أثار
تعهد رئيس الوزراء محمد شياع السوداني للقوى السنية بإخراج المليشيات من مناطقهم، العديد
من التساؤلات بخصوص مدى إمكانية الإيفاء بذلك، ولا سيما أن جميع رؤساء الحكومة الذين
سبقوه منذ عام 2014، لم يستطيعوا تحقيق ذلك بعد وعود قطعوها تتعلق بالملف ذاته.
وأفادت
قناة "يو تي في"
العراقية، الأربعاء، بأن السوداني تعهد خلال اجتماع مغلق
جمعه بتحالف السيادة (السني) الأسبوع الماضي، بإخراج المليشيات من المناطق السنية التي
يتواجدون فيها منذ استعادتها من تنظيم الدولة (2014- 2017)، خلال مدة تتراوح من
6 أشهر إلى عام واحد.
وأوضحت
القناة العراقية، أن قيادات ونواب تحالف السيادة الممثلين للمحافظات السنية، قدموا
للسوداني تجاوزات صارخة من هذه المليشيات ضد المدن وسكانها تتعلق بحقوق الإنسان، ومصادرة
الأراضي، إضافة لفرض نسب مالية عن كل مشروع استثماري فيها.
اظهار أخبار متعلقة
"التحدي
الإيراني"
وتعليقا
على مدى قدرة السوداني على تنفيذ تعهداته، قال أستاذ السياسة الخارجية في جامعة
"جيهان" بمدينة أربيل الدكتور مهند الجنابي إنه "حان وقت تقييم أداء
الحكومة بشكل عام، وذلك بناء على ما تعهدت به أمام القوى السياسية قبل تشكيلها".
وأوضح
الجنابي لـ"عربي21" أن "الحكومة وعدت بأن تنجز بعض المسائل خلال ثلاثة
أشهر، ومضت هذه المدة ولم تلتزم بالكثير من الأمور التي وردت ضمن المنهاج الوزاري،
ومنها تقديم قوانين: (الانتخابات، والمحكمة الاتحادية العليا، والنفط والغاز، ومجلس
الاتحاد الاتحادي)".
وتابع:
"بالنسبة للمناطق المحررة (السنية) من تنظيم الدولة، فإن واحدة من القضايا الحساسة
والمهمة التي تعهدت بها الحكومة هي عودة نازحي هذه المناطق، وتحديدا أهالي منطقة جرف
الصخر في شمال بابل، والتي ورد اسمها في المنهاج الوزاري، ولم تف بذلك حتى الآن"،
لافتا إلى أن "التصريح بمدة 6 أشهر إلى سنة، ربما يكون وحده هو عدم الوفاء بالوعد،
لأن المنهاج الوزاري ذكر أنه قبل هذه المدة يكون الموضوع قد تحقق".
وأشار
الجنابي إلى أن "ضغوطات الجماهير والظروف السياسية على هذه القوى السياسية (السنية)
هي التي دفعتها إلى المضي في تشكيل الحكومة الحالية في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي"،
لافتا إلى أن "هذه الأطراف (السنية) لديها قناعة بعدم تحقيق المطالب، لكنهم يمارسون
ضغوطا لتحقيقها".
ولفت
إلى أن "مسك هذه المناطق من جماعات موالية لإيران هو لتأمين الطريق البري أو ما
يسمى إيرانيا (طريق المقاومة) الذي يبدأ من طهران مرورا بالعراق وسوريا وصولا إلى لبنان.
لذلك فإن انتشار هذه الجماعات هو بوجود ودعم إيراني، سواء في العراق أو سوريا".
وشدد
الجنابي على أنه "رغم كل هذه التحديات التي تطرح، فإن الحكومة ملزمة في الكثير من
مسائل الإصلاحات، سواء على المستوى الاقتصادي أو السياسي أو الأمني، خصوصا أن وجودها
مهدد بمدى الإيفاء بالتزاماتها، فسبق أن صرح رئيس البرلمان محمد الحلبوسي بأن التزام
الحكومة بالعهود هو الذي يحدد بقاءها من عدمه".
وخلص
الجنابي إلى أنه "حتى لو كانت هناك ضغوطات وتحديات إيرانية، واعتبارها قضية أمن
قومي إيراني، فإن الأمر يعتبر تجاوزا على السيادة الوطنية، وأن من واجبات الحكومة أن
تحفظ السيادة الوطنية، ومن أولى أولويات ذلك أن تتمتع باستقلالية قرارها في ما يتعلق
بانتشار المجاميع المسلحة والقطعات العسكرية في أي بقعة من أرض العراق".
اظهار أخبار متعلقة
"استقرار
سياسي"
في المقابل،
رأى المحلل السياسي العراقي علي البيدر أن "رئيس الوزراء يحاول استثمار حالة الاستقرار
السياسي التي تعيشها البلاد، وتعزيزها بخطوات إصلاحية في المجال السياسي الأمني والاقتصادي،
وحتى المجتمعي"، مؤكدا أن "السوداني جاد في تنفيذ المنهاج الوزاري، والذي
يتضمن نقاطا طالبت بها القوى السنية والتي تصر عليها مع مرور الوقت.
وأوضح
البيدر ، في حديث لـ"عربي21" أن "مسألة خروج الجماعات المسلحة وحتى
قوات الجيش العراقي من المدن أصبح ضرورة حتمية من أجل القضاء على فكرة عسكرة المجتمع
وإبعاده عن الاحتكاك بالمؤسسة الأمنية، ومنح مؤسسات الدولة الدستورية في وزارة الداخلية
فرصة أكبر لإدارة الملف الأمني بعد النجاحات التي تحققت".
وأشار
إلى أن "وجود الفصائل المسلحة والجيش العراقي أصبح غير مبرر في بعض القواطع الأمنية
بسبب استتباب الوضع فيها. وتبقى مسألة معالجة ذلك سياسيا، لأن بعض القوى التي تدعم حكومة
السوداني لديها جماعات مسلحة تتواجد في تلك المناطق".
وتابع:
"يفترض بالسوداني أن يتمكن من إقناع هذه الأطراف بضرورة اللجوء إلى هكذا خيار
(سياسي)، وهذا الأمر سيحسب للحكومة، وربما لحسن نوايا تلك الجماعات والأطراف السياسية
الملتزمة معها".
وطرح
البيدر جملة من التساؤلات: "ماذا ستفعل الحكومة في حال رفضت تلك الأطراف الخروج
من المدن؟ فهل ستواجه هذه الجماعات؟ وهل لديها القدرة على ذلك؟ وهل ستطالب بدعم دولي؟
أم إنها ستستلم لإرادتها؟".
اظهار أخبار متعلقة
وأجاب
الخبير السياسي على ذلك بالقول: "إذا استسلمت الحكومة لإرادة الجماعات المسلحة،
فإن الأخيرة قد تستقوي خلال المرحلة المقبلة وتجد نفسها بشكل من الأشكال أكبر من الدولة
نفسها".
في ظل
المعطيات الحالية، يضيف البيدر، أن "الموضوع لا يمكن أن يحل إلا بطريقة سياسية،
والآن الوضع في العراق غير مستقر ولا يوجد أي جهة يمكن لها أن تفرض إرادة مؤسسات الدولة
بأي شكل من الأشكال، لأنها خاضعة للرغبات والاعتبارات السياسية".
وأشار
إلى أن "إخراج تلك الجماعات دون إيجاد بديل لها ربما يربك المشهد الأمني، وأن
إخراجها بالقوة سيولّد ردة الفعل العنيفