دخل
قرار البنك المركزي
المصري بإلغاء العمل بالمستندات المعتمدية والتعامل بمستندات التحصيل
فقط كما كان في تنفيذ كافة العمليات الاستيرادية حيز التنفيذ ابتداء من الاثنين. وذلك
بعد 10 أشهر من الأزمات التي ضربت قطاع الاستيراد، وأدت إلى تراكم آلاف الأطنان من المواد
المستوردة، بالموانئ المصرية.
وقال
البنك المركزي الخميس الماضي، إن المستوردين بإمكانهم استخدام مستندات التحصيل بعمليات
الاستيراد، منهيا قراره السابق في شباط/ فبراير الماضي، بالعمل بالمستندات المعتمدية
للحد من أزمة خروج العملات الأجنبية من البلاد والتي فجرتها الحرب الروسية الأوكرانية.
"أزمة
الواردات"
ويبدو
أن إلغاء شرط تعامل المستوردين بالاعتمادات المستندية محاولة من الحكومة المصرية
لحل أزمة الواردات المتراكمة بالموانئ، وكجزء من اتفاقية قرض الـ 3 مليارات دولار التي
أقرها صندوق النقد الدولي في كانون الأول/ ديسمبر الماضي.
ووفق
نشرة "إنتربرايز"، ليوم الاثنين، فإن هذا التحرك من الحكومة هو لتخفيف قيود
الاستيراد ويأتي لاستيفاء التعهدات التي تقدمت بها القاهرة لتأمين الحصول على حزمة
الإنقاذ الأخيرة من صندوق النقد.
وعلى
مدار نحو 10 أشهر فإن المستورد المصري عانى في توفير العملات الأجنبية وخاصة الدولار مع
النقص الشديد في العملات الصعبة، ما عرقل وصول المستوردين إلى خطابات الاعتماد المستندية.
وطوال
تلك الفترة عانى السوق المحلي من شح بأغلب السلع والخامات ومستلزمات إنتاج المصانع،
وتراكم السلع بالموانئ مع عجز المستوردين على توفير الدولار لمواصلة عمليات الاستيراد
والإفراجات الجمركية عبر الاعتمادات المستندية.
ووسط
ترقب كبير، يثار التساؤل عن النتائج المترتبة على إلغاء المركزي المصري العمل بالمستندات
المعتمدية، ومدى قدرة القرار على حل الأزمات التي ضربت قطاع الاستيراد، ومساعدة المستوردين
على تجاوز أزمتهم القائمة منذ شباط/ فبراير الماضي، وإمكانية تحريك السوق وتقليل الأسعار.
"انفراجة
محتملة"
وهنا
قال الخبير
الاقتصادي المصري الدكتور عبدالنبي عبدالمطلب، إن "إلغاء العمل بالمستندات
المعتمدية بالتأكيد كان أمرا متوقعا، ومن المفترض أن يساهم في الإفراج عن كميات كبيرة
جدا من البضائع على الأقل تلك المكدسة بالموانئ".
وأضاف
لـ"عربي21": "كذلك فإن العودة للعمل في عمليات الاستيراد بطريقة مستندات
التحصيل بدلا من الاعتمادات المستندية قد يساهم إلى حد ما في تيسير عمليات الاستيراد،
خاصة بالمواد الخام، ومستلزمات الإنتاج"..
"وأيضا،
قد يساعد في تيسير عمليات استيراد بعض السلع الاستهلاكية التي يعاني السوق المصري من
نقص فيها، حيث أنه من المفترض أن ارتفاع الأسعار الحادث حاليا بالسوق المصري سببه تراجع
الإنتاج الذي يعود لنقص استيراد الخامات وغيرها".
واستدرك
متسائلا: "لكن، هل سيؤدي القرار إلى خفض الأسعار؟، أو بمعنى أن السوق المصري به
من المرونة ما يؤهله للعمل طبقا لآليات السوق، فهذا أمر يحتاج إلى مراجعة".
ولفت
إلى قول البعض إنه "عندما ترتفع السلع في مصر فإنه من الصعب أن تعاود الانخفاض
مرة أخرى؛ لأن هناك بعض العوامل التي تؤثر على السوق جزء منها معتمد على آليات العرض
والطلب".
"لكن؛
جزء آخر يتعلق ببعض الأمور الأخرى، مثل حالة السوق، ومثل ارتفاع أسعار الخدمات الأخرى
المرتبطة بالإنتاج مثل الكهرباء والغاز".
"وضع
الدولار"
وفي
هذا الإطار، كيف يحصل المستوردون على الدولار وسط تفاقم أزمة العملة الصعبة؟
وهنا
لفت عبدالمطلب، إلى أنه "تبقى مشكلة توفير العملات الصعبة لتدبير التمويل اللازم
للواردات"، لكنه يعتقد أن "البنك المركزي يستطيع المناورة بجزء من الاحتياطي
النقدي لديه، ولو أنني أعتقد أن هذه الخطوة بمنتهى الخطورة، إذا لم تكن محسوبة بالقدر
الكافي".
وتابع:
"أيضا يستطيع البنك المركزي قبول الإيداعات الدولارية أو تخفيف قيود قبولها، وقد
يستطيع جذب كميات أكبر من العملة الصعبة برفع الفائدة على الودائع الدولارية أو إصدار
شهادات استثمار دولارية طويلة الأجل، بأسعار فائدة مرتفعة".
"المرض
عُضال"
لكن،
وعلى الجانب الآخر، يرى الخبير الاقتصادي المصري عبدالحافظ الصاوي أن "الحديث
عن الاعتمادات المستندية وسندات التحصيل هي آليات للعمل يمكن أن ينظر إليها في ضوء
إيجابيات أو سلبيات كل منها".
وفي
حديثه لـ"عربي21"، أضاف: "لكن المشكلة الأكبر بالنسبة لمصر هو اعتمادها
بشكل كبير على الخارج، وبالتالي تعاني من التبعية الاقتصادية"، موضحا أن
"هذه هي القضية التي يجب أن تناقش".
وأكد
أنه "حتى لو تم حل مشكلة المستوردين بتوفير العملة الصعبة أو تيسير الإجراءات
الإدارية لتسهيل عملهم؛ تبقى دولة بحجم مصر عدد سكانها يصل إلى 110 مايين نسمة وقابل للزيادة
تعتمد في غذائها وصناعتها وكثير من الأنشطة على الاستيراد".
ويعتقد
الصاوي، أن "المسؤولة عن هذا الأمر هي الإدارة الاقتصادية للبلاد، والمسؤولين عن
التخطيط، والمسؤولين عن وضع استراتيجية تناسب بلد بقامة وقيمة مصر"، معربا عن
أسفه من "إهدار القامة والقيمة الفترة الماضية".
ويرى
أنه "إذا كان هناك حل جذري للموضوع فهو أن تبدأ مصر بإحلال صناعات محل الواردات،
وأن تبدأ مصر بتطوير صناعاتها والاستفادة من البنية الصناعية الموجودة".
وتابع:
"وإلغاء كل برامج الخصخصة الموجودة، والحفاظ على ما تبقى من أصول رأسمالية، وعدم
التفكير على الإطلاق في تصفية بعض الكيانات الصناعية، كما تم في
مجمع الحديد والصلب، وشركات الأسمنت وغيرها".
وأوضح
الخبير المصري، أن "هناك الكثير من السلع يتم استيرادها من السهولة بمكان أن يتم
إنتاجها في مصر"، داعيا لـ"علاج الموضوع بشكل جذري، بأن تتحول مصر إلى دولة
منتجة، ولو على الأقل بتوفير من 75 إلى 85 بالمئة من احتياجاتها".
وختم
بالقول: "وبهذا نكون قد وصلنا إلى حل للموضوع، وفي هذا التوقيت يمكن المقارنة
بين الاعتمادات المستندية وسندات التحصيل أيهما أجدى وأولى لصالح الاقتصاد القومي؛
ولكن أن نفكر في الخيار بينهما ونحن نعاني من مرض عضال فهذه طريقة خاطئة لتناول الموضوع".
"انفراجة
مؤكدة"
ومن
جانبه، أشاد المدير بشركة (صافولا)، إبراهيم علي، بقرار العمل بمستندات التحصيل ووقف
نظام الاعتمادات المستندية، مؤكدا أن "حجم الأعمال تقلص إلى حد كبير مع ذلك النظام،
وأنه يأمل في تجاوز أزمة طالت وأثرت على كل القطاعات".
وأضاف
لـ"عربي21": "تبقى نقطة هامة، وهي أن يكمل البنك المركزي قراراته بتوفير
الدولار للمستوردين، وضبط سوق العملة حتى لا تضطر الشركات للجوء إلى الطرق غير الشرعية
والمكلفة بالحصول على العملات الصعبة من السوق السوداء".
وقال
إن "دورة مستندات التحصيل تستغرق نحو أسبوعين، بعدها سوف يجري حل بعض أزمات السوق
المصرية، وتوفير بعض السلع"، لافتا إلى أن "الحكومة أعلنت في هذا الإطار
عن إجراءات جديدة جيدة".
وألمح
إلى قرار الحكومة بفتح معارض "أهلا رمضان" قبل الشهر الكريم بنحو 3 أشهر،
موضحا أنه "سيجبر التجار على بيع بضائعهم بأسعار مماثلة لتلك المعارض"، مشيرا
إلى أنه "بعد عدة شهور سوف يتراجع التضخم إلى حد ما".
وحول
دور العمل بمستندات التحصيل في عودة السوق لما قبل انفجار أسعاره في شباط/ فبراير الماضي،
توقع "نجاح القرار في الإفراج عن جميع السلع من الموانئ، واستيراد الجديد من السلع"،
مستبعدا عودة الأسعار لمعدلات بداية العام
الماضي، لكنه أكد على تراجعها بلاشك.
وبشأن
توفير الدولار للمستوردين، قال إن "البنك المركزي قلل من خروج الدولار خلال الفترة
الماضية، وبجانب ما لديه من عملة صعبة مع حصوله على الشريحة الأولى من قرض صندوق النقد
الدولي، أصبح لديه ما يمكن إمداد المستوردين به".
وختم
بالقول: "نحن في طريق حل جزء هام من الأزمة، بتخفيف أعباء الاستيراد، وتوفير الدولار
للمستوردين، والإفراج عن الخامات من الموانئ، والعودة للإنتاج ثم التصدير الذي سيجلب
العملة الصعبة، وتكتمل الدورة ثانية،
وتتلاشى الأزمة".
"دوران
العجلة"
وعبر
صفحته بـ"فيسبوك"، قال عضو مجلس إدارة اتحاد الصناعات المصرية رجل الأعمال
أسامة الشاهد، إن "إلغاء العمل بنظام الاعتمادات المستندية والعودة لمستندات التحصيل
قرار هام".
وأضاف:
"ستعود عجلة الإنتاج للدوران مرة أخرى، ولكن الأهم توفير الدولار اللازم للاستيراد
حتى يتمكن قطاع الصناعة من استيراد مستلزماته وزيادة المعروض من السلع للسوق المحلية أو التصدير، وهو ما سينعكس على عودة استقرار
الأسعار".