المعجزة بين الأسطورة والواقع في التفسير القرآني (2من2)

يحدد الإنسان المؤمن العاقل ما يدور في عقله ما إذا كان الأمر يدخل ضمن الحقيقة الواقعية أم الخرافية، عبر مجموعة من القوانين التي تحكم الطبيعة والكون، ففي حال اتفق الأمر مع سنن الكون فهو حقيقي وواقعي بعيد عن أي خرافة، وفي حال خالف ذلك فهو خرافة، وهذا ما أكد عليه الكاتب خلف حينما تناول ماهية المعجزة في الإنسان ولوازمه، وطرح فيه، العديد من الأحداث التي نقرأها في كتاب الله العظيم، من رفع عيسى إلى السماء، وإحياء الموتى، ونوم أصحاب الكهف، وموت سليمان، يد موسى، رزق مريم، وعمر نوح.

فرفع عيسى إلى السماء بحسب فخر الرازي في كتابه "التفسير الكبير ومفاتيح الغيب" رُفع حيا بجسده إلى السماء، كما رفع إدريس وإلياس، وبهذا الرفع لم يُّمكن الله أعداؤه، من إيصال الشر إليه، ووصفه بأنه أصبح في صفوة الملائكة، والله سبحانه وتعالى يقول: "إِذْ قَالَ ٱللَّهُ يَٰعِيسَىٰٓ إِنِّى مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَىَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَجَاعِلُ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوكَ فَوْقَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَٰمَةِ"، بمعنى إخراج عيسى من الأرض، ورفعه إلى السماء وافيا، بتمام روحه وجسده، ويقول الكاتب ختم الرازي تفسيره بقول مناقض تماما، لمعنى الواقع على الحقيقة الجسدية، مما يعني عدم الرفع إلى السماء" وأعلم أن هذه الآية تدل على أن رفعه في قوله " وَرَافِعُكَ إِلَىَّ"، هو الرفع بالدرجة والمنقبة، لا بالمكان والجهة، كما أن الفوقية ليست بالمكان بل الدرجة والرفعة"، وفي هذا المعنى أورد رفع إدريس عليه السلام "وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً".

يضيف الكاتب: فكرة صعود البشر إلى السماء فكرة قديمة راودت البشر، ووردت في أساطير الكثير من الشعوب للبشر والآلهة فهو من المعتقدات الراسخة والرسمية في بابل، وتسللت فكرة صعود البشر للسماء إلى الموروث الديني (ص114)، ففي التوراة ما بين العهدين نجد باروخ يأتيه ملاك القوة ليدعوه للصعود إلى السموات العلى، ويكشف له أسرار الله، وليس الكتاب المقدس ببعيد عن فكرة الصعود إلى السماء، فهو يسجل صعود إيلياء إلى السماء أمام اليشع (ص117)، وينبه الكاتب إنه ليس في القرآن الكريم، ولا في السنة المطهرة، مستند يصلح لتكوين عقيدة يطمئن بها القلب؛ بأن عيسى رفعه بجسمه إلى السماء" نقلاً عن الإمام الأكبر شلتوت، حيث أكد أن مسألة رفع عيسى إلى السماء يصرف البعد الأسطوري عن هذا الأمر، وختم الكاتب هذه القضية ببيان أن الرفع للروح بعد الموت تعظيماً وتكريماً، لا رفع الجسد (ص119).

نوم أصحاب الكهف

وهم مجموعة من الشبان آمنوا بالله، وقاموا بين يدي ملكهم دقيانوس الجبار، وجعلوا الكهف مأوى لهم، وقالوا ربنا رب السموات والأرض، فكان الغار حفظا لهم من العفونة والفساد مدة ثلاثمائة سنة وأكثر، وهذا من آيات الله الدالة على عجائب قدرته وبدائع حكمته، وكشف أمرهم عندما ذهب أحدهم ليشتري الطعام، وأخرج الدراهم، التي كانت موجودة في عصور سابقة قبل عصرهم هذا، واعتبر الكاتب أن مصدر هذا التصور الحرفي لدى المفسرين حول أصحاب الكهف، ما اشتهر قبل الإسلام عن السريان واللاتين، بما عرف بقصة النيام السبعة في أفسس، في زمن الاضطهاد الديني للامبراطور ديسيوس عام 250م، حيث لجأ سبعة شبان مسيحيين إلى الكهف، من أجل تجنب التضحية للآلهة الوثنية، فاحتجزوا هناك وناموا في الكهف، ويجمل الكاتب أنه من خلال ما توفر من تراث هذه القصة يتبين؛

1 ـ أن النبي الكريم سُئل عن أصحاب الكهف، وانتظر الوحي يخبره عنها، والسائلون يعلمون عن هذه القصة، ويطلبون المزيد.

