الكتاب: "مكيافيلي في النزاع والحرية"
الكاتب: سيرج أودييه
الناشر: الدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت- لبنان، الطبعة الأولى
2015
(عدد الصفحات 375 صفحة من القطع الكبير)
تتجنب اللحظة الميكافيلية الفرنسية، بفضل هذا الربط بين النزاع
والمخيال، الصعوبات التي يصادفها موقفان مختلفان، استدعى كل منهما مكيافيلي، بهذه المناسبة،
إنهما علم الاجتماع النقدي لبورديو من جهة، وفكر آرندت حول الشأن السياسي من جهة
أخرى، ولقد شهدنا أن بورديو قد ركز بدوره في إشارة منه إلى مكيافيلي، على الطابع
النزاعي للعلاقات الاجتماعية وعلى اعتباطية موازين القوى التي يغطيها وجه السلطة،
مع فارق رئيس، بالرغم من ذلك، إذ توصَّف السلطة هنا على أنها احتيال من واجب عالم
الاجتماع أن يكشف آلياته، ونفهم لِمَ يُختزل مخيال السلطة هنا في فرض المظهر الذي
يحيط به المسيطرون أنفسهم على أجساد المحكومين.
غير أن هذا الموقف، الذي يبقى مغلقاً على مهمات الفلسفة السياسية،
يدفع إلى نقد منظم للسلطات بدل أن يثير تساؤلات حول قدرتها على التحريض على فعل
جماعي، أما قراءة آرندت المعاكسة، فتكشف، من دون شك، عن علاقات متينة مع اللحظة
المكيافيلية الفرنسية، إلا أنها تهمل مسألة "التعددية"، ومع ذلك، فهي
تعتبر، بشكل مؤكد، وفي الوقت نفسه، أن الحيز العام هو حيز العلن، ولكن من دون أن
تسبر بعده التخييلي، وحتى حين تفكر آرندت بأن السياسة "إخراج"، فإن
مراجعها حول المسرح لا تقودها إلى فلسفة المخيال، وذلك لأن الحيز يسعى إلى إظهار
وحدة كل فرد، إن القول إن آرندت لم تنظم هذا البعد المخيالي لا يجب أن يفاجئنا،
وذلك لأن الشأن الاجتماعي لا يعتبر تقسيماً حتمياً ينكشف من خلاله ما أسماه ميرلو ـ
بونتي "استحالة التوافق بين الرغبات البشرية".
إذا كانت اللحظة المكيافيلية الفرنسية تستحق دراسة خاصة، فذلك لأنها
تعتبر أولاً موقفاً فلسفياً، وهكذا تندرج قراءة آرون لمكيافيلي ضمن التفكير حول جوهر الديمقراطية الليبرالية باعتبارها
نظاماً يستقبل النزاع كي ينظمه في خدمة الخير المشترك، على عكس النزعة الشمولية
القائمة على إنكار الخصومة، تطلّب هذا الأمر من وجهة نظر تاريخية تجاهلاً للمساهمة
المكيافيلية، وذلك لأنه لا أحد يفكر بالإدعاء بأن مكيافيلي كان "ديمقراطياً
ليبرالياً"، بشكل مسبق، وفي ما يتعلق بقراءات ميرلو ـ بونتي ولوفور، فإن
هدفنا إظهار فرضياتهما الفينومينولوجية بخاصة في ما يتعلق بمسألة المخيال وموضوعة
التعبير، وبعيداً عن هذا، تأخذ هذه القراءات دلالة، إذا وضعناها في إطار تساؤل
مركزي للفلسفة الفرنسية في القرن العشرين، حول دور النزاع وأهمية المخيال في
الحياة الاجتماعية، إن الأفكار حول "سلبية" الرغبة، وحول
"الاعتراف" في الوقت نفسه، تعتبر على طريقتها، استمراراً للمشروع
الفرنسي في إعادة قراءة ماركس وهيغل، بخاصة، "جدلية السيد والعبد" التي
قدم كل من هيبوليت وكوجيف، تفسيراً لها، كما أنها تركت أثراً لدى كل من سارتر
وميرلو ــ بونتي ولاكان، أما البحث حول المخيال، والذي أُعيد توظيفه في القراءات
الفرنسية لمكيافيلي، فقد احتل موقعاً، هو أيضاً، ضمن مرحلة طويلة من الفلسفة
الفرنسية، التي أولت أهمية، أهملت طويلاً، لموضوع الخيال، منذ الآن وحتى سارتر
وباشلارو ولاكان وكاسترياديس.
لا يمكن اعتبار مكيافيلية مكيافيلي سيرة قديس فقط، فآرون يوضح بالمقابل الأسباب التي تجعل من السكرتير الفلورنساوي مفكراً مكيافيلياً، غير أننا نشترط أن نفهم هذه اللفظة المعيبة بعد تخليصها من أبعادها النفسية أو الأخلاقية كافة، وذلك لأنه من المؤكد أن مكيافيلي لم يكن قط المبشر بمذهب شرير، ولا المدافع عن أسوأ أنظمة الطغيان،
مهما كان التأثير الذي مارسه بونوا، فلن يكون باستطاعتنا أن نفهم
الأهمية التي منحها آرون للفكر المكيافيلي، إلا إذا رجعنا أولاً للفرضيات التي
عرضها إيلي هاليفي (É. Halévy) في محاضرته الشهيرة التي حملت عنوان
"عصر أنظمة الطغيان»، كل شيء يحدث في الواقع، وكأن آرون قد حاول في كتابه
(أبحاث حول المكيافيلية) الحديثة متابعة تحليلات هاليفي وتحويرها، فقد تبنى آرون
مفهوم الطغيان الذي اقترحه هاليفي لتوصيف الأنظمة الشمولية الصاعدة، ولكنه اتجه
نحو تفسير آخر، واضعاً في مركز تفكيره مفهوم "المكيافيلية الحديثة"، لم
يخفَ على آرون بالطبع أنه يطور تفسيراً جريئاً من خلال إظرية مفاجأة، ومع ذلك هي
جوهرية، إن الاشتراكية القومية أو الشيوعية ليست مكيافيلية من وجهة نظرنا، فقد
لأنها تمكر وتخدع وتكذب ولا تحترم كلامها وتغتال. إذا كانت مكيافيلية هتلر تقصر
على استخدام هذه الوسائل، فليس من المفيد أن نضيع الكثير من الوقت في دراستها،
وذلك لأن وسائل مكيافيلية بهذا الوضوح لا تهمنا، إلاّ باعتبارها مؤشرات لمكيافيلية
أعمق في الواقع: أي تصور ما للبشر والسياسة".
يقول المؤلف: "لا يمكن اعتبار مكيافيلية مكيافيلي سيرة قديس
فقط، فآرون يوضح بالمقابل الأسباب التي تجعل من السكرتير الفلورنساوي مفكراً
مكيافيلياً، غير أننا نشترط أن نفهم هذه اللفظة المعيبة بعد تخليصها من أبعادها
النفسية أو الأخلاقية كافة، وذلك لأنه من المؤكد أن مكيافيلي لم يكن قط المبشر
بمذهب شرير، ولا المدافع عن أسوأ أنظمة الطغيان، إننا نعرف أن الاعتراض الكلاسيكي
على الفكرة التي تجعل من مكيافيلي منظراً مكيافيلياً إنما يقوم على التأكيد، بشكل
دقيق، على أنه ليس باستطاعة هذه الفكرة تفسير المديح الموجه إلى الجمهورية والمتضمن
في صلب كتاب (أحاديث حول العقد الأول من حكم تيت ليف).
