صفوت الزيات لـ"عربي21": 2023 سيشهد تحولا عسكريا "فارقا" في حرب أوكرانيا

قال الخبير العسكري والاستراتيجي المصري، العميد صفوت الزيات، إن "عام 2023 سيشهد تحولا عسكريا فارقا، لكنه غير حاسم، في الحرب الروسية-الأوكرانية، حيث ستنتقل الحرب من معارك الاستنزاف إلى حرب المناورات الميكانيكية الواسعة في عمق أراضي الخصم".

وأضاف، في تصريحات خاصة لـ"عربي21"، أن "الأشهر المقبلة ستحمل تطورات هامة جدا، خاصة في ظل التطورات الأخيرة التي تشهدها الحرب؛ فقد بدأت مرحلة جديدة للدعم الغربي لأوكرانيا، وهناك ترتيبات روسية هامة في هيكل القيادة على مسرح العمليات، ونتوقع اندلاع مناورات ميكانيكية واسعة قريبا، وهذه الأمور سيكون لها ما بعدها".

وأوضح الزيات أن "الدعم الغربي لأوكرانيا انتقل إلى مرحلة متقدمة في مواجهة الغزو الروسي؛ فبعد أن كان الدعم في بداية الأمر يقتصر على الأسلحة الدفاعية الخفيفة المحمولة فرديا كالصواريخ المضادة للدبابات، والمضادة للطائرات، فإنه تطور إلى مدفعيات دقيقة بعيدة المدى توفر القدرة على استنزاف أنظمة التسليح الروسية في عمق خطوطها الدفاعية".

وقال: "نحن ننتقل الآن إلى مرحلة جديدة، وهي تأمين وتحسين القدرات الأوكرانية في مجال الحرب الميكانيكية التي تتطلب أعمالا واسعة للمناورة، واقتحام خطوط دفاعية عريضة، والوصول إلى عمق دفاعات الخصم، وانتزاع الأراضي، والاستيلاء على مناطق واسعة، وهذا ربما يساهم في تغيير الأوضاع الميدانية للحرب في أوكرانيا".

وأعلن الرئيس الأمريكي، جو بايدن، قبل أيام، رسميا تسليم كييف 31 دبابة "أبرامز إم 1"، مؤكدا أن هذه المساعدات العسكرية ستعزز قدرة القوات الأوكرانية على صد الهجوم الروسي المستمر.

ومؤخرا، وافقت ألمانيا على إرسال 14 دبابة قتالية من طراز "ليوبارد-2" إلى أوكرانيا، واستسلمت أخيرا لشهور من الضغط من الولايات المتحدة وحلفائها في حلف شمال الأطلسي "الناتو".

أعقب ذلك تدفق وعود بإرسال دبابات قتال رئيسية من كندا وبولندا من طراز "ليوبارد-2"، وسبق ذلك إعلان الرئيس ماكرون إرسال الدبابات الخفيفة "AMX-10" ووعوده الأخيرة بإرسال دبابات القتال الرئيسية "لوكليرك".

حرب ميكانيكية

وتابع الزيات: "الدبابات "M1A1 أبرامز" و"ليوبارد 2‏" توفر أحد أنظمة التسليح الخاصة بالحرب الميكانيكية فائقة الفاعلية مقارنة بقرينتها الروسية التي يمثل الجزء الغالب والشائع فيها دبابات "T 72" و"T 64" و"T 80‎" ‏و"T 62".

الدبابات الغربية التي وُعد بها الأوكرانيون، وتتهيأ للدخول إلى مسرح العمليات الأوكرانية، تتوفر لها قوة تدريع فائقة في مواجهة الذخائر والمدفعيات والصواريخ المضادة للدبابات، وميزتها الأهم هي سرعة المناورة التي تتجاوز كثيرا قدرات قريناتها من الدبابات الروسية، كما تتوفر فيها أنظمة قيادة وسيطرة نيرانية متطورة، وذخائر شديدة الاختراق بعضها يحتوي على عنصر اليورانيوم المخصب".

وذكر أن "أعداد الدبابات التي وُعد بها الأوكرانيين قد تُعتبر للوهلة الأولى قليلة، فما سيوفره الأمريكيون حوالي 31 دبابة أي ما يعادل تشكيل كتيبة دبابات، بينما الوعد الألماني هو توفير 14 دبابة ‏والذي يُشكّل سرية دبابات، وإذا أضفنا الوعود الغربية الأخرى بتدفق دبابات "تشالنجر 2" البريطانية بعدد 15 دبابة، والدبابات الفرنسية الخفيفة "AMX-10‎" أو كما تسمى (صائدة الدبابات) ويتراوح عددها من 10 دبابات، وقد يصل بعد أسابيع إلى 30 دبابة".

ولفت الزيات إلى أن "هذا العدد لن يوفر تشكيلات قتالية كبيرة، لكن إذا وضعنا في الاعتبار استخدام هذه الأنظمة في تطعيم الوحدات الميكانيكية الموجودة حاليا لدي الجانب الأوكراني، والتي يغلب على تسليحها أنواعا سوفييتية الصنع، فإننا أمام أكثر من ست مجموعات قتال مدرعة في المرحلة الأولى".

