هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
تأسست جمعية جماعة الدعوة الإسلامية بفاس سنة 1974 على يد الدكتور عبد السلام الهراس رحمه الله، وهي أول جمعية إسلامية نشأت بعيدا عن مسار الشبيبة الإسلامية لعبد الكريم مطيع ومشاكلها التنظيمية والسياسية.
لقد اختمرت فكرة التأسيس لعمل دعوي في إطار القانون لدى المرحوم عبد
السلام الهراس بعد احتكاكه المباشر مع التجارب الإسلامية في المشرق، فمن الثابت
تاريخيا أن الدكتور عبد السلام الهراس تعرف في رحلته العلمية إلى المشرق العربي
صيف 1954 على جماعة "عباد الرحمن" بلبنان، ومن رحم هذه الجماعة خرجت
"الجماعة الإسلامية" في طرابلس التي تأثرت بدعوة الإخوان المسلمين
المعروفة ببنائها التنظيمي المحكم منذ عهد مؤسسها حسن البنا رحمه الله، وقد تعرف
على قادتها وعلى أدبياتها التأسيسية، لكن مع ذلك فإن تأثره الكبير كان بأفكار مالك
بن نبي وكتاباته.
عبد السلام الهراس.. مسار طويل في طلب العلم وتعليمه والعمل به
وُلد عبد السلام الهراس بمدينة شفشاون شمال المغرب سنة 1930 وتوفي
سنة 2015، درس الابتدائي والثانوي بمدينته ثم بالقرويين بفاس، ثم تابع دراسته
بالكلية الشرعية ببيروت بلبنان. كما عاش فترة بالقاهرة وبيروت التقى خلالها بعبد
الكريم الخطابي وغيره من كبار المصلحين في العالم العربي والإسلامي، والتقى كذلك
بالعلامة محمد البشير الإبراهيمي الذي أرشده للالتحاق بكلية دار العلوم بالقاهرة.
ويعد عبد السلام الهراس أحد تلامذة المفكر الجزائري مالك بن نبي،
حيث لقيه وأخذ عنه وساهم في نشر أفكاره وتصوراته، وهو من أشار على الدكتور عبد
الصبور شاهين بترجمة كتبه للغة العربية نظرا لأهميتها.
عبد السلام الهراس
حصل على الإجازة من كلية دار العلوم بالقاهرة سنة 1958، كما حصل على
شهادة الإجازة في الحقوق من جامعة محمد الخامس بالرباط سنة 1961، ثم حصل على
دكتوراه الدولة من كلية الآداب¬ بجامعة مدريد سنة 1966.
شغل منصب أستاذ جامعي بجامعة محمد الخامس ثم بجامعة سيدي محمد بن عبد
الله بفاس من سنة 1964 إلى سنة 1997.
جالس الدكتور الهراس أقطاب الحركة الوطنية المغربية وعلماءها من قبيل
علال الفاسي، وعبد الله كنون، والمكي الناصري وغيرهم.. بعد استقراره بمدينة فاس عمل
رفقة مجموعة من تلامذته ومحبيه على تأسيس جمعية تعنى بالدعوة الإسلامية في صفوف
المجتمع والعمل على إصلاح أحواله.
العلم والتربية هما مفتاح الفهم الصحيح للدين وللواقع.
اهتمت جمعية جماعة الدعوة الإسلامية ببناء مدرسة تربوية دعوية متميزة قائمة، أساسا، على محاولة الفهم الصحيح للقرآن الكريم والسنة النبوية، وبناء الإنسان الرسالي الذي يعمل من أجل الدعوة، بعيدا عن التعصب التنظيمي أو الانغلاق الحزبي، مع التركيز على أهمية المسألة العلمية في بناء المشروع الحضاري الإسلامي.. وهكذا تخرج على يد الجماعة وبرامجها التربوية عدد معتبر من العلماء والدعاة والخطباء الذين تجاوز تأثيرهم حدود التنظيم، وتحولوا إلى مراجع مجتمعية تساهم بشكل كبير في بناء خطاب دعوي علمي معتدل، يلامس قضايا الناس والمجتمع ويلقى قبولا متزايدا في أوساط المتدينين، ومن بين الأسماء البارزة في هذا المسار الدكتور فريد الأنصاري رحمه الله، والخطيب المفوه في مساجد فاس الشيخ العربي الغزال رحمه الله، والدكتور محمد أبياط، وعدد كبير من الخطباء والدعاة.
ويمكن القول بأن فكرة التنظيم داخل جمعية جماعة الدعوة الإسلامية لم يتم التعامل معها بشكل صارم، بل تم توظيفها في الحد الأدنى الذي يسمح للأعضاء بفهم منهج التعامل مع القرآن والسنة، واستيعاب القواعد الضرورية للتعامل مع الواقع، مع ترك الحرية للأفراد في أخذ المبادرة في مختلف المجالات دون أي يكون للتنظيم أي وصاية على أعضائه.
كما يحسب لشيوخ الجماعة دورهم التاريخي في نشر الاقتناع بفكرة وحدة
التنظيمات العاملة في الحقل الإسلامي، والإسهام في ترشيد العمل الدعوي، وتحصينه ضد
دعوات الغلو والتطرف ومصالحة خطاب الدعوة الإسلامية مع بيئته المغربية.
من بين المجالات التي ركزت عليها الجمعية، العناية بنشر الفكر
والثقافة الإسلاميين استنادا إلى أصولهما التأسيسية، وهما القرآن والسنة الصحيحة،
وفي هذا الإطار صدر العدد الأول من مجلة الهدى سنة 1982 بفاس من أجل ملء الفراغ
الموجود في الساحة الإعلامية آنذاك في مجال الفكر الإسلامي والثقافة الإسلامية، ومواكبة أخبار المسلمين والأحداث المتعلقة بالعالم الإسلامي، وأسندت إدارة تحريرها
للأستاذ المفضل الفلواتي ( رحمه الله)، وهو من الرعيل الأول الذي التحق بالدكتور
عبد السلام الهراس، قبل أن تتعزز إدارة تحرير المجلة بالمرحوم محمد بريش، الذي كان
حديث التخرج من مدرسة المهندسين للطرق والقناطر بباريس، لكن اهتماماته الإسلامية
وثقافته الشرعية أهلته للكتابة والمحاضرة ومقارعة كبار المفكرين، الذين كان يحتفي
بهم الغرب في تلك المرحلة من أمثال محمد أركون وغيره، بالإضافة إلى اهتماماته
بالدراسات المستقبلية.
كان لمجلة الهدى دور إشعاعي كبير في النهوض بالوعي الفكري لأبناء
الحركة الإسلامية، وعرّفت جمهور الإسلاميين بأقلام دعوية وفكرية وثقافية محترمة، من
قبيل الشاهد البوشيخي والمفضل الفلواتي (رحمه الله) وأحمد العماري ومحمد بريش
(رحمه الله) وعبد الناصر السباعي ومحمد أبياط ولحسن الداودي، الذي التحق بالجمعية
سنة 1979 بعد رحلته العلمية لفرنسا، حيث شغل منصب أستاذ للاقتصاد بكلية الحقوق
بفاس، وكان أول من أن ألقى عرضا بالكلية للتعريف بمفهوم الاقتصاد الإسلامي، في بيئة
سياسية وثقافية لم تكن مستعدة لقبول مثل هذه المفاهيم في الأوساط الجامعية.
وقد أثمرت الاهتمامات العلمية لجمعية جماعة الدعوة الإسلامية ومنهجها
في الانفتاح على الشخصيات العلمية
والأكاديمية، دورا مهما في تجميع مختلف الطاقات العلمية حول مشاريع علمية محددة،
وفي هذا السياق التقت هذه الرغبة مع إرادة شخصيات أخرى مثل الأستاذ محمد بلبشير
الحسني (حزب الاستقلال) الذي كان يرأس
جمعية الدراسات الإسلامية في الرباط، وتم تأسيس الجمعية المغربية للاقتصاد
الإسلامي سنة 1986 ليتولى رئاستها الدكتور لحسن الداودي، وهي أول جمعية تجمع أطيافا
من الشخصيات العلمية من تنظيمات إسلامية مختلفة، وأيضا من شخصيات مستقلة مهتمة
بالاقتصاد الإسلامي.
وفي السياق نفسه، اشتهر الدكتور الشاهد البوشيخي، وهو من أبرز الوجوه
العلمية والدعوية للجماعة باهتماماته العلمية بمجال المصطلح ولا سيما المصطلح
القرآني، وأسس لذلك معهدا لازال يتابع نشاطه العلمي إلى الآن، وهو معهد الدراسات
المصطلحية، إلى جانب إنتاجاته الغزيرة في مجال التفسير وبناء قواعد لاستنباط الهدى
المنهاجي من القرآن الكريم.
الاهتمام بالعمل الاجتماعي وبروز العمل الطلابي للجماعة.
كان الدكتور عبد السلام الهراس مهتما بالمسألة الاجتماعية، وكانت جهوده في هذا المجال معروفة خارج المغرب، بحيث كان عضوا مؤسسا للهيئة الخيرية العالمية، كما كان وراء تأسيس جمعية العمل الاجتماعي والثقافي بالمغرب في بداية التسعينيات وشغل منصب الرئيس فيها، وساهم في تأسيس فروع لها في المدن المغربية الكبرى، وقد انصب عملها على العناية بالأيتام ودعم المرضى في المستشفيات وتنظيم المخيمات الصيفية للأطفال، وغير ذلك من الأعمال الاجتماعية التي لامست شرائح اجتماعية مختلفة.
كما شغلت قضية المرأة حيزا مهما من كتابات الدكتور الهراس، ورأى أنه
لا إصلاح إلا بإصلاح الأسرة؛ لأن الأسرة هي المصدر لقوة المجتمع وبفسادها يكون
فساده، وقد كرس جهودا حثيثة لتحرير تفكير جمهور المتدينين من النظرة الدونية
للمرأة، وسبق له أن نظم زيارة للمفكر عبد الحليم أبو شقة للمغرب للتعريف بكتابه
تحرير المرأة في عصر الرسالة.
في بداية الثمانينات، ونتيجة الجهود الدعوية والتربوية السابقة ستنجح الجماعة في التوفر على كتلة طلابية وازنة أعلنت عن نفسها في جامعة فاس، ونجحت في تنظيم المعرض الأول للكتاب الإسلامي بالحي الجامعي بجامعة محمد بن عبد الله بفاس، كأول عمل إشعاعي يقوم به الطلبة الإسلاميون في الجامعة، وكان بمنزلة الانطلاقة العملية لعمل طلابي منظم، يحمل لواء الدفاع عن الفكرة الإسلامية في الجامعة المغربية عن طريق نشر الثقافة الإسلامية، ونشر الوعي بالهوية الحضارية للأمة، في سياق تميز بهيمنة الثقافة الماركسية وتأثر قطاعات عديدة من الطلاب بشعار الاشتراكية، باعتبارها البديل العملي الممكن للاختيارات السياسية والاقتصادية السائدة، في ظل مناخ مشحون بالصراع بين النظام السياسي وقوى المعارضة، ممثلة في أحزاب الحركة الوطنية أولا، بالإضافة إلى المعارضة الجديدة ممثلة فيما سمي آنذاك باليسار الجديد، التي برزت بشكل قوي، لتمثل اتجاها راديكاليا وثوريا يرفض العمل السياسي من داخل المؤسسات، ويؤمن بالعمل القاعدي في صفوف الفلاحين والعمال والطلبة.
لم يكن من السهل على المجموعات اليسارية المتطرفة أن تتقبل تنظيم هذا
النشاط، وشنت عليه حملة دعائية رافضة، تُوجت باللجوء إلى العنف لمصادرة حق الطلاب
الإسلاميين في استعراض أفكارهم أماما الطلبة. في تلك المرحلة كان بعض طلبة الشبيبة
الإسلامية يدرسون في مدينة فاس، من بينهم عبد الرحمن اليعقوبي ومحمد يتيم، الذي غادر
في تلك السنة ليلتحق بالمدرسة العليا للأساتذة بالرباط، ويتم تعيينه أستاذا لتدريس
مادة الفلسفة في بني ملال، وكانوا يعرفون جيدا أبناء جمعية جماعة الدعوة الإسلامية
وأساتذتها، غير أن عبد الكريم مطيع طلب منهم إصدار بيان يُدِينون فيه خطوة تنظيم
معرض الكتاب الإسلامي، ويهاجمون فيه مسؤولي جماعة الدعوة؛ بحجة أن النظام هو من
يحركهم، ولم يكن يستند في اتهاماته على أي حجة أو دليل، وهو ما رفضه طلبة الشبيبة
الإسلامية آنذاك، وعجل بخطوة فك الارتباط التنظيمي مع مطيع وانطلاق المراجعات، التي
أثمرت تأسيس الجماعة الإسلامية بالرباط سنة 1983.
تجربة المشاركة السياسية وقصة حزب الوحدة والتنمية برئاسة الدكتور لحسن الداودي.
رغم عدم الاهتمام الذي تبديه الجمعية بالمجال السياسي فقد انبرى بعض
أعضائها لتأسيس حزب سياسي وخوض تجربة المشاركة السياسية بشكل مبكر.
في بداية التسعينيات كان هناك نوع من الانفتاح السياسي في المغرب
نتيجة تحولات دولية ضاغطة في اتجاه ترسيخ الديموقراطية واحترام حقوق الإنسان، وهو
ما تفاعلت معه السلطات المغربية بذكاء، حيث تم إطلاق سراح عدد كبير من المعتقلين
السياسيين، وتشكيل المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، كما تم تعديل الدستور المغربي
في اتجاه الاستجابة لجزء من مطالب الكتلة الديموقراطية، ممثلة في حزب الاستقلال
والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والتقدم والاشتراكية ومنظمة العمل الديموقراطي
الشعبي.
انطلقت فكرة تأسيس حزب سياسي بالموازاة مع الحوار الذي كان جاريا بين
جمعية جماعة الدعوة الإسلامية وباقي التنظيمات الإسلامية الأخرى التي سبقت الإشارة
إليها، بالإضافة إلى مكون آخر ينحدر من الشبيبة الإسلامية، ولكنه لم يعبر عن نفسه
بعد في إطار تنظيم واضح، ومن رموزه محمد المرواني والمصطفى المعتصم ومحمدالأمين
الركالة (سينقسم في ما بعد حيث سيؤسس محمد المرواني الحركة من أجل الأمة، بينما
سيختار المعتصم والأمين الركالة تأسيس حركة البديل الحضاري)، كان من نتائج هذا
الحوار تشكل القناعة بضرورة تأسيس حزب سياسي، يحتضن المشاركة السياسية للأفراد
الراغبين في ذلك.
في هذا السياق، تقدم الدكتور لحسن الداودي بملف تأسيس حزب سياسي جديد
يحمل اسم حزب الوحدة والتنمية لدى السلطات المحلية بفاس، وكان نائبه هو محمد الأمين
الركالة، وقد تعاملت السلطات مع هذه الخطوة بنوع من التوجس جرى تفسيره، بصعوبة
الترخيص لحزب سياسي جديد قبيل الانتخابات البلدية والتشريعية، التي كان من المزمع
تنظيمها على التوالي سنتي 1992 و1993؛ لأن ذلك سيتم تفسيره من طرف المعارضة آنذاك، وكأنه حزب من صناعة السلطة للتلاعب بالانتخابات، وهكذا فقد قبلت السلطات المحلية
تسلم وثائق ملف التأسيس، لكنها أرجأت الترخيص له دون أن يصدر عنها ما يفيد الرفض
الصريح لهذه الخطوة.
لحسن الداودي
وفي هذا السياق، شارك بعض أفراد الجماعة خلال الانتخابات البلدية
التي عرفها المغرب سنة 1992 كمرشحين مستقلين، ومنهم الدكتور علي الغزيوي (رحمه
الله) الذي تم ترشيحه في دائرة حي الأدارسة بفاس، ونجح كعضو مستقل في المجلس
البلدي آنذاك، كما شارك أعضاء آخرون من الجماعة في دعم بعض مرشحي حزب الاستقلال
المعروفين بصلاحهم، وبالفعل سينجح حزب الاستقلال في رئاسة المجلس البلدي خلال تلك
الولاية، بعد منافسة شرسة مع الاتحاد الاشتراكي.
قبيل الانتخابات التشريعية لسنة 1993 حاول الدكتور لحسن الداودي
الترشح بمدينة فاس كمرشح مستقل، وهو ما واجهته السلطات المحلية بالعرقلة والتماطل، حتى انتهى أجل الترشيح.
