نشر
موقع "
ناشونال انترست" مقالا لتيد غالين كاربنتر، الزميل البارز في شؤون
الدفاع والسياسة الخارجية بمعهد "كاتو" أشار فيه إلى التدخل الأمريكي
"المريب" المستمر في
سوريا.
وقال
إنه يجب الاعتراض على التدخل الأمريكي في سوريا على أرضية دستورية وأخلاقية واستراتيجية،
لكنه لا يزال يحظى بدعم من الحزبين في الكونغرس ومؤسسة السياسة الخارجية. وأضاف أنه بالتركيز المستمر على الحرب الروسية- الأوكرانية والتوتر المتزايد مع الصين حول تايوان
فإن المغامرات الأمريكية الأخرى المثيرة للقلق طارت فوق الرادار.
وأهم
مثال بارز وخطير هو الوجود الأمريكي المستمر في سوريا، وهو تدخل لا أساس له دستوريا
أو أخلاقيا أو استراتيجيا لكن الحزبين في واشنطن يدعمانه. ولم يعد من الممكن تبرير
المهمة على أي قاعدة. وليس مصادفة وضع قوات الاحتلال الأمريكي في شمال شرق- سوريا التي
توجد فيها احتياطات النفط السورية، وأثار شكوكا مفهومة حول الدوافع الأمريكية.
وأكثر
من هذا فإن العميل الرئيسي للولايات المتحدة في المنطقة وهي قوات سوريا الديمقراطية
التي يهيمن عليها الأكراد، ليست نموذجا للديمقراطية. وفي الوقت ذاته، طالما تعرضت القوات
الأمريكية لهجمات من الجماعات الموالية لإيران عبر الحدود من العراق.
وكأن
هذه المشاكل ليست كافية لتثير الشكوك حول المهمة المطلوبة من القوات الأمريكية، فإن
وجودها بات مثار مصاعب متزايدة مع تركيا عضو الناتو. وشنت أنقرة جولة جديدة من الغارات
ضد أهداف كردية في شمال سوريا، سقطت قذائف إحداها بعيدا 300 متر عن قاعدة عسكرية أمريكية،
مما قاد البنتاغون للشكوى إلى الأتراك وأن هذه الأساليب ليست ضرورية وتعرض حياة الجنود
الأمريكيين للخطر.
ويرى الكاتب أن زيادة الخلافات مع تركيا فيما يتعلق
بسوريا ليست أمرا صغيرا، نظرا لحاجة إدارة بايدن لتعاون أنقرة كي تقوم بتطبيق سياستها
في عزل الكرملين، نتيجة لغزو أوكرانيا. وحتى هذا الوقت كان موقف تركيا من روسيا متقلبا،
وخلافات جديدة مع واشنطن قد تدفعها لمغازلة إيران وتعطيها دعما لمواجهة العقوبات المفروضة
عليها. وآخر شيء تريده إدارة بايدن هي جولة جديدة من التوترات مع تركيا فيما يتعلق
بسوريا.
وأضاف الخبير الأمريكي أن السياسة الأمريكية غير الحكيمة من سوريا تتكشف ومنذ
وقت، ويبدو أن عملية الانهيار متسارعة.
وقال
إن المغامرة الفاشلة بدأت عندما تعاونت إدارة باراك أوباما مع السعودية وتركيا ودول
سنية أخرى للإطاحة ببشار الأسد. وكان السبب وراء هذا هو علاقة الأسد الوثيقة مع إيران.
وبالتأكيد ظلت سوريا الحليف الرئيسي لإيران في الشرق الأوسط، وظلت عائلة الأسد الوكيل
الرئيس لروسيا. ولهذا السبب لم يكن نظام الأسد، في نظر الولايات المتحدة، مذنبا بجريمة
بل وبجريمتين لا يمكن غفرانهما.
وأنهى
التدخل الروسي في عام 2015 حلم واشنطن والمعارضين بتحقيق انتصار ضد النظام. ورفضت إدارة
أوباما التخلي عن سياساتها المثيرة للاستغراب، وفي الحقيقة كانت منشغلة في 2014 و2015 بزيادة نشر القوات الأمريكية، رغم معارضة الحكومة السورية. وسلوك كهذا أثار السخرية
من محاضرات واشنطن حول احترام النظام الدولي القائم على القواعد.
وكانت
سوريا دولة ذات سيادة وعضوا في الأمم المتحدة إلا أن الولايات المتحدة نشرت قواتها في
ذلك البلد بدون موافقة من دمشق. واستمر التدخل حتى مع زيادة التوترات مع تركيا.
وكان
رجب طيب أردوغان من أكبر الداعمين للمعارضة السورية، لكن حماسته تلاشت عندما بات
واضحا أن واحدا من تداعيات الحرب فتح فرص للانفصاليين الأكراد على الحدود السورية المحاذية
لتركيا. وردت أنقرة بتحذير الرئيس دونالد ترامب بإعادة نشر القوات الأمريكية قبل العملية
العسكرية عام 2019، وهو ما فعله ترامب. ورغم ذلك تعرضت القوات الأمريكية لضربات المدفعية
التركية.
وكشف
الرد من داخل المؤسسة السياسية والخارجية على خطوة ترامب الحكيمة إبعاد الجنود الأمريكيين
عن خطوط النار، الدعم الحماسي للمهمة التي لا تقوم على منطق في سوريا. ولم يدعم الكونغرس
أبدا التدخل في سوريا، وقاد تحالف من الحزبين بزعامة المتشددة ليز تشيني، النائبة الجمهورية
في حينه عن وايومينغ حملة ضد ترامب عندما فكر بسحب القوات الأمريكية في سوريا.
ورغم
ما يقوله المسؤولون عن وجود 500 جندي في سوريا، إلا أن الأدلة تظهر أن الرقم يتراوح
ما بين 2.00- 4.000 جندي. ولم تصبح الأمور في ظل بايدن واضحة أو دستورية.
ولا
تزال المهمة في سوريا متواصلة وإن كانت على محرك قيادة آلي.
إلا
أن الظروف باتت خطيرة وبشكل متزايد. وضغط القادة الأكراد في تشرين الأول/أكتوبر على
الإدارة لكي ترسل لهم مزيدا من الدعم. وطالب قائد قوات سوريا الديمقراطية بايدن بمنع
تركيا من إنهاء سيطرة قواته على الحدود. ووسع البنتاغون من دورياته بشكل قد يخلق فرصا
لمواجهة مباشرة مع القوات التركية.
وقال
إن هناك مستنقعا قادم، ولسوء الحظ، فلربما نجح المعروفون في مؤسسة السياسة الخارجية وعمقوا
الوجود الأمريكي في الحرب الأهلية السورية المعقدة. ويظل التدخل الأمريكي في أوكرانيا الأخطر لأنه قد يؤدي لمواجهة مع دولة نووية ولديها القدرات على تحميل الأسلحة بالرؤوس
النووية، إلا أنه يجب عدم التغاضي عن المخاطر المتعددة النابعة من تدخل واشنطن في سوريا.