جاء النظام
المصري الحالي بعوامل بقاء تدريجية تكونت حتى قبل تولي رأسه
السلطة المسئولية بشكل معلن في 8 حزيران/ يونيو 2014م، واستطاع الجنرال بفضل الدعم
الخارجي من مخابراتي معلوماتي ومادي وقروض الاستقرار والثبات نسبيا. فرغم التحديات
التي أحاطته منذ 3 تموز/ يوليو 2013م إلا أن أدوات التغلب على المصاعب، ومن بينها قدرته
العنيفة على العصف بنظام ديمقراطي وليد، فضلاً عن آلية العنف التي اتخذها للتغلب على
الحراك الجماهيري الهادر المؤيد للمسار الأمثل لنهضة وتقدم المصريين، مكنته من
التسيّد ولو إلى حين.
وبالمناسبة فإن مسار محاولة النهضة المضاد دعمته قوى وطنية مختلفة في القلب
منها الإسلاميون؛ الذين نجحوا في تولي المسئولية في توقيت نراه غير مناسب ولا
محسوب أو حتى مسئول، فهم لم يُحسنوا فهم توقيت تولي المسئولية ولا حجمها أو
البلايا المترتبة على المغامرة فيما يخصها، وبالتالي لم يدركوا فداحة ما هم بصدده،
وفي مقدمته عدم وعي الجماهيري بأهمية الديمقراطية، ومن جانب آخر عدم الوعي الطليعي
أو النخبوي بمنهجية الحكم والتخلي عن استقرار دولاب دولة اعتاد القهر منذ مئات
السنين، فضلاً عن موقع الدولة الحيوي في قلب العالم وأهميته للحضارة الغربية وربيبة
حكامها ومنتفعيها ومتعصبيها؛ دولة الكيان الصهيوني الغاصب.
أردنا المرور السريع على كل هذا دون إسهاب أو تدليل، فلكل نقطة مما مضى
دلائل وسياقات لعلنا أوضحنا أغلبها في مقالات ماضية على مدار السنوات التالية
للثورة المصرية في 25 كانون الثاني/ يناير 2011م، بخاصة مع ظهور بوادر رغبة التيار
المقصود في صعود سلم السلطة منذ منتصف عام الثورة الأول.
إجمال المقاومين، وإن كانوا سلميين، إلا أن جل مجهوداتهم تصب للأسف المرير في خانة الإبقاء على النظام، بخلق الأخير فزاعة خارجية من "الإسلاميين" ووصمهم بما ليس فيهم من إرهاب؛ وغيرها من الادعاءات التي يتحلى النظام بها ويلحقها منذ 2013م بالمغلوبين على أمرهم من مقاوميه العزّل
ومقتضى سياق تناولنا اليوم ينطلق من أولية "خطورة" أن يكون
لراغبي هدم الوطن في المجمل التسيد لتحقيق مآرب شخصية وأهواء خاصة خطة محكمة دقيقة
خاصة ذات أبعاد وطرق متعددة للتنفيذ، فضلاً عن مسارات بديلة وبديلة للأخيرة، والقدرة
على الخداع المنطقي وغير المنطقي، ووجود خطة لإمكانية تحمّل تطور أهداف ومطامع
الأصدقاء، وللأسف خطة مماثلة لإمكانية تحمل فيض كلمات الأعداء، وإن كان كل هذا لا
يقدم ويؤخر شيئاً من السياق العام للواقع المصري. لكن من الخطورة البالغة بمكان أن
يكون المقاومون السلميون لهم خالين من كل هذا إلا قليلاً غير مؤثر!
وقد سبق أن استفضنا في الفرق الذي نميل إليه بين المقاومين السلمين
والمعارضين، ولكن جرياً على معروف المصطلحات، ومنعاً للالتباس نعاود استخدم لفظ
المعارضة في العنوان..
إن إجمال المقاومين، وإن كانوا سلميين، إلا أن جل مجهوداتهم تصب للأسف
المرير في خانة الإبقاء على النظام، بخلق الأخير فزاعة خارجية من
"الإسلاميين" ووصمهم بما ليس فيهم من إرهاب؛ وغيرها من الادعاءات التي
يتحلى النظام بها ويلحقها منذ 2013م بالمغلوبين على أمرهم من مقاوميه العزّل جرياً
على المقولة العربية الأصيلة: "رمتني بدائها وانسلت".