بعد الانتخابات التشريعية، كانت خطوات الوحدة بين عدد من التنظيمات
الإسلامية في مراحلها الأخيرة، وكان أن تعثر الحوار مع مجموعة المرواني والمعتصم،
بينما تشكلت رابطة المستقبل الإسلامي من جمعية جماعة الدعوة الإسلامية والجمعية
الإسلامية وجمعية الشروق (التبين)، واختارت لرئاستها الدكتور أحمد الريسوني، وهو ما
لم يسمح بمتابعة الملف القانوني لحزب الوحدة والتنمية.
بعد سنتين، وفي سياق الإعداد للإعلان عن الوحدة الاندماجية بين رابطة
المستقبل الإسلامي وحركة الإصلاح والتجديد، جرى في صيف 1996 تنظيم المؤتمر
الاستثنائي لحزب الحركة الشعبية الدستورية الديموقراطية للدكتور عبد الكريم الخطيب
رحمه الله، بعد الاتفاق بينه وبين قادة حركة الإصلاح والتجديد آنذاك، وتمت دعوة
الدكتور لحسن الداودي لحضور المؤتمر، ليكون عضوا في الأمانة العامة لحزب الحركة
الشعبية الدستورية الديموقراطية المنبثقة عن المؤتمر الاستثنائي، لتنطلق مسيرة بناء
الحزب الجديد الذي سيغير اسمه بعد سنتين ليصبح حزب العدالة والتنمية.
من أهم الخلاصات:
ـ حاولت هذه التجربة بناء تجربة إصلاحية لا تجعل من فكرة التنظيم
محورا أساسيا لعملها بقدر ما تسعى لبناء أفرادها على مركزية العلم والتفكير النقدي
والانفتاح على الآخر، ولذلك لم تراهن الجماعة على التوسع التنظيمي بقدر ما راهنت
على تكوين أفراد مؤهلين للانخراط في المجتمع، والقيام بأدوارهم الرسالية بعيدا عن
وصاية التنظيم ومنطقه في ضبط الأفراد وضمان ولائهم.
ـ من نتائج هذا الاختيار أن عددا من قادة الجماعة بقوا أوفياء
لأسلوبهم في العمل، فرغم إسهامهم التاريخي في بناء الوحدة الاندماجية بين فصائل
العمل الإسلامي، فإنهم لم يلتحقوا بأجهزتها التسييرية والتنظيمية واستمروا في أداء
مهامهم العلمية والدعوية، في احترام تام لباقي الاجتهادات والتقديرات.
ـ يحسب لشيوخ الجماعة منذ مرحلة التأسيس على يد عبد السلام الهراس
رحمه الله، أنهم انتبهوا إلى أهمية منهج الوسطية والاعتدال ونبذ الغلو والتطرف،
وساهموا بعلمهم وأفكارهم في تحصين قطاع عريض من الصحوة الإسلامية من الانزلاق نحو
العنف والتطرف، وفي إشاعة قيم الحوار والقبول بالاختلاف بين فصائل العمل الإسلامي، والتعاون في المتفق عليه والحوار في المختلف حوله.
ـ بقدر ما ساهمت الاختيارات التنظيمية
المرنة للجماعة في تجنيب أفرادها سلبيات الضبط التنظيمي وأمراض التضخم التنظيمي
وإطلاق العنان للمبادرة الحرة للأفراد، بقدر ما كان هذا عائقا حقيقيا أمام ترصيد
هذه التجربة وتثمينها والتعريف بها، خصوصا مع ميل أعضاء الجماعة للتواري عن أنظار
الإعلام ومواقع الشهرة والظهور.
بعد هذا الاستعراض السريع لكيفية تبلور فكرة التنظيم داخل مختلف الفصائل، التي ساهمت بشكل أو بآخر في بناء وبلورة العمل السياسي في صيغته الراهنة ممثلة في حزب العدالة والتنمية، نتابع في الحلقة القادمة قراءتنا النقدية لفكرة التنظيم، ونحاول رصد تحولاتها البارزة عند حركة التوحيد والإصلاح، وكيف أثرت بالإيجاب والسلب على تجربة حزب العدالة والتنمية.