2 ـ  القرآن الكريم لم يحدد عددهم، وذكر أنهم يقولون ثلاثة! وخمسة! وسبعة!، ونهى النبي أن يستفتي أحداً عن قضية جزئية في القصة، وهي عددهم يقول الله سبحانه وتعالى: "سَيَقُولُونَ ثَلَٰثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًۢا بِٱلْغَيْبِ ۖ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ ۚ قُل رَّبِّىٓ أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ ۗ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَآءً ظَٰهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِم مِّنْهُمْ أَحَدًا".

3 ـ  يؤكد الكاتب الكنيسة تعلم أن أنها نسجت هذه القصة بغرض الوعظ، والتبشير، والتعليم، ولتعبر عن أن الله ينصر القلة المؤمنة من الاضطهاد. (ص130 ـ 132)، ومن ثم جاء المفسرون، وقدموا التفسير على أنها قصة حقيقية، لا أنها تمثيل ومحاكاة لزمن اضطهاد المسحيين الأوائل، الذين كانوا يشكلون قلة قليلة في أماكن تواجدهم.

4 ـ دلالة الكلب في القصة على الرغم من أنه في الثقافة الإسلامية ارتبط بالنجاسة والشيطان، من أن البيت الذي يدخله لا تدخله الملائكة، أنه حاز مكانة مرموقة في القصة، حتى بات شخصية محورية، وكأنه واحد منهم .

يجيب الكاتب عن كل ذلك بالتساؤل ما المقصود بقصة أصحاب الكهف؟ وما علاقاتها بأسطورة النيام السبعة؟ وما دلاتها الواقعية؟ أليس من العبث بمدارك العقول أن يفسر كلام الله في أصحاب الكهف بأنهم ظلوا في نوم معهود مدة 309 سنوات دون طعام أو شراب؟.

فكرة صعود البشر إلى السماء فكرة قديمة راودت البشر، ووردت في أساطير الكثير من الشعوب للبشر والآلهة فهو من المعتقدات الراسخة والرسمية في بابل، وتسللت فكرة صعود البشر للسماء إلى الموروث الديني

إن الله سبحانه لا يعبث بعقول المؤمنين، وهو القائل: "فَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا" فخلق الله لا يتبدل في هذه النشأة، وذلك دين الحق ودين الفطرة، فحين اضطهد أتباع المسيح عليه السلام أشد الاضطهاد من الوثنين، فكانوا يلجؤون إلى الاختباء في شغاف الجبال، وفي المغاور هربا بدينهم، يفرون بدينهم رغبة في رضاء الله، وحين أعلنت الإمبراطورية الرومانية المسيحية دينا رسميا من الأديان، وبعد سنيين اعتبر الدين المسيحي هو الدين الرسمي للإمبراطورية، فإن ثلاثمئة وتسع سنين هي مرحلة الاضطهاد لأتباع المسيح، المرحلة التي تكفل الله فيها بالعناية للأقلية المضطهدة من بني الإنسان، التي فرت بدينها من التنكيل الشرس، لا لشيء إلا لأنها قالت ربي الله. (ص134)

يبحر الكاتب في تفصيل وتحليل ومعالجة الطرح القرآني للمعجزات، ففي الفصل الرابع جاء على المعجزة في الحيوان، من خلال العلاقة الوجودية بين الإنسان والحيوان، حيث ارتبطت لدى تفسير الرازي بمعجزات تجلت بها خوارق الطبيعة، وانتباها الأسطورة، سواء من تأويل إحياء طيور إبراهيم، ودلالة حوت يونس، وكذلك المقصود من تكليم هدهد سليمان بالحكمة والدين، التي ناقشها خلف بعيداَ عن الموروث الأسطوري، ففي حديثه عن طيور إبراهيم وقوله تعالي: "إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ"، وفي معرض تساؤله كيف فسر الرازي هذه الآية، فقد رأى الرازي جهل من زعم أن إبراهيم كان شاكاً في المعاد وإحياء الموتى، ومن يشك في قدرة الله  كيف يعرف نبوة نفسه؟ ولكن ليطمئن قلبي هو كلام عارف طالب لمزيد اليقين، وأما الاستفهام في أولم تؤمن؟ فهو استفهام تقرير.

