لم يبق لموعد إجراء
الانتخابات الرئاسية
والبرلمانية سوى أربعة أو خمسة أشهر، وسط ترقب تقديمه من يونيو/ حزيران إلى مايو/ أيار أو أبريل/ نيسان، بسبب موسم الحج والاختبارات، إلا أن تحالف الطاولة
السداسية المعارض لم ينجح حتى الآن في تحديد مرشحه، كما أن تصريحات رؤساء الأحزاب
الستة تشير إلى وجود خلافات عميقة قد تؤدي إلى تفكك التحالف.
رئيس حزب المستقبل، أحمد داود أوغلو، صرح
قبل أيام في برنامج تلفزيوني، بأن رؤساء الأحزاب الستة سيكونون مثل رئيس الجمهورية
في حال فاز مرشح التحالف، وأن رئيس الجمهورية لن يتخذ أي قرار استراتيجي أو يقوم
بأي تعيين لمنصب هام دون موافقة هؤلاء الرؤساء، مضيفا أن الاتفاقية التي سيوقعها
رؤساء الأحزاب الستة ستوضع أمام رئيس الجمهورية إن حاول أن يتخذ قرارا دون الرجوع
إلى آرائهم.
تصريحات داود أوغلو أثارت ضجة كبيرة في
الساحة السياسية، كما أنها أدَت إلى انزعاج واسع في صفوف مؤيدي حزب الشعب الجمهوري
والحزب الجيد.. لأن النظام الذي يتحدث عنه رئيس حزب المستقبل، يجعل رئيس الجمهورية
المنتخب بأكثر من 50 بالمائة من أصوات الناخبين مجرد "دمية" بأيدي
الرؤساء الستة، كما أنه يساوي بين هؤلاء الرؤساء في استخدام حق الفيتو والمشاركة في
اتخاذ القرار، على الرغم من أن أحدهم تتجاوز شعبية حزبه الـ25 بالمائة فيما لا تبلغ
شعبية حزب الآخر حتى الـ0.5 بالمائة.
لا تخفى على أي عاقل مفاسد هذا النظام الذي
يسعى داود أوغلو إلى ترويجه بدعوى أن حكم البلاد من قبل "عقل مشترك"
أفضل وأكثر ديمقراطية من حكم الفرد الواحد.. لأنه يكاد يستحيل إجماع الرؤساء الستة
على قرار، وهم ينتمون إلى تيارات مختلفة ولا يجمعهم غير هدف إسقاط رئيس الجمهورية
رجب طيب أردوغان، في الوقت الذي تفرض فيه الظروف الدولية والإقليمية على من يحكم
البلاد سرعة اتخاذ القرار في كثير من الأحيان.
لنظام الذي يتحدث عنه رئيس حزب المستقبل، يجعل رئيس الجمهورية المنتخب بأكثر من 50 بالمائة من أصوات الناخبين مجرد "دمية" بيدي الرؤساء الستة، كما يساوي بين هؤلاء الرؤساء في استخدام حق الفيتو والمشاركة في اتخاذ القرار، على الرغم من أن أحدهم تتجاوز شعبية حزبه 25 بالمائة فيما لا تبلغ شعبية حزب الآخر حتى 0.5 بالمائة.
رئيس حزب الشعب الجمهوري، كمال كيليتشدار
أوغلو، انتقد فرض ضرائب ثقيلة على المشروبات الكحولية، واعتبره تدخلا في أسلوب حياة
المواطنين الشاربين لها، كما أنه وعد بتخفيفها كي تباع بأسعار رخيصة ويسهل شراؤها،
فيما قالت رئيسة حزب الجيد، مرال آكشنير، إنهم سيعيدون تطبيق اتفاقية إسطنبول
المثيرة للجدل. وإن لم يوافق رئيس حزب السعادة، تمل كاراموللا أغلو، على مثل هذه
القرارات، فهل سيمتنع رئيس الجمهورية المنتخب بدعم التحالف عن اتخاذها وتطبيقها؟
وهل سيقبل أنصار الأحزاب المؤيدة لتلك القرارات ذاك الفيتو؟
لا أحد في حزب الشعب الجمهوري أو الحزب
الجيد يقبل أن يكون قرار حزبه رهينة بيد رئيس حزب صغير للغاية. ولكنهم يسكتون على
مثل هذه التصريحات كيلا يتفكك تحالف الطاولة السداسية، ويقولون إن رئيس حزب
المستقبل يمكن أن يحلم بما يشاء حتى تجرى الانتخابات وإن رئيس الجمهورية لن يكون
بعد الانتخابات مضطرا للالتزام بأي اتفاقية يوقعها الآن رؤساء الأحزاب الستة.
صلاحيات رئيس الجمهورية ينص عليها الدستور
والقوانين. وما يتحدث عنه داود أوغلو ليس دستوريا ولا قانونيا. وبالتالي، فإنه لا يمكن
تطبيقه عمليا. كما أن الاتفاقية التي يشير إليها رئيس حزب المستقبل تبقى مجرد حبر
على ورق إن لم يلتزم بها رئيس الجمهورية في النظام الرئاسي المعمول به حاليا في
البلاد. وقال داود أوغلو إنهم سيذكِّرون رئيس الجمهورية بالاتفاقية الموقعة من قبل
الرؤساء الستة قبل الانتخابات، إلا أنه لم يصرح ماذا سيفعلون إن أصر رئيس الجمهورية
على تجاهلها.. فهل سيلجأون إلى المحكمة الدستورية أو المحكمة الأوروبية لحقوق
الإنسان أو غيرهما، علما بأنه ليست هناك جهة في
تركيا والعالم يمكن أن تجبر رئيس
الجمهورية على الالتزام بتلك الاتفاقية المخالفة للدستور والقوانين؟
السؤال الذي يطرح نفسه هو: "لماذا أطلق
داود أوغلو تلك التصريحات؟".
هناك تفسيران: يقول الأول، إن رئيس حزب المستقبل
يعتقد بأن رئيس الجمهورية سيلتزم باتفاقية الرؤساء الستة، وبالتالي، فإنه يمكن أن يفرض
قراراته ومواقفه على رئيس الجمهورية. وأما الثاني، فيذهب إلى أن داود أوغلو يعلم
جيدا أن الاتفاقية التي يشير إليها ليست ملزمة، وأنه لا يملك أي ورقة يمكن أن
يستخدمها ضد رئيس الجمهورية إن تجاهل الاتفاقية، ولكنه مضطر لإطلاق مثل هذه
التصريحات حتى يظن مؤيدوه أن حزب المستقبل سيكون شريكا في صنع القرار، وأن بإمكانهم
أن يمنعوا رئيس الجمهورية الذي سيسهمون بأصواتهم في انتخابه من أن يتخذ قرارات تتعارض
مع
مواقف حزبهم وتوجهاته.
*كاتب تركي