ويشير آرون، من خلال استباق هذا النوع من الاعتراض، إلى أن
"نصائح كتاب (الأمير) تنسج مع اعتبارات (الأحاديث) في إطار نوع من الفلسفة
السياسية»، إن المطلوب هنا، في العموم، بيان الانسجام بين المؤلَّفَين وكشف
الفلسفة المشتركة بينهما، يجب أن نفهم كتاب (الأمير)، الذي من الممكن مقارنته ـ في
هذا الجانب ـ مع شروح الكتاب الخامس من (سياسية) أرسطو المكرّس للوسائل الواجب
استخدامها للمحافظة على أنظمة الحكم الفاسدة، باعتباره بكل بساطة نوعاً من التعبير
عن آلية الطغيان، وليس دفاعاً عن الطغاة، نحن هنا إذاً أمام وجهة نظر عملية
أساساً، لا تعبر على الإطلاق عن الأماني الشخصية للفلورنساوي، وأفضل من ذلك، كل
شيء يسمح بالتفكير بأن تعاطف مكيافيلي إنما يتجه إلى نظام الحرية الذي تمثله
الجمهورية الرومانية بدل أن يتوجه إلى حكم الطغيان: سواء أكان مكيافيلي من ذوي
النزعة الإنسانية أم فيلسوفاً، فهو يتمنى بالطبع أن تحظى الأمم بدستور متوازن
وبمواطنين فضلاء يضعون حداً لقسوة (الأمير) الذي لا يعرف التقاليد ولا الشرعية،
يبين هذا الأمر كم أسيء فهم مكيافيلي: فقد أدى الاهتمام الحصري بـ(الأمير) من خلال
تقاليد تفسيرية طويلة وعلى حساب كتاب (الأحاديث"Discorsis"
)،
إلى الخلط ـ بطريقة خاطئة ـ بين نظرية الإمارات الجديدة ونظرية الحكم بشكل عام.
وباختصار، وعلى عكس ما تم تأكيده في الغالب، لم يكتب (الأمير) "بأصابع
الشيطان". (36).
عودة مكيافيلي وإعادة اكتشاف الشأن السياسي
من المهم كي نفهم رهانات قراءة لوفور (Lefort) لمكيافيلي أن
ندرس الأسباب التي جعلته يهتم بمؤلفات بدت، للوهلة الأولى، غريبة عنه، فقد أولى
لوفور، في البداية، مكانة مركزية لمؤلفات ماركس إلى أن أعاد اكتشاف مكيافيلي، بعد
عملية تطوير طويلة، ولنوضح، مع ذلك، أن المسار السياسي للوفور يختلف عن مسار ميرلو
ـ بونتي، وفي حين يقدم مؤلف (النزعة الإنسانية والرعب)، في البداية، حكماً غامضاً،
بل متعاطفاً، في الغالب، مع الشيوعية، فإن لوفور ينتقد عموماً، وبشكل جذري، نظام
حكم يعتبره، بكل وضوح، شكلاً جديداً للاضطهاد والاستغلال، وليس من الضروري هنا، أن
نذكر، بشكل تفصيلي، الطريقة التي بنى فيها فريق (اشتراكية أم بربرية)، إدانته
للمجتمع البيروقراطي.
يقول المؤلف: "سنشير فقط إلى بعض العناصر التي أهملت في أيامنا
هذه، والتي تسمح بتحديد الطريق التي أوصلت لوفور إلى مؤلفات مكيافيلي، علينا ألا
نهمل، أولاً، الروابط بين فريق (اشتراكية أم بربرية) وفرضيات انشقاق تروتسكيي
أمريكا، بخاصة تلك الفرضيات التي صاغها بورنهام في كنف برونو ريزي (B. Rizzi)،
يرى هذان المفكران اللذان انفصلوا بشكل تدريجي عن التروتسكية، أن البيروقراطية ليست
طبقة طفيلية بسيطة، بل (طبقة اجتماعية جديدة مسيطرة) وحقيقية.
"يرغب الكبار في التملك، ويرغب الشعب في الوجود والحرية، ليس لأنه طيب، بل لأن الرغبة تحطم منطق التملك، إذا استطاعت أن تعبر عن نفسها"
وقد قاد هذا الحكم المنشقين التروتسكيين إلى نقد حقيقي للاتحاد
السوفييتي، الذي لا مجال، بالطبع للدفاع عنه، إذ لا يمكن أن ينظر إلى هذا النظام،
بعد الآن إلاّ باعتباره نظاماً للاستغلال أشد اضطهاداً من النظام الرأسمالي. ومع
ذلك، إن فريق (اشتراكية أم بربرية)، وبخاصة لوفور، قد نأى بنفسه عن فرضيات بورنهام
حول بعض النقاط الأساسية، يرى بورنهام في صعود المجتمع البيروقراطي، صعوداً لسلطة
(الإداريين)، أي مجموعة من التقنيين والمتخصصين الذي جعل التقدم العلمي والتقني من
كفاءتهم أمراً ضرورياً، كما يعتبر هذه الظاهرة، في الوقت عينه، شمولية وشبه حتمية،
مع الانتباه إلى التمييز بين الحالات المختلفة، وينتهي بورنهام، في الختام، وبشكل
منطقي وخاص، بالقول إن الاشتراكية، كما تصورها ماركس، قد أصبحت (مستحيلة)، في
المجتمعات الحديثة، وباختصار، يقود نقد البيروقراطية الذي قدمه بورنهام إلى تخلٍّ
مؤكد عن المشروع الثوري وإلى رفض النظرية الماركسية، وسيجري
عرض هذا الرفض بوضوح
وتبريره في كتاب (المكيافيليون) مع التأثير، الذي خبرناه، في قراءة آرون
لمكيافيلي، غير أن حكم فريق (اشتراكية أم بربرية) يبقى مختلفاً جداً، وينسجم إلى
حد كبير، على المستوى التوصيفي أقلّه، مع النقد الذي وجهه آرون لبورنهام"(ص
197 ـ 198).
يرى هؤلاء المؤسسون، أولاً، في البيروقراطية تعبيراً عن السيطرة
الاجتماعية والسياسية التي لا تنفصم عراها، والقائمة على نواة (الحزب الدولة)،
بعيداً عن ربطها بالصعود المزعوم والحتمي (للمدراء)، وبالتوافق مع ذلك، يجد
التنديد بالبيروقراطية الذي قدمه كورنيليوس كاستورياديس (C.
Castoriadis) نفسه،
مرتبطاً، بعمق، بمشروع تحول جذري مستوحى من ماركس، على عكس ما هو الحال لدى آرون،
ومن المؤكد أن ماركس الذي يرجع إليه مؤسسا فريق (اشتراكية أم بربرية)، بطرائق
مختلفة، لم يكن بالطبع ماركس صاحب النزعة العلمية والوضعية التي حملها المفكرون
الستالينيون، يتمسك لوفور، بخاصة، وضمن إطار فكر ميرلو ـ بونتي، بإظهار كال ما
يبدو أنه مرتبط بفينومينولوجيا الشأن الاجتماعي في الفكر الماركسي، من دون إنكار
مبهَماتها، ويمكن أن نقدر أن فكر ماركس قد تعرض، باكراً، وبشكل افتراضي للتشويه،
من خلال تحليلات فريق (اشتراكية أم بربرية)، ويبقى أن ماركس لم يوضع، منذ البداية،
وبما هو عليه، موضع الشكل بشكل صريح: فحين توجه نقد لوفور للبلشفية، فهو لم يمس
الماركسية، وبشكل أوضح، لقد تم رفض البلشفية باسم ماركسية (أصيلة)، وبهذا المعنى
تندرج تحليلات لوفور الأولى المكرّسة للنزعة الشمولية (ضمن الماركسية)، في إطار
الإخلاص للإيحاء النقدي لماركس، وتبدو النزعة الشمولية ـ انطلاقاً من هذه الفرضيات
ـ وكأنها صور (كاريكاتورية) أو (محاكاة) للشيوعية، فيما المشروع الشيوعي «الأصيل»
بعيد عن هذا الاتهام، بشكل فعلي، في مضمونه نفسه، غير أنه، وبعد القطيعة مع فريق
(اشتراكية أم بربرية)؟ قرر لوفور الانفصال عن المشروع الثوري والماركسية في آن،
لذلك انطلق نقد النزعة الشمولية بشكل تدريجي، من وجهة نظر أخرى.