ولأننا تناولنا سابقاً ما على الأخيرين لحلحة الموقف الحالي في مناسبات عدة
سابقة، ولرؤيتنا ضرورة تحديث التناول نجمله هنا في نقاط، مؤكدين على أن الأمر
اجتهاد شخصي، نرجو الله أن يثمر مع مجهودات أخرى لشيء من الدفع بحل للأزمة المصرية
الحالية، وعلى قمتها استهداف المقاومين خاصة الشرفاء المعدومي الحيلة إما بالقتل
والتشريد بداخل البلاد أو خارجها، بالإضافة لاستغلالهم والتشهير بهم والادعاء أن
النظام نفسه يحمي الغرب منهم ومن حرب أهلية داخلية:
1- مطلوب أن يتفهم قادة المقاومة السلمية المخلصين أن الأيام تتعاقب وتدور،
وأن ما كان يصلح بالأمس في عالم السياسة وإدارة البلاد ومنظومة التسيد العالمي لم
يعد له مجال اليوم لمجرد الوجود. فهؤلاء القادة المفترضون ما يزالون يفترضون أن
التاريخ توقف عند 24 من حزيران/ يونيو 2012م، لحظة إعلان تصدر الرئيس المنتخب
ديمقراطياً -رحمه الله- للمسئولية، والأجدر بهم والأولى أن يتفهموا أنه بعد عشر
سنوات مريرة تلبدت أجواء كانت تبدو لأعينهم صافية، وتغيرت المنظومة بكل ما فيها،
ولم تنهر الحياة في مصر بغيابهم وما كان لها أن تنهار -لا قدر الله- فالأصل أن يعمل
هؤلاء لرضا الله ثم لعمارة الأوطان وتجميعها، فإن فشل بعضهم في هذا استدعوا الأمل
وأعادوا البناء لعودة تحقق ما أرادوه ولو جزئياً!
2- يستدعي تغيير الأفكار وبالتالي ما يترتب عليه من مواقف فهم القيادات
الحالية المفترضة للمقاومين السلميين -وفي القلب منهم الإسلاميون- أنه من الواجب
عليهم إفساح المجال لتقدم الشباب، وإن وصل الأمر لتنازلهم عن مواقعهم لحساب
الآخرين، فليس الأمر تمسكاً بما يراه البعض منصباً أو وجاهة شخصية، أو حتى تربّحاً
وحظوة ونيلاً لأكبر قدر ممكن من المتاع الزائل للحياة. ففي قلوب وأرواح هؤلاء يجب
أن تستقر محبة الأمة وتعظيم نهضتها من كبوتها، فما مصر إلا قلب نابض لها وتراجعها
تراجع للأمة كلها، فإن عظم الهدف لديهم استطاعوا التغلب على الأهواء الشخصية
الخاصة بكل منهم.
تغيير الأفكار وبالتالي ما يترتب عليه من مواقف فهم القيادات الحالية المفترضة للمقاومين السلميين -وفي القلب منهم الإسلاميون- أنه من الواجب عليهم إفساح المجال لتقدم الشباب، وإن وصل الأمر لتنازلهم عن مواقعهم لحساب الآخرين
3- يجب على جميع المنضوين تحت راية المقاومة السلمية للنظام الانتظام في خيط
واحد فكري وسلوكي يقوم على نبذ الخلافات الخاصة بالمواقف السابقة، كوقوف البعض ضد
الرئيس الراحل محمد مرسي، أو حتى مرحلياً مع 30 يونيو أو حتى 3 يوليو، فما دام
أولئك عادوا فلا داعي للتنابذ بالمواقف واجترار المآسي، وليدرك الجميع أن التخلص
من مرارة اللحظة الراهنة أولى.
4- تنقية الصفوف من مندسين وتجار مواقف وحروب ومتربحين على حساب الكنانة
والأمة واجب وقتي، كان من المفترض البدء فيها منذ سنوات وتأخرها يساوي إهداراً
لمجهودات البناء، إذ كيف ينجز أناس بين صفوفهم خونة أو متربحون لا يعرفون إلا
مصلحة أنفسهم؟!
5- ما سبق يحقق تأسيساً لمقاومين سلميين يبدأون صفحة جديدة لمجهودات مكثفة
تلاحق الواقع المرير، وتحاول تفهمه قبل مواجهته. ومن بين المجهودات التالية
المنتظرة تقبل آراء الجميع طالما صبت في أفق البناء، إذ كيف يمكن لقيادة لا تعتني
بإدراك معالجة موقفها من جميع جوانبه أن تحاول حلحلة موقف بلادها، فضلاً عن إدراك
موقفها وطرق تغييره؟
6- استبعاد المقولات المعلّبة التي لا تؤدي إلا لتفاقم الأوضاع المتدهورة
الحالية: "النصر الوشيك"، "ترنح الانقلاب"، "خطة الإرباك
والإنهاك" وهلمّ جرّاً.. وفي المقابل الخروج من ضيق اللجان والمؤتمرات وغالباً
التنظيمات ذات التوجه، أو الإبقاء على الأخيرة داخل النسق الخاص بها لدى المشاركين
فيها وعدم إقحامها في الثورات.