واستطرد الزيات قائلا: "هناك تحديات أخرى متعلقة بالتدريب واللوجستيات، وأعمال الصيانة، ولا أحد ينكر أن الأمر قد يحتاج لبضعة أشهر لمواجهة هذه التحديات، وتأهيل وحدات قتالية ميكانيكية مدرعة متماسكة لدى الجانب الأوكراني".

وأردف: "رغم تلك الأعداد القليلة التي وُعد بها الأوكرانيون، فإن هناك مخزونا كبيرا في ترسانات دول الناتو الأخرى من الدبابات طراز "ليوبارد-2"، والتي تمتلكها دول أخرى بدءا من كندا في أقصى الغرب، ووصولا إلى اليونان في أقصى الشرق، بإجمالي يصل إلى 1200 دبابة من هذا الطراز، وهو ما يعني تدفقا أكبر لهذه الدبابات، وربما سيتمتع الأوكرانيون في قادم الشهور بأعداد كبيرة منها".

تحسين قدرات الأوكرانيين

و نوّه إلى أن "الأمريكيين والألمان قالوا إنهم سيرسلون مركبات قتالية مدرعة من طراز "برادلي" و"سترايكر" إلى أوكرانيا، وهي ذات أهمية تكاد تتوازن مع الدبابات التي تحدثنا عنها آنفا، حيث ستوفر دعما لعناصر المشاة المصاحبة لأرتال الدبابات في عمق أراضي العدو، وبشكل يوفر الحماية لهذه العناصر التي ستتولى تأمين حماية الأجناب ومقدمات هذه الأرتال عندما تتقدم في عمق أراضي الخصم".

وأوضح أن "الأوكرانيين تتوفر لديهم الكوادر الفنية والقتالية عالية المهارة، وأثبتت قدرة كبيرة في سرعة الاستيعاب لأنظمة تسليح معقدة مثل نظام "ناسامز NASAM" الخاص بالدفاع الجوي، ونظام "هايمارس HIMAR" للمدفعية الصاروخية الدقيقة والعديد من الأنظمة الأخرى".

وأشار الخبير العسكري، إلى أن "الغرب بدأ يركز الآن على تحسين قدرات الأوكرانيين في الحرب الميكانيكية التي ربما تشمل أعمال مناورة واسعة لإعادة السيطرة على الأراضي الأوكرانية المحتلة من قِبل الجانب الروسي".

وأضاف: "في المراحل الأولى، وباستخدام هذه الأعداد المحددة من الأنظمة التي قرر الغرب منحها لأوكرانيا، فلن نكون أمام تغير جذري لقواعد اللعبة، ولكن سيعتمد الأمر على مهارة الأوكرانيين في استخدام هذه الأنظمة الحديثة إلى جوار الأنظمة المتقادمة التي أحسنوا استخدامها في عمليات سابقة مثل اقتحام خاركيف، وفي المنطقة الشمالية من مقاطعة خيرسون في الصيف الماضي، وحققوا بها نتائج تسبّبت في انتكاسات كبيرة للجانب الروسي".

وتابع: "نحن أمام تحسن لكن لن يغير كثيرا من قواعد اللعبة، والأمر يعتمد على مهارة الأفراد في الجانب الأوكراني في كيفية استيعاب هذه الأنظمة والاستخدام الانتقائي في اختيار قطاعات من الجبهة تُمكّن من إحداث اختراقات سريعة لخطوط دفاعية، والوصول لعمق دفاعات الخصم، واستعادة السيطرة على مناطق وأراض ستُشكّل مؤشرا على مدى صلابة، وقدرة الجانب الأوكراني على‏ استمرار هذه الحرب كثيفة الحدة".

تغير الأوضاع الميدانية

وأكد الزيات أن "الأوضاع على الأرض ستتغير بالفعل خلال الفترة المقبلة؛ فالروس يجرون ترتيبات مؤثرة سواء في هيكل القيادة الذي استعادت به القوات النظامية الهيمنة على مسرح العمليات، وتهميش العناصر شبه العسكرية أو ما يعرف بالشركات العسكرية الخاصة، وأبرزها "فاغنر" ومجموعات الوكلاء من قوات مقاطعتي دونيسك ولوهانسك، بالإضافة إلى القوات الشيشانية التي تعمل بشكل غير نظامي على مسرح العمليات".

وقال: "تعيين الجنرال فاليري غيراسيموف رئيس الأركان الروسي قائدا عاما للعمليات في أوكرانيا، وتصاعد حشد القوات التقليدية خاصة على خط جبهة لوهانسك يؤشر إلى أنه ربما لدى الروس النية لشن هجمات حاسمة لاستعادة الحدود الإدارية لمقاطعة لوهانسك، ومحاولة السيطرة على أراضِ هامة في شمال دونيتسك، وربما معاودة اختراق مقاطعة خاركيف ومحاولات ترميم ما تعرضت له السمعة العسكرية الروسية في الصيف الماضي".

أما على الجانب الأوكراني، فيشير الزيات إلى أنه يكثر الحديث عن "استعدادات القوات الأوكرانية للتقدم نحو الضفة الشرقية لنهر دنيبرو، وربما اجتياح الجزء الفاصل بين هذا النهر ومشارف خط التماس الذي توقفت عنده القوات الروسية عندما استولت على شبه جزيرة القرم في 2014" .

عمليات واسعة

كذلك أوضح أن "هناك احتمالا قائما بأننا سنكون أمام عمليات واسعة في مقاطعة زاباريجيا، وتحديدا الوصول إلى مناطق مدينة ميليتوبول وهي مركز رئيسي لوجيستي وعسكري ونقطة تقاطع لخطوط مواصلات رئيسية للجانب الروسي، وربما سيكون الهدف والغاية الأبرز من التقدم هو محاولة قطع خط الإمداد البري الرئيسي القادم من الأراضي الروسية في روستوف، ووصولا إلى شبه جزيرة القرم، خاصة مع المعاناة التي تتعرض لها أعمال إعادة الإمداد الروسية بعد الإصابات التي حدثت في جسر كيرتش".

وبالتالي نحن أمام عمليات واسعة غير معتادة، وكلا الجانبين سيركز بشكل أو بآخر على اقتطاع مساحات واسعة من أراضي الخصم، وربما التركيز على قطع خطوط المواصلات، طبقا لما أورده الزيات.

وحول احتمالية تغير تكتيكات القتال في ظل تلك التطورات، قال الزيات: "في الشهور الماضية، وعلى مدار ما يقرب من عام، كنّا نشهد عمليات اختراق محدودة بوحدات وتشكيلات محدودة الحجم من قِبل الطرفين، وكانت تهدف لإعادة السيطرة على مدن وبلدات ذات أهمية استراتيجية، ولم نكن نشاهد مناورات ميكانيكية واسعة لإعادة الاستيلاء على مساحات واسعة من الأرض".

وأضاف: "كانت العمليات تبدو في الغالب كحرب استنزاف، وكان نجمها الأول هو أنظمة المدفعية التي استخدمت لقصف مناطق احتشاد قوات ومعدات الخصم عبر خطوط التماس، وكان هناك دور بارز لأنظمة المدفعية الغربية، خاصة نظام المدفعية الصاروخية "هايمارس" ومدفعيات "هاوتزر" عيار 155 مم M777 التي أدت إلى عملية استنزاف كبيرة للآليات المدرعة، وقطع المدفعية في عمق مناطق الاحتلال الروسي في الأراضي الأوكرانية، والتي مهدت لهذه الانتصارات الميدانية التي تحققت للأوكرانيين في الصيف الماضي في مقاطعتي خيرسون، وخاركيف، وفي المناطق الغربية من مقاطعة لوهانسك".

وتوقع حدوث "مناورات ميكانيكية واسعة تلعب فيها الدبابات والآليات المدرعة المساندة لها، والمدفعية ذاتية الحركة، دورا أبرز، وسيكون التركيز على اقتحام خطوط دفاعات الخصم، والاستيلاء على مزيد من الأراضي، وهو ما ستشهده مناطق في خيرسون على سبيل المثال، وقد يصل الأمر -وهذا سيكون حرجا للغاية للعسكرية الروسية- إلى قيام الأوكرانيين في مرحلة ما باقتحام شبه جزيرة القرم، وإدارة عمليات ميكانيكية واسعة بها، بالإضافة إلى مقاطعة زابوريجيا ومقاطعتي إقليم الدونباس دونيتسك ولوهانسك".

في حين أوضح أن "هناك سؤالا هاما يطرح نفسه: هل سيعيد الرئيس بوتين محاولته الفاشلة التي بدأت مع الغزو الروسي في شباط/ فبراير من العام الماضي، وهي التقدم عبر المحور الشمالي من الأراضي البيلاروسية وصولا لاقتحام كييف؟ الأحاديث كثيرة، والاحتمالات متضاربة، وقد نضيف: هل سيكون هناك عمل عسكري من الأراضي البيلاروسية في محاولة للتقدم وقطع خطوط الإمداد القادمة من دول الناتو المجاورة نحو الأراضي الأوكرانية، بمعنى محاولة عزل مسرح العمليات الأوكراني، وهو الأمر المستبعد حتى الآن بسبب الحالة الفنية وحالة الكفاءة العملياتية للوحدات الروسية التي ليست في أفضل حال، بل وأقل مما كانت عليه عند بدء الغزو".

ولفت الزيات إلى أنه "من المحتمل أن نشهد تركيزا كبيرا على قطع خطوط الإمداد، والسيطرة على خطوط الإمداد الرئيسية للخصم، سواء داخل المسرح الأوكراني أو الروسي".

واختتم الزيات بقوله: "تبقى كل هذه الاحتمالات لما هو قادم مرتبطة بالدرجة الأولى بمدى عزم الغرب على توفير الدعم النوعي والموقوف لأنظمة التسليح الثقيلة للأوكرانيين، والذي أدى التأخير فيه خلال الشهور السابقة إلى ضياع استثمار ميداني للأوكرانيين في وقت كان إنهاك الروس فيه وتخبطهم واضحا، بل ومذهلا".