الكتاب: "لسنا أرقاماً.. الأسيرات الفلسطينيات في سجون الاحتلال"
الكاتب: مجموعة من المؤلفات الفلسطينيات
الناشر: مركز نساء من أجل فلسطين للدراسات والأبحاث، الطبعة الأولى،
2022م
عدد الصفحات: 601
وراء كل أسيرة فلسطينية قصة ألم وتضحية، وعائلة عانت مرارة الفقد
والحرمان، مثلت قضية الأسرى والأسيرات قضية وطن مازال ينزف جرحاً ويقدم الشهداء
والجرحى، فالعمل على تحريرهن عمل نضالي؛ لم يتوان أي فلسطيني يوماً في العمل على
فك أسرهن من قبضة السجان الإسرائيلي، ولأجلهن عقدت صفقات التبادل مع المحتل، فخرجت
مجموعة كبيرة منهن في مقدمة الصفقات.
اعتمدت المؤلفات على مجموعة مهمة من المصادر والمراجع، في مقدمتها
المقابلات التي أثرت هذا الكتاب بالتفاصيل الدقيقة عن أحوال الأسيرات، حيث اعتمدت
المشاركات أسلوب البطاقات التعريفية للأسيرات، وسجلت بياناتها من العمر وقت
الاعتقال، والإقامة، وتاريخ الاعتقال والإفراج، ومدة الحكم والتهمة المسندة
للأسيرة، والمهنة بعد الإفراج، وظروف كل أسيرة بصورة مختصرة، فكان كتاب وثائقي لا
غنى عنه لأي باحث في شؤون الأسرى.
قدمت للكتاب ابتسام صايمة، وعن سبب وضع هذا الكتاب تقول: "معاناتنا
دائمة في إيجاد معلومات موثقة عن الأسيرات في سجون الاحتلال...إذا تضاربت
المعلومات بين الجهات المختلفة التي تعنى بقضية الأسرى، وما يتوفر من معلومات
نجدها مبعثرة" ( ص14).
كما قدم للكتاب د. نهاد الشيخ خليل، متسائلاً لماذا الحاجة لكتابة
تاريخ النساء، وتاريخ الأسيرات، فيجيب" الأسباب متعددة منها، الكشف عن
الثقافة والقيم التي ساعدت النساء، أو تلك التي تعيق انخراط النساء في المقاومة
سواء من خلال الفعل المباشر، أو العمل المساند والداعم والميسر والمسهل لعمل الرجال
في المقاومة، وكذلك التعرف على خبرات وتجارب الأسيرات في مواجهة سياسات
السجان" ( ص 19).
وضع المحرر تعريفا بالسجون الإسرائيلية، وعددها تسعة سجون أقدمها سجن
الرملة الذي أقيم عام 1950، وصنف أنه الأعلى مستوى في الأمن؛ بسبب أن الأسرى فيه
مصنفون على مستوى عال من الخطورة، ويضم 625 زنزانة، حيث بني على طراز قلاع
"تيغارد"، وأحدثها سجن تحقيق الجلمة على الطريق العام بين مدينتي حيفا
والناصرة شمال فلسطين تم إعادة افتتاحه خلال انتفاضة الأقصى (ص24).
تعرضت أكثر من 16.000 فلسطينية للاعتقال في سجون الاحتلال منذ عام
1967 ـ 2021م، وكانت أكبر عملية اعتقال قد تمت بحق النساء الفلسطينيات فترة
الانتفاضة الفلسطينية الأولى، التي انطلقت عام 1987م، حيث وصل عدد الأسيرات نحو
3000 فلسطينية، أما في انتفاضة الأقصى فبلغ العدد 1500 امرأة عام 2000م، واتبعت
إسرائيل خلال عملية اعتقالهن إجراءات قمعية تعسفية؛ غايتها تدمير شخصية الأسيرة
وحالتها النفسية، لإيصال معاناتهن للفلسطينيات الأخريات، والابتعاد عن المقاومة
الفلسطينية (ص37).