مكيافيلي مفكر التقسيم الاجتماعي
يهدف أحد آراء ميرلو ـ بونتي إلى إيضاح أن مكيافيلي لم يكن مفكراً
متشائماً فقط يختزل الحياة في العنف والإكراه، بل على العكس، إن في الفكر
المكيافيلي خياراً شعبياً حقيقياً، وذلك لأن مؤلِّف (الأمير) يوحي بأن على السياسة
التي تسعى إلى العدل أن تقوم على الشعب الذي يرغب في تجنب الاضطهاد، ومع ذلك، يبقى
هذا التحليل ضعيفاً بعض الشيء: إذ يكتفي ميرلو ـ بونتي، بالاستناد إلى آراء
رونوديه، بالإشارة بشكل مختصر إلى الأولية التي يمنحها مكيافيلي لدعم الشعب، من
دون البحث في التحديد الدقيق لمعناها وسبر متطلباتها كافة، ولا ينطبق هذا الأمر
على قراءة لوفور الذي يتوقف، من جهته، طويلاً عند الخيار الشعبي لمكيافيلي
باعتباره خياراً أساسياً في تفكيره السياسي بأكمله.
يقول المؤلف: إن رغبة الكبار، إذن، ذات طبيعة خاصة، وتختلف عن رغبة
الشعب، كما يقر بذلك مكيافيلي بوضوح، في الفصل التاسع، من (الأمير)، وكذلك أيضاً
في الفصل الرابع من (الأحاديث): "وذلك لأن هناك في كل مدينة، مزاجين مختلفين،
مزاج الشعب ومزاج الكبار، وينتج هذا الأمر عن أن الشعب لا يرغب في أن يُحكم ولا أن
يُضطهد من الكبار، وأن الكبار يرغبون في أن يحكموا الشعب ويضطهدوه"، ويبدو
هذا التحليل ذا أهمية كبرى، لأنه يبين بدقة، وفقاً للوفور، أنه من المستحيل إقامة
(توازن) بين المزاجين: "تسعى رغبة الكبار للحصول على شيء: إنه (الآخر)، كما
يتجسد في الرموز التي تطمئنهم على موقعهم: الثروة والرفعة والمجد، وبالمقابل، إن
رغبة الشعب تتمثل في الكلام بصرامة، من دون أي هدف"، ويبدو (ميل) البرهان أو
(لونه) ديمقراطياً من وجهة النظر هذه، وذلك شرط أن نفهم طبعاً بأي معنى، وذلك لأن
مكيافيلي لا يخفي كم بمقدور الرغبة والكره أن يلهما الشعب، مخالفاً بذلك الفرضية
الديمقراطية التقليدية، لا يمكننا القول، بهذا الصدد، إن الشعب (طيب): ومع ذلك،
فإن الرغبة التي تميّز الشعب هي في تجنب الاضطهاد، وهكذا تتبدى سلبية هذه الرغبة
من خلال انسجامها مع حرية المدينة ومع القانون، فنجد وراء الرغبة والإكراه لدى
الشعب ـ وراء الرغبة بشيء ما ـ في الواقع، الرغبة في (تجنب) الاضطهاد، ونجد هنا،
في النتيجة، رغبتين مختلفتين: "يرغب الكبار في التملك، ويرغب الشعب في الوجود
والحرية، ليس لأنه طيب، بل لأن الرغبة تحطم منطق التملك، إذا استطاعت أن تعبر عن
نفسها"، وهذا يعني أن ما من تملك قادر على إطفاء الرغبة الشعبية، وذلك لأنه
"ليس لهذه الرغبة هدف"، فهي عملية سلبية: "فرغبة الإنسان المتورط
في الصراع الشامل للطبقات، لا تختزلها شهوات القوةن والثروة والشرف؛ فبما أنها
حاملة لرفض الوصاية والاضطهاد فعلينا القبول بأن لا شيء يمكن أن يلبيها مكا تستحق،
وأن على المرء أن يفصل هذا الشأن عن تملك خاص وأن يربطه بمطالب غير محدودة"(ص
202).
إقرأ أيضا: معالم الواقعية المكيافيلية في مواجهة صعود التيارات الشمولية