقا وقدمت له ميثاقا سياسيا لعرضه على مكتبه التنفيذي لكن لم يحصل ذلك".
اقرأ أيضا: معهد واشنطن: قبيل انتخابات تونس.. الشك وليس الأمل هو السائد
"تهميش ..فانشقاق "
من جانبه، أكد العضو بالاتحاد العام التونسي للشغل، مصباح شنيب، أن "الاتحاد سارع إلى مباركة انقلاب سعيد اعتقادا منه بأنه سيخلصه من النهضة إلى الأبد".
وأضاف شنيب لـ"
عربي21" أن "لفيفا من اليساريين المؤثرين كانوا يتمنون رسم توجّه الاتحاد اعتقادا منهم بأن الانخراط في مسار الرئيس سيقوّي من شوكتهم، غير أن الأيام كشفت لهم بأنهم لن يظفروا بشيء من سعيد".
وأوضح شنيب بالقول إن : "عدم استدعائهم للحوار وتهميشهم، جعلهم ينتبهون إلى كونهم لن يحققوا شيئا من وراء إسنادهم له، حيث أخذت تساورهم الشكوك بأن الدور أتى عليهم فقفزوا إلى موقع المعارضين ورفعوا أصواتهم بالوعيد والتهديد سعيا إلى تحقيق بعض المكاسب من كعكة الحكم عبر الضغوطات والمناورات".
ومضى بالقول: "هكذا يعتقد كثير من قارئي هذه الانتفاضة النقابية المباغتة وهذا التحول المفاجئ من الموقف إلى نقيضه، ويذهب آخرون إلى كون الاتحاد يئس من سعيد واقتنع بعد فوات الأوان بأنه لن يجني ما يرجوه من وراء مساندته فقرر أن يشقّ عصا الطاعة".
وتوقع النقابي التونسي أن "يناور الاتحاد في مرحلة أولى لأن جمهوره ضعف إلى حدّ ما جرّاء أخطائه الجسيمة منذ المؤتمر الاستثنائي غير الانتخابي، وعموما لا يمكن الجزم بالموقف النهائي إلا بعد خطاب الأمين العام المقبل الذي ينتظر منه أن يوضح مسائل كثيرة".
معارضة متأخرة
ومن جهته، قال السياسي ورئيس منتدى "آفاق جديدة" عبد الحميد الجلاصي إن "الاتحاد أحيانا مجرد تابع للسلطة، وأحيانا سلطة مضادة، فقد كان طرفا رئيسيا في منظومة الحكم بفرض الخيارات، تعيين رؤساء حكومات، ونال نصيبه من المناصب وساهم في تحديد السياسات أو عرقلتها، فعل ذلك وكان شريكا لا أخلاقيا".
وتابع: "بعد الانقلاب حاول الاتحاد مواصلة نفس المخاتلة.. وركب موجة الانقلاب وعرض خدماته عليه تقديرا منه أن الانقلابي سيكون بحاجة إلى رافعة توازن تأثير
حركة النهضة في البلاد".
ولفت السياسي: "هنا ترتكب البيروقراطية النقابية، المتعودة على أساليب التكتيكات الصغيرة في حياتها الداخلية وفي التعامل مع الشأن العام، مجموعة أخطاء بالجملة ".
وأضاف: "منها ما يتعلق بالتحليل مثل عدم الانتباه إلى طبيعة سعيد الرافضة للحوار جملة والرافضة للأجسام الوسيطة ، ومنها الأخطاء الأخلاقية مثل التفصي من كل مسؤولية في مآلات الأوضاع خلال العشرية التي لا تتورع عن وصفها بالسوداء".
واستدرك الجلاصي بالقول: "لكن سلوك البيروقراطية لا يفسر فقط بهذا النوع من الأخطاء، إذ لا يستبعد خوف نقابيين نافذين من إثارة قضايا تتعلق بسوء التصرف، وكذلك استجابتها لتدخلات أطراف إقليمية تطالبها بالتهدئة".
وأكد الجلاصي: "في السياسة العبرة بالمآلات، وبالمواقف ليس فقط بمضمونها وإنما بتوقيتها، ولذلك لم نتردد في اعتبار الاتحاد جزءا من منظومة الانقلاب باعتبار خدمتها لأجندته وتأخر الإعلان عن المعارضة، وهي معارضة من أجل موقع في تسيير الانقلاب وليست خارجها".
وختم بالقول: "لقد فوتت البيروقراطية النقابية الفرصة لقيادة جبهة التصدي للانحراف السلطوي، وبذلك أكدت أنها من القوى القديمة، وأن المنظمة هي نفسها بحاجة إلى عملية إنقاذ شأنها شأن البلاد وشأن المنظومات الحزبية والمدنية ".