تعرضت أكثر من 16.000 فلسطينية للاعتقال في سجون الاحتلال منذ عام 1967 ـ 2021م، وكانت أكبر عملية اعتقال قد تمت بحق النساء الفلسطينيات فترة الانتفاضة الفلسطينية الأولى، التي انطلقت عام 1987م
أما الأسيرات خلال الأعوام 2003-2005م، فبلغ عددهن نحو 25 أسيرة،
منهن سمر صبيح، التي حكمت عامان و8 أشهر عام 2005م، وأفرج عنها عام 2007م، واعتقلت
وهي حامل في الشهر الثامن، وقضت مدة شهرين في التحقيق بزنزانة انفرادية، بعيداً عن
الهواء، والشمس، والرعاية الصحية والغذائية اللازمة للمرأة الحامل، ورفض الاحتلال
اعطائها فرصة لوضع مولودها في ظروف انسانية بحسب اتفاقية جنيف الرابعة التي تنص
على احترام الأسرى" وضعت مولودها براء بعملية قيصرية في ظروف قاسية مكبلة
اليدين والأرجل، وتعاملت إدارة مصلحة السجون مع الطفل براء كأي أسيرة يقضي حكماً
في السجن، دون أي معاملة إنسانية استثنائية"( ص134)، ويحق لنا التساؤل هنا في
أي عالم يتم التعامل مع المولود الفلسطيني داخل الأسر كأسير، لا كطفل رضيع يحتاج
إلى توفير رعاية خاصة، كما يتم حجز هؤلاء المواليد مع أمهاتهم في ظروف اعتقال
فردية.
ومن ثم طرحت الأسيرات الفلسطينيات في الفترة عام 2006- 2021م، بشكل
سنوي، بدأت بعام 2006م وعددهن تسع أسيرات، وسبع أسيرات في عام 2007م، وأشهرهن
فاطمة يونس الزق، التي اعتقلت عام 2009م؛ بتهمة محاولة تنفيذ عملية استشهادية التي
فوجئت أنها حامل داخل السجن، ووضعت مولودها يوسف داخل الأسر، وهي مقيدة، دون أن
يتم الاستجابة؛ لتوسلاتها داخل المشفى، وأفرج عنها بعد قضائها مدة عامين نصف داخل
السجن، وقبل تثبيت الحكم عليها.( ص156).
تقلص عدد الأسيرات الفلسطينيات في سجون الاحتلال إلى تسع أسيرات، لم
تشملهن صفقة التبادل عام2011م في مرحلتها الأولى، بالمقابل ركزت دولة الاحتلال على
اعتقال الطالبات "استهدفت عمليات الاعتقال التي تنفذها سلطات الاحتلال
الطالبات في الجامعات الفلسطينية، خاصة طالبات جامعة بيرزيت، بسبب نشاطهن الطلابي
والنقابي داخل المجتمع في محاولة لتقويض المساهمة الاجتماعية والنضالية، التي يمكن
أن تساهم في بث الوعي الوطني داخل البيئة التعليمية"، الأمر الذي أعاق
مسيرتهن التعليمية، في محاولة لإجبارهن للابتعاد عن الانتماء السياسي والنضالي(
ص42).
كما استهدفت الصحفيات والاعلاميات اللواتي أدينا دوراً مهماً في
توصيل المعلومات إلى الجمهور الفلسطيني، وخلق رأي عام وهذا يعني إحداث قمع الحرية
الإعلامية، وخاصة ضد المؤثرات كالكاتبة لمى خاطر والصحفية بشرى الطويل، بل إن دولة
الاحتلال الإسرائيلي الدولة الوحيد التي تقوم بمحاكمة الأطفال أمام المحاكم
العسكرية، التي تفتقر لمعايير المحاكم العادية والعادلة مما ينعكس سلباً على
الحالة النفسية على الأطفال بسبب العزلة والإنطواء (ص48).
أرهقت الأسيرات وذويهم بالكفالات المالية، وطال الاعتقال القاصرات
اللواتي لم يتورع الاحتلال عن اعتقالهن، والحاق الأذى بهن نفسياً ومنهن ديما
الواوي ذات 12 عاماً التي تعد أصغر أسيرة في العالم، وكذلك الأمهات والحوامل
والجريحات والمسنات، بل وتعرضن للتعذيب داخل الأسر، ومنهن ابتسام حمارشة 60 عاماً
التي اعتقلت عام 2015م، وكذلك العاملات في المؤسسات الحقوقية والدولية؛ منتهكة
بذلك مبادئ القانون الدولي الإنساني، وكافة الاتفاقيات حقوق الانسان، خاصة اتفاقية
جنيف الرابعة 1949م، التي تنطبق موادها على فلسطين من حكم الوضع القانوني للأراضي
المحتلة.