استبعاد المقولات المعلّبة التي لا تؤدي إلا لتفاقم الأوضاع المتدهورة الحالية: "النصر الوشيك"، "ترنح الانقلاب"، "خطة الإرباك والإنهاك" وهلمّ جرّاً.. وفي المقابل الخروج من ضيق اللجان والمؤتمرات وغالباً التنظيمات ذات التوجه، أو الإبقاء على الأخيرة داخل النسق الخاص بها
7- فهم أن هناك فارقا بين دوري المنظر النظري والحركي المنفذ، وعدم افتراض
أن كل حركي قادر على التفكير الجيد المنفذ وعدم الاستماع لمنظرين، فلا يجب أن ننسى
أننا نواجه نظاماً تخطط له مخابرات محلية ودولية، فلا يصح أن نواجههم بتصرفات لبعض
الذين يظنون أنفسهم بعيدين عن المراقبة، أو بمنأى عن تصويب الآراء والتحركات.
ويكفي ما نال الآلاف من أولاء، سواء أكانوا مستترين بمسمى الدين أو غيره، فصحيح
الدين وروح الأيديولوجيات ينبذ التصرف الفردي لأي كان!
8- البدء بالنظر في أسباب تردي الموقف المقاوم السلمي على جميع الأصعدة،
فليست من قضية واحدة مرفوعة أمام هيئة أو محكمة دولية، ولا حتى نظرة لكيفية توظيف
النظام المصري نفسه للمقاومة المنزوعة المخاطر في منظومة تحقق له مصلحة، إذ يدعي
وما يزال أنه يستلب مشروعيته من التصدي لـ"
الإرهاب"، ففيما يمارس النظام
المصري نفسه الإرهاب نجح في قلب المعضلة وإيهام الآخر بأنه يواجه الإرهاب. وإن كان
الغرب نفسه مستعداً لتلقي هذا المفهوم، فإن ذلك لا يعني أن المقاومين أنفسهم قصروا
في عرض قضيتهم على النحو الأمثل الذي يسبب أزمة كبرى للمزيفين والأدعياء، وبالتالي
يوعّي الشعوب الغربية بالحقيقة!
9- التفكير والتعجيل بمراكز بحوث ودراسات تدرس الواقع بشكل علمي دقيق وتطرح
الحلول والأفكار المناسبة مع احترام صاحب القرار لها، مع إدراك شديد لأهمية وجود
المفكر الواعي والأديب المدرك بين الصفوف، وإن غايرت المؤسسات والأفراد مستقر
الأفكار لدى الجموع.
10- من المهم الاستماع لجموع المقاومين المضارين وغيرهم في جمعية عمومية أو
ما شابه، بعد تجاوز العقبات الأمنية وغيرها، فقد تختلف الوسيلة التي تجتاز الآراء
عبرها الجموع، ويبقى أن تفتح نافذة للتعبير للاستماع إليها.
إدراك واقع المسجونين بقضايا الرأي وغيرهم من مئات الآلاف المأزومين من أهالي الشهداء والمصابين والمطاردين، فإن تمثل أولاء ينقي النفوس الحرة من دخول الإصرار على الرأي، أو محبة الانتصار للذات
11- للأسف فإننا نجد الطغاة يضيقون بالرأي الآخر، ويقف الطرف الآخر على
الأقل دون أن يتقبل النقد ويحاكم ويحاسب القائلين به على أنهم خونة أو مخالفون
للإجماع المتوهم المفتقد.
12- حسن إدراك واقع المسجونين بقضايا الرأي وغيرهم من مئات الآلاف
المأزومين من أهالي الشهداء والمصابين والمطاردين، فإن تمثل أولاء ينقي النفوس
الحرة من دخول الإصرار على الرأي، أو محبة الانتصار للذات وجعلها تتمثل المضيّق
عليهم وتصر على عدم خذلانهم.
هذه حزمة من الأفكار نرى أنها تثري المقاومة السلمية وتأخذ بيدها (شكلاً
ومضموناً) نحو تغيير للواقع المصري المعتم، ونؤكد أنها مفتوحة على التعديل
والتبديل، فضلاً عن الأخذ والرد، ولكم تمنينا أن نخرج بها من ضيق أفق التنظير
المبالغ فيه دون حراك حقيقي إلى آخر يستقدم تغييراً ولو يدب دبيباً ثم ينمو. ولنا
عودة للتفاصيل بإذن الله، إن كان في العمر بقية!