نقل الرازي عن المفسرين قول ابن عباس: أنه أخذ طاوساً ونسرا وغراباً وديكا وجعلها قطعاً، ووضع على كل رأس جبل قطعاً مختلطة، ثم دعاها، وما حدث معها سيحدث مع الأبدان يوم القيامة، مع أن أمر الذبح والتقطيع لم يرد في الآية الكريمة أصلاً، ولكنه كانت زائدة من المفسرين، وتغيير في دلالة اللفظ، فكلمة صرهن تعني الإمالة ومنها أخذ أمر الذبح (ص152 ـ 154)، ويتساءل الكاتب ما المقصود بتحصيل الاطمئنان الذي ينشده ابراهيم؟ ولماذا العدد أربعة لا سواه؟ وهل تحققت رؤية إبراهيم لكيفية إحياء الموتى؟ وهو شأن كل داع ورسول، هو سؤال عن كيفية هداية الضالين، وليس عن حياة الأجساد، ولكن إبراهيم الذي بحث عن الهداية، فوصل إليها، بعد جهد كبير، طمح في معرفة طريق الفلاح لقومه، وإن إحياء الموتى أي هداية الضالين مستعملة في القرآن الكريم بوضوح، فالمراد بالموتى، أصحاب القلوب المحجوبة عن أنوار المكاشفات والتجلي، والإحياء عبارة عن حصول ذلك التجلي والأنوار الإلهية، فلشدة عنادهم وصدهم، أراد إبراهيم أن يطمئن قلبه، ولكن ما دلالة الطير؟ ولماذا أربعة بالذات؟.

"إن الطير في القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف ولدى العرب، له دلالة على السمو والارتفاع إلى السماء التي هي مكان الطهر والآلهة، ولذلك وجدنا إبراهيم نفسه تحققت له الهداية بالنظر في ملكوت السماوات، ولما مثل الله للهداية، جعلها بالارتفاع، وجعل الضلالة بالنزول إلى الأرض "وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ ۖ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا"، ووصف الحديث النبوي المتوكلين كالطير"، أما العدد أربعة فمرتبط بأن الغاوية من الشيطان بطرقه الأربعة، ولكن مازال هناك قابلية للاتعاظ والاستجابة، فقال تعالى عن إغواء الشيطان "ثُمَّ لَآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ ۖ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ "، فمن بين أيديهم أي الدنيا أو الشهوة، خلفهم الغفلة أو الغرور، وعن أيمانهم القوة أو من امتلاك الهداية، أما شمائلهم فهي الضعف أو اعتقادات الزيغ وأعمال الشر(ص155).

إن جعل الطيور الأربعة على الجبال لم يأت في سياق فوضوي، يوحي بقدسية الجبال، وربط الكاتب أنواع الطيور، بأن الطاووس إشارة إلى ما في الانسان من حب الزينة والجاه والترفع.. والنسر إشارة شدة الشغف بالأكل، والديك اشارة إلى شدة الشغف بقضاء الشهوة من الفرج، والغرب إشارة إلى شدة الحرص على الجمع والطلب، وفيها جميعا إشارة إلى الإنسان ما لم يسع في قتل شهوة النفس والفرج، وفي إبطال الحرص، وإبطال التزين للخلق، لم يجد في قلبه روحا وراحة من نور الله سبحانه وتعالى (ص159).

إن الطير في القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف ولدى العرب، له دلالة على السمو والارتفاع إلى السماء التي هي مكان الطهر والآلهة، ولذلك وجدنا إبراهيم نفسه تحققت له الهداية بالنظر في ملكوت السماوات، ولما مثل الله للهداية، جعلها بالارتفاع، وجعل الضلالة بالنزول إلى الأرض