أمعنت دولة الاحتلال في التضييق على عوائل الأسيرات، فاعتلقت بعضهن
عدة مرات كرجاء نظمي الغول التي اعتقلت عام 2009م مع نحو 11 أسيرة، وأفرج عنها
2011م، بعد أن تم اختطفها من منزلها الواقع في مخيم جنين، وهي تعاني من مرض القلب،
وحولت للاعتقال الإداري مدة عامان وتعرضت للشبح، التي وصفت التحقيق بالسجن
بقولها" أخر يوم في التحقيق وضعوني في غرفة كأنها ثلاجة، فقد كانت باردة جداً
ويوجد بها سرير من الباطون والأغطية النتنة، وباب الغرفة محكم الإغلاق وسميك ولكن
لم اعترف بالتهم الموجه إلي، وهناك أكملت الإضراب، ورفضت تناول علاج القلب"(
ص173)، علماً بأن الأسيرة رجاء اعتقلت لأول مرة عام 1989م، وكانت تعاني من فقدان
بصرها، وشلل في أطرافها حينما نسف الاحتلال منزل جيرانها، وتساقطت الجدران عليها،
وحكمت 3 أعوام ونصف كونها قاصر وخفف عنه الحكم.( ص174)
استهدفت عمليات الاعتقال التي تنفذها سلطات الاحتلال الطالبات في الجامعات الفلسطينية، خاصة طالبات جامعة بيرزيت، بسبب نشاطهن الطلابي والنقابي داخل المجتمع في محاولة لتقويض المساهمة الاجتماعية والنضالية، التي يمكن أن تساهم في بث الوعي الوطني داخل البيئة التعليمية
كانت أحلام التميمي أطولهن فترة حكم، بنحو 16 مؤبد، 1548م عاماً؛
بتهمة المشاركة في تنفيذ عملية استشهادية، وأفرج عنها عام 2011م وتم ابعادها إلى
المملكة الأردنية الهاشمية، وهي أول امرأة جندت في كتائب الشهيد عز الدين القسام،
وكانت مهمتها اختيار وتحديد أماكن العمليات الاستشهادية، فكان أول نشاط لها نقل
الاستشهادي عز الدين المصري منفذ العملية الاستشهادية في مطعم سبارو بالقدس عام
2001م، وعاشت التميمي ظروف قاسية في السجن كغيرها من الأسيرات، ولم تنتهي معاناتها
عند ذلك الحد" فطالبت وزارة العدل الأمريكية الحكومة الأردنية بتسليمها الأسيرة
المحررة حاملة الجنسية الأردنية، وذلك بعد أن وضعها مكتب التحقيقات الفيدرالية على
رأس لائحة الإرهابيين المطلوبين؛ بتهمة المشاركة في تفجير مطعم إسرائيل عام 2011م،
والذي قتل في أميركان"(ص96).
ارتفع عدد الأسيرات المعتقلات عام 2015م، لنحو 50 أسيرة منهم اسراء جعابيص التي حكمت 11 عاماُ و20 ألف شيكل،
ومازالت معتقلة بتهمة محاولة تنفيذ عملية بسيارتها في طريقها من مدينة أريحا إلى
القدس التي تعمل بها؛ إذ أنها قامت بنقل سكنها بالقرب من مكان عملها، وحملت في
سيارتها جزء من أغراض بيتها، كأنبوبة بوتاغاز فارغة، وجهاز تلفاز، فتقول"
عندما وصلت حاجز الزعيم تعطلت السيارة قرب مستوطنة معاليه أدودميم، وحدث تماس
كهربائي وانفجر بالون السيارة الموجود بجانب المقود، واشتعلت النيران داخل
السيارة، فخرجت إسراء وطلبت من إسعاف رجال الشرطة الإسرائيلية، الذين لم يقدموا
لها الإسعاف، بل قام الشرطي بإغلاق باب السيارة عليها"( ص291)، وتم الادعاء
أنها كانت في طريقها لتنفيذ عملية بالرغم من أن الانفجار كان عرضي؛ بسبب بالون
السيارة وليس أنبوبة الغاز الفارغة، وتعرضت لحروق من الدرجة الأولى، شوهت وجهه
وأيديها، ومازالت تعاني منه، ومنعت من العلاج طوال تلك الفترة، وحرمت من زيارة
عائلاتها لها.
