تمر جماعة الإخوان المسلمين والتيار الإسلامي بوجه عام بأزمة تتعلق
بمجمل نواحيها، سواء الفكرية، أو السياسية، أو الثقافية أو الاجتماعية، وحتى البنيوية،
وتحتاج الإخوان كي تنهض من كبوتها التي تعيشها منذ فترة ليست بالقصيرة، إلى مشروع
استراتيجي مهم، يمر بها وبقية التيارات الإسلامية من هذه المحنة والأزمة.
ولو كان لي كلمة، أو قرار في جماعة الإخوان المسلمين، لسعيت لوضع
مشروع استراتيجي لا تهتم الجماعة بغيره في هذه المرحلة، وما يليها، والكلام هنا
ليس موجها للإخوان كتنظيم فقط، بل لدوائرهم الأخرى، ويدخل في هذه الدوائر: التيار الإسلامي بكل فصائله، وبخاصة من يقترب من الإخوان بكل درجات القرب
المتفاوتة.
وأعتقد أن المشروع الاستراتيجي الذي تحتاجه الجماعة والتيار الإسلامي،
هو: الحريات، وإطلاق الحريات بكافة مستوياتها، فإن أزمة الوطن العربي والإسلامي
الذي تعيش فيه الجماعة، هي أزمة الحريات، سواء كانت لها، أو للمجتمع، وهي شريحة
مهمة في قلب نواته، ولو أنها سعت لوضع مشروع تعكف على تنفيذه، ووضع برامجه، لمدة
لا تقل عن عشر سنوات، أو عشرين سنة، لا يهم هنا عدد السنوات، لأنه مشروع كبير
وضخم، ويحتاج إلى صبر وأناة، لكن البدء هو الأهم.
فإن أزمة الدعوات والمجتمعات على مدار السنين، منذ بدء الخليقة، هي
أزمة الحرية، وإطلاق الحريات للناس، بل إن جوهر وحقيقة كل الرسالات السماوية كانت
لهذا الغرض، لكن البوصلة أحيانا تغيب عن التنظيمات الإسلامية في هذه المسألة،
فتتجه بعيدا عن جوهر الدعوة، وجوهر الرسالة الحقيقي، وهو ما يفهمه الطغاة
والمستبدون وأعوانهم، فهم يعلمون جيدا أن أي هامش حرية يناله المجتمع، أو أي رسالة
حق، سرعان ما تنتعش، وتؤتي بعض ثمارها فيه.
أعتقد أن المشروع الاستراتيجي الذي تحتاجه الجماعة والتيار الإسلامي، هو: الحريات، وإطلاق الحريات بكافة مستوياتها، فإن أزمة الوطن العربي والإسلامي الذي تعيش فيه الجماعة، هي أزمة الحريات، سواء كانت لها، أو للمجتمع، وهي شريحة مهمة في قلب نواته، ولو أنها سعت لوضع مشروع تعكف على تنفيذه، ووضع برامجه، لمدة لا تقل عن عشر سنوات، أو عشرين سنة، لا يهم هنا عدد السنوات، لأنه مشروع كبير وضخم، ويحتاج إلى صبر وأناة، لكن البدء هو الأهم.
على الإخوان أن تفكر في ذلك مليا، بأن تتخذ هذا القرار، وأن تسعى لأن
يكون على رأس مناهجها وبرامجها، ليس مجرد تخطيط أو هدف تكتيكي، ينتهي بمجرد أن
تنال مساحة شخصية من الحرية، أو بعض المقاعد هنا أو هناك في البرلمان، لكن عليها
أن تجعله هدفا استراتيجيا، ولن يكون ذلك، حتى يؤمن أفرادها أولا به، يبدأ ذلك من
القيادات الكبرى، والمناهج التي يدرسها الإخوان.
حتى يصبح لا هم ولا شغل لهم إلا ذلك، وذلك بتكوين كوادر حقوقية، في
شتى مجالات الحقوق: الدينية، والثقافية، والسياسية، وغيرها، ومن خلال مؤلفات
وكتابات لمفكري وكتاب الجماعة، وقد أحسنت الجماعة إذ جعلت شعارها تحت المصحف
والسيفين، وكلمة (وأعدوا)، إشارة إلى الآية الكريمة، جعلت تحته هذه المبدأ: صوت
الحق، والقوة، والحرية. فالحرية إذن مكون رئيسي مهم من مكونات الجماعة، ولكن المهم
أن ينال مكانته اللائقة في تكوينها وبرامجها وأهدافها، وهي الآن جديرة بذلك،
وحقيقة به.
أعلم أن بعض النفوس المريضة، والعقول العليلة ستشوش على الفكرة، بأن
تحاول توجيه الكلام توجيها يصرفه عن جديته، وجدارته، فيرد عليك بعضهم بأنك تريد
تحويل دعوة إسلامية عن مسارها، وهو كلام فارغ لا يخرج إلا عن أشخاص إما بهم طيبة
وسذاجة، وإما بهم جهل مركب بالإسلام ورسالته، فرسالة الإسلام والرسالات بوجه عام
على مدار تاريخ الرسالات، كان هدفها الأول: تحرير إرادة الناس.
نعم، كانت الرسالات السماوية في أولى مطالبها: تحرير إرادة الإنسان،
بأن يكون حرا في اختياره، ويتمكن من ممارسة هذه الحرية، فرأينا نبي الله موسى في
حواراته المتكررة مع فرعون، يبين أن هدفه: تحرير بني إسرائيل من ظلم فرعون، فقال
تعالى: (فأتياه فقولا إنا رسولا ربك فأرسل معنا بني إسرائيل ولا تعذبهم) طه: 47.
ويقول الشيخ الغزالي رحمه الله: (في قصة موسى مع فرعون تلمح مطالب هذه
النبي الكريم واضحة، فهو يرجو أولا تحرير المستعبدين من قومه، فهم عباد الله وحده،
وليسوا عبادا لأحد من خلقه، وما يجوز لبشر أن يتعالى في الأرض، ويستذل أهلها هكذا:
(أن أدوا إلي عباد الله إني لكم رسول أمين) الدخان: 18). فكان الهدف الأول من بعثة
نبي الله موسى: أن ينال بنو إسرائيل حريتهم، وأن يكف فرعون عن تعذيبهم، ثم بعد ذلك
يعرض عليهم الإيمان، بحرية تامة، (فمن شاء فليؤمن، ومن شاء فليكفر).
ولذا رأينا المذهب الحنفي يناقش قضية مهمة، وقت أن كان الرق موجودا
في بلاد المسلمين والعالم، لو أن رجلين (مسلم ومسيحي) اختصما في طفل، فقال المسلم:
هو عبدي، وقال المسيحي: هو ابني، حكم الفقهاء هنا بأن يعطى الطفل للمسيحي لا
المسلم، لأن المسلم سيجعله عبدا رقيقا، أما المسيحي فسيجعله ابنا حرًا، والحرية
هنا مقدمة، لأنه يمكنه اكتساب الإسلام بمرور الوقت، ونظره فيه، بينما الحرية طلبها
يستدعي جهدا ومالا قد يصعب عليه، وهذا ما برر به الفقه الحنفي
رأيه في ذلك.
إذا كانت نصوص القرآن الكريم تدعم هذا التوجه، وكذلك السنة النبوية،
وتطبيقات الفقهاء كما رأينا في الفقه الحنفي، وشعار الجماعة، وتاريخها، فلم يبق
إلا أن يتحول ذلك بالفعل لتخطيط استراتيجي داخلها، وتقوم على تنفيذه، على هيئة
برامج ومواقف، لا أن يكون مجرد قرار لدى قيادات منها، أو القسم السياسي لديها، بل
لا بد أن ينزل للجميع، ليكون ثقافة عامة، وهدفا واضح الخطى لدى الجميع، وهو بالفعل
ما تحتاجه الجماعة، ويحتاجه المجتمع، ولو تم ستكون خطوة مهمة في تاريخ الجماعة
الحالي، ومستقبلها القادم.
[email protected]