هناك معجزات أخرى عالجها الكاتب في الفصل الخامس، تتعلق بالمعجزة  في النبات والجماد، فالمرويات التراثية المنسوبة للنبي الكريم حول ذلك عديدة، وتفسر على أنها ألفاظ حقيقية من أن النبات والجماد يتكلم ويمشي، ويحمل عواطف الإنسان، ويحصل من هذه الأشياء النباتية والجمادية أمور غير المعتاد الواقعي من خصائصها المتواترة للعيان والعلم، ويضيف "عندما نقف على مرويات المعاجز والكرامات التي تخرق قوانين الطبيعة، نجدها قد عبثت بالعقل البشري من داخله وفي مخياله، وحينما يسوقون لنا أمثلة عن الخوارق في تكلم الشجر ومشيه.. إنما يعبثون بالعقل، ويخرجونه عن تناغمه مع آيات الله الكونية لصالح أوهام الفكر والمخيال"، ولذلك تناول الكاتب خوراق النبات والجماد، التي جرت على يد نبي أو صحابي مما ورد في تفسير الفخر الرازي، ومنها تكلم الشجر ومشيه، وحنين الجزع، ونخلة مريم التي كانت جزعاً يابساً، فتحول الجذع شجرة أثمرت رطباً في الحال، وحجر موسى المحمول الذي ينفجر بعيون الماء كلما ضربه موسى بعصاه، والحجر الذي أمسك بثوب موسى بعدما خلعه ليغتسل، فهرب به، وقد ضربه موسى بالعصا على فعلته، والحجارة التي كانت تتكلم مع النبي صل الله وعليه وسلم. (ص189)

أشار الرازي حول حنين الجزع إلى ما ورد في الصحاح، وهي رواية ذكرها البخاري بثلاثة حالات ما بين الحنين وصياح الصبي، إلى صوت العشار، ومنها: عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "كان النبي يخطب إلى جذع، فلما اتخذ المنبر تحول إليه، فحن الجذع، فأتاه فمسح يده عليه"، وفي رواية بإسناد صحيح على شرط مسلم، ينبعث الصوت من الجذع كخوار يرتج له المسجد (ص191)، ومما أورده ابن حجر العسقلاني، في شرح صحيح البخاري قال: إن ذلك دلالة على أن الجمادات قد يخلق الله لها إدراكا، وفيه تأييد لقوله تعالى: "وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ" إن الاعتقاد بكلام الشجر، وإدراكه، ومشيه ليس بغريب عن معتقدات البشر ما قبل الأديان، وما تسلل منها إلى الموروثات الدينية، فالأساطير سجلت الكثير من مثل تلك العجائب والخرافات عن الأشجار، بل وتأليه الأشجار، وتقديسها وعبادتها، وبالتالي حصول الخوارق منها، ولم يكن عرب الجاهلية بمنأى عن تلك المعتقدات، من تقديس الشجر، واعتقاد خصائص غير عادية لها، فأهل نجران وهم على دين العرب، كانوا يعبدون نخلة طويلة ولها عيد في كل سنة في مصر وبابل وفينقيا والجزيرة (ص196)، وللنخلة أهمية كبيرة لدى العرب، وعنها قال النبي صلى الله وعليه وسلم أكرموا عماتكم النخل، وإنما سماها عماتنا لأنها خلقت من فضلة طينة آدم عليه الصلاة والسلام، وأنها تشبه الإنسان من حيث استقامة قدها وطولها، وامتياز ذكرها عن أنثاها، واختصاصها باللقاح، وتظهر الاعتقادات الخوارقية في الأشجار عند الصوفية باسم الكرامات من التكلم والمشي، ويزعم البعض أن للنباتات أحاسيس أرق من أحاسيس البشر، وعواطف الإنسان سيد المخلوقات، فهي تحزن وتبكي، وتفرح وتكره، وتحب وتستاء، وكأنها جاءت بعقل مدرك كعقول البشر، ولو صح مثل ذلك للنبات من صفات لأمكن تصديق حكاية "الجذع" مع النبي الكريم، رغم أن ذلك لم يثبت حدوثه على الإطلاق، والذين درسوا العلوم الطبيعية لم يجدوا في كتبهم وجودا عصبيا للنبات، أو أنه يختزن الذكريات، أو أنه يعي عالمه بدرجة أكفأ من الإنسان سيد المخلوقات (ص200)

أما عن تكلم الحجر، والحجارة من الجمادات، التي من صفاتها انتفاء الحس والحركة على شاكلة الحيوانات، إلا أن الرازي أورد لها حوادث باسم الخوارق (ص214)، والمعاجز يجعلها تخالف واقعها المعهود، فتمشي وتلين، ورفع قدرتها الجمادية الأخص ما يميز الإنسان، وهو النطق مع التمييز، فأشار إلى أن الحجارة سلمت على النبي الكريم، وكانت تقول السلام عليك يا رسول الله، معللا هذا الخرق المستغرب بقوله: "غير ممتنع أن يخلق في بعض الحجارة عقل وفهم، حتى تحصل الخشية فيه"، وما روي عن أبي ذر في تسبيح الحجارة الصغيرة، قال: "إني لشاهد عند النبي صل الله وعليه وسلم في حلقة، وفي يده حصى فسبحن في يده" (ص215)، وعن تلك المرويات التي تقدم الجمادات؛ بحيث تتكلم وتميز، وقد تقبلها العلماء، لا لشيء، سوى أنها أخذت سندا من الرواة للصحابة والنبي الكريم، تتحدى الواقع المشاهد، وتغيب العقل والمنطق، وتخالف سنن الله المعهودة في المخلوقات، كما أنها تخالف منهج القرآن الكريم بشكل واضح، الذي أبطل ما فتن بني إسرائيل من العجل الذهبي، الذي صنعه لهم السامري، فالله سبحانه يقول: "وَٱتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَىٰ مِنۢ بَعْدِهِۦ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَّهُۥ خُوَارٌ ۚ أَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّهُۥ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا ۘ ٱتَّخَذُوهُ وَكَانُواْ ظَٰلِمِينَ "(ص216)

جاءت دراسة خلف في سياق التكامل بين العقل المسلم والعلم الطبيعي؛ لأن العلم الطبيعي هو آيات الله في كونه المنشور، وعلى المسلم أن يذعن لآياته هذه تماماً، كما يذعن لآياته في كتابه المسطور، إذ لا فرق بين الكتاب المتلو والكتاب المنظور، فهذا كلام الله تعالى، وذلك فعل الله سبحانه

ختم الكاتب دراسته في قراءته لتفسير الفخر الرازي، التي كانت قراءة تمحيصيه، مسندة بالاستدلال والمنطق، أوضحت مدى تسلل الأسطورة إلى تفسير الرازي "التفسير الكبير ومفاتيح الغيب" في تصورات المعجزات والكرامات، وخلصت الدراسة إلى مجموعة من النتائج أهم ما جاء فيها:

1 ـ أن المعرفة الدينية المتمثلة بالمعجزات والخوارق، معرفة أسطورية قديمة، تدفقت إلى الموروثات الدينية للأمم بعد رحيل أنبياء الله عليهم السلام.

2 ـ مصطلح المعجزة لم يرد في القرآن الكريم، أو السنة النبوية، ولكنها جاءت في الكتابات الثانوية للعلماء الذين بدأوا يؤطرون المعتقد الإسلامي، بعد الفتوحات الواسعة التي شكلت حراكا فكرياً نشطاً، وسط صراعات ثقافية وتبايناتها الاعتقادية، وفي سياق الدفاع عن صدق نبي المسلمين، وما يبرهن على أنه مبعوث من الله تعالى.

3 ـ القول بالمعجزات معناه دعوة صارخة لإنكار آيات الله الكونية، وجحود مباشر لفعل الله سبحانه، وجهل سننه السائرة التي لا تتبدل في هذه النشأة .

4 ـ القرآن الكريم قدم آيات الرسل السابقين، بلغة بيانية بلاغية، تقترب مع سياقاتها في الكتب المقدسة التي آمن بها الناس حينذاك، مؤكداً أنها آيات بينات، وليست آيات معجزات .

وأخيراً جاءت دراسة خلف في سياق التكامل بين العقل المسلم والعلم الطبيعي؛ لأن العلم الطبيعي هو آيات الله في كونه المنشور، وعلى المسلم أن يذعن لآياته هذه تماماً، كما يذعن لآياته في كتابه المسطور، إذ لا فرق بين الكتاب المتلو والكتاب المنظور، فهذا  كلام الله تعالى، وذلك فعل الله سبحانه، ولا يتكلم الله في كتابه المسطور بما يخالف آياته في كتابه المنشور.(ص218)

تتجلى أهمية هذا الكتاب في تفتيت الأساطير والخوارق التي ظلت لسنوات تطغى على كتب التفسير؛ ولذلك أنصح الخطباء والمفسرين، والمعلمين، وكل غيور على الدين الإسلامي الحنيف والقرآن الكريم؛ بضرورة الاطلاع على هذا الكتاب لما يتضمن من تحليل وتفسير لوقائع شابها الكثير من المغالطات والتشويه.

إقرأ أيضا: المعجزة بين الأسطورة والواقع في التفسير القرآني (1من2)