تعددت أساليب التعذيب في سجون الاحتلال حيث تم احتجازهن داخل زنازين
لا تصلح للعيش، واخضاعهن للتحقيق لمدة طويلة" مورس ضدهن كافة أساليب التعذيب
كالضرب والشبح والشتم والحرمان من النوم لساعات طويلة، والترويع والترهيب دون
مراعاة لجنسهن واحتياجاتهن الخاصة " (ص51)، ولم يتوان المحقق الإسرائيلي من
ضرب الأسيرات بشكل هجمي ووحشي أثناء استجوابها؛ في محاولة لانتزاع المعلومات منهن.
ووصل الحد بالسجان الإسرائيلي إلى اتباع أسلوب التعرية والتفتيش
العاري وهو من الأساليب القذرة المستخدمة ضد الأسيرات؛ لإذلالهن والحط من كرامتهن
فتقول قاهرة السعدي:" جرى تفتيشها عارية، بطريقة مهينة لا أخلاقية"،
وهناك أسيرات محجبات تعرضن لنزع حجابهن سواء كان ذلك من خلال عملية الاعتقال أو
أثناء التحقيق، وخضع بعضهن للعزل الانفرادي، في زنزانة صغيرة لا تزيد مساحتها عن
80 سم *120 سم لعدة أيام كأسلوب عقابي، وكذلك الشبح، وعدم النوم لساعات طويلة يتم
تقييد الأسيرة من يديها، وقدميها إلى الخلف بالكرسي( ص55).
تشير المؤلفات أن الأسيرات "تعاني ظروفاً حياتية صعبة تتمثل
بارتفاع نسبة الرطوبة الغرفة، التي تؤثر على صحة الأسيرات فأرضية الغرف من الباطون
دون بلاط، وغاليتها بلا تهوية، لا تدخلها أشعة الشمس، مليئة بالحشرات كون البناء
قديم، وتعاني الأسيرات من وجود كاميرات مراقبة في ساحة القسم الذي ينتهك
خصوصيتهن"، وتؤكد الأسيرة المحررة عبير عودة أن إدارة سجن تلموند تقوم بإدخال
الكلاب البوليسية داخل الغرف؛ بحجة التفتيش مما يرعب الأسيرات، إضافة لوجود
المجاري المكشوفة ما يسبب روائح كريهة داخل الغرف وأمراض صدرية خطيرة (ص58)، إلى
جانب الحرمان من حقهن في زيارة عائلاتهن،
أو زيارة المحامين، أو حتى مندوبي الصليب الأحمر، حتى أثناء الزيارة التي تتم من
خلف جدار زجاجي؛ ما يعني حرمانهم من مصافحة الأهل والحديث فقط عبر الهاتفـ،
وغالباً ما يتم الغائها يشكل مفاجئ كوسيلة العقابية ( ص65).
ختمت الدراسة بالفصل الثالث، الذي جاء على شكل جدول تضمن أسماء
الأسيرات في سجون الاحتلال الإسرائيلي 2000 -2021م، وبدأ بتسطير أسماء الأسيرات
التي رسمن بأجسادهن خلف القضبان تاريخ مشرف للحركة الأسيرة، وضم نحو 739 أسيرة
محررة، ومعتقلة مازالت في الأسر، بدأ بالأسيرة سونا محمد الراعي من مدينة قلقيلية
المعتقلة عام 1997م، التي حكمت نحو اثنا عشر عاماً، وانتهى بالأسيرة بشرى جمال
الطويل التي اعتقلت عام 2022م، والموقوفة إدارياً، هذا الفصل كان الأجدر أن يكون
على شكل ملحق للفصل الثاني الذي ضم جميع الأسيرات بطريقة وثائقية.
لم يفرق الاحتلال الإسرائيلي في عدوانه على الشعب الفلسطيني بين
الرجل والمرأة وبين الصغير والشيخ، فتعرضت نساء فلسطين لأسوء حالات الاعتقال،
فقيدت داخل زنازين المحتل في ظروف مؤلمة وقاسية للغاية، تم فيها مخالفة كافة
القوانين والشرائع الدولية والقانون الإنساني في غياهب السجون المظلمة.