شهدت مدينة تل أبيب، ومدن
فلسطينية محتلة خلال الأيام الماضية، احتجاجات ومظاهرات واسعة ضد حكومة اليمين المتطرف الجديدة، التي يقودها رئيس الوزراء بنيامين
نتنياهو.
المظاهرات التي اتسعت رقعتها وسط رفض واسع لحكومة نتنياهو التي صدرت كبار المتطرفين، على غرار إيتمار
بن غفير، وبتسلإيل سموتريش في مناصب وزارية، شهدت عزوفا من قبل فلسطينيي الداخل المحتل.
وبرغم دعوة زعيم القائمة العربية الموحدة، عضو الكنيست منصور عباس، "
عرب 48" إلى المشاركة في الاحتجاجات، إلا أن حجم المشاركة من الفلسطينيين كانت شبه معدومة.
وعبّر عباس عن قبوله رفض قادة الاحتجاجات رفع
العلم الفلسطيني، بحجة الرغبة "في أن نكون شركاء في الاحتجاج بالوسائل الديمقراطية، وبما يتوافق مع القانون، وألا نحدث أي مواجهة مباشرة”.
ونقلت صحيفة "
هآرتس" عن عباس، قوله في تصريحات عبر إذاعة محلية، قوله باللهجة العامية "فش داعي نرفع علم فلسطين"، مضيفا أنه لا ينبغي تحويل قضية العلم إلى قضية مركزية.
وبرغم ذلك، أقر عباس بأن أنصاره يؤيدون الاحتجاجات لكنهم لم يشاركوا بها.
ويشكل الفلسطينيون داخل المناطق المحتلة عام 1948 نحو 20 بالمئة من سكان "
إسرائيل"، ويبلغ تعدادهم أكثر من مليون ونصف مليون نسمة.
تهميش متعمد
أرجع خبراء فلسطينيون، سبب العزوف من قبل "عرب 48" عن المشاركة في المظاهرات الإسرائيلية، إلى سياسة التهميش المتعمد من قبل حكومات الاحتلال المتعاقبة لقضايا الفلسطينيين.
وقال الخبير في الشؤون الإسرائيلية، والأسير المحرر سعيد بشارات، إن مشاركة الفلسطينيين في المظاهرات شحيحة، وشبه معدومة بسبب سياسات الحكومات الإسرائيلية التي لم تكن منصفة معهم.
وأضاف لـ"عربي21"، أن عدم الإنصاف الإسرائيلي شمل حتى الأحزاب العربية التي كانت جزءا من الحكومة السابقة، واصطفت اليوم في معسكر المعارضة، في إشارة إلى القائمة الموحدة، وغيرها.
اظهار أخبار متعلقة
ولفت بشارات إلى أن منع رفع علم فلسطين بدد أي احتمالية للمشاركة الفلسطينية في المظاهرات التي تشهدها تل أبيب، والقدس المحتلة.
ونوه بشارات إلى أن "رفع علم فلسطين في إسرائيل غير ممنوع، ولا يحق لبن غفير الطلب من الفلسطينيين عدم رفع العلم".
وأوضح أن "رفع العلم تم منعه في داخل المؤسسات الرسمية مثل الجامعات، لكن خارجها يسمح برفعه، ولا توجد سلطة قانونية تمنع رفع العلم".
ولفت سعيد بشارات إلى أن شرطة الاحتلال ستبقى تواجه مشكلة في مساعيها لرفع العلم الفلسطيني، طالما لا يوجد هناك قانون يحظر رفع العلم، الذي يزعم بن غفير وغيره أنه علم يتبع لجهة معادية.
"ليست معركتنا"
المحلل السياسي المختص في الشؤون الإسرائيلية، عماد أبو عواد، قال إن هناك شعورا بالنسبة لفلسطينيي الداخل، بأن الصراع بين حكومة نتنياهو، والمعارضة، هي معركة لا تعنيهم.
وأضاف أن "الخلاف بين الوسط، واليمين المتطرف في إسرائيل، يكمن حول قضايا مثل شكل الدولة، والديموقراطية، والشكل المرغوب لقوة الحكومة الإسرائيلية، والشعور بأن نتنياهو يريد أن يتملص من المحاكمات من خلال المساس بالقضاء".
وتابع أبو عواد في حديث لـ"عربي21"، بأن "الفلسطينيين في الداخل همومهم مختلفة، ومشاكلهم بعيدة عن هذه الصراعات".
ولفت إلى أن الفلسطينيين في الداخل المحتل، لديهم مشاكل أساسية مثل انتشار جرائم القتل، والعنصرية التي يواجهونها من قبل الإسرائيليين، ومشاكل تراخيص البناء، ومصادرة الأراضي، مضيفا: "هذه كلها ليست على أجندة أي حكومة إسرائيلية".
وأضاف أبو عواد: "نحن نتحدث عن سيء وأقل سوءا في التعاطي مع الفلسطينيين في الداخل، وليس عن سيء ومرغوب به أو جيد لنتحدث عن مشاركات الفلسطينيين في هذه المظاهرات، وهذا هو سبب عزوفهم وإيمانهم بأن ما يجري من احتجاجات لا يعنيهم من قريب ولا من بعيد".
"المقاطعة غير مجدية"
النائب في الكنيست عن الجبهة العربية للتغيير، عايدة توما سليمان، حملت رأيا مغايرا، وقالت إن المشاركة في الاحتجاجات قد تؤتي ثمارا أكبر من المقاطعة.
وأوضحت سليمان أن نظرية "مشاهدة الإسرائيليين وهم يخوضون النزاعات والمعارك فيما بينهم، وانتظار النتائج النهائية"، أمر غير مفيد بالنسبة للفلسطينيين في المناطق المحتلة عام 1948.
وأضافت في لقاء تلفزيوني عبر محطة "
مساواة" العربية المحلية، "اعتدنا دائما أن نكون نحن الذين تراق دماؤنا في حل مشاكل المجتمع الإسرائيلي، وبالتالي لا نريد الوصول لهذه النقطة".
اظهار أخبار متعلقة
وتابعت أنه "لا يجب أن ننتظر أحدا لدعوتنا إلى النزول، نحن نناضل على وجودنا، ومستقبل أبنائنا، لا يهمني ماذا يفكر الشريك في المظاهرة بجانبي، يهمني ماذا سأرفع، وأي شعار سأرفع داخل المظاهرة، طبعا بحذر، ومن خلال وعي، كي لا تتفجر الأمور".
وقالت سليمان إن التعامل بـ"ذكاء" مع سلطات الاحتلال، يكمن في المشاركة رفقة اليهود الذين يصنفون أنفسهم بأنهم ديقراطيون، وهو ما يعني أن شرطة الاحتلال ستتردد في قمعهم كون المشاركين بعضهم يهود وليسوا جميعا فلسطينيين.
"مقارنة غير منطقية"
الكاتب الفلسطيني سهيل كيوان، اعتبر أن المقارنة بين الفلسطينيين داخل المناطق المحتلة عام 1948، وبين بقية الإسرائيليين، غير منطقية.
وذكر في مقال بموقع "
عرب48"، أنه بينما يتظاهر عشرات الآلاف في الشوارع رفضا لحكومة نتنياهو، ويركزون على قضية المحكمة العليا، وكيف أن نتنياهو يريد تحويلها إلى أداة بيده، فإن الفلسطينيين مشكلتهم أعمق من ذلك، وأكبر.
وتابع: "هناك فارق كبير بين أن تكون مشكلتك مع صلاحيات المحكمة العليا فقط، وبين أن تكون مشكلتك مع مجرد وجودك في وطنك واستمرارك في العيش فيه بكرامة واحترام لخصوصيتك وحقوقك القومية والمدنية، وكونك جزءًا من شعب يعاني محنة طويلة، هي أم كل القضايا".
وتحدث كيوان عن قضية العلم، قائلا إن كثيرا من الإسرائيليين لديهم قناعة بأن علم فلسطين هو "علم العدو الذي يجب تغييبه، ومحوه من الوجود، لأن منح شرعية للعلم له إسقاطات وتداعيات، تعني وجود شعب آخر له رموزه وشخصيته القومية وحقوقه".
ولفت إلى أن هذه القناعة "تحاول أجيال من الحكومات الإسرائيلية إلغاءها وتجاهلها".
وقال كيوان إن "المعركة مع الفاشية ما زالت في بدايتها، ويجب على من يريدون التصدي لها بجدّية أن يجدوا المعادلة الصحيحة لتجميع القوى المتصدية لها، وهذا يشمل العرب، ولكنك لا تستطيع تجييش العرب ضد قانون واحد وتتجاهل قضاياهم الجوهرية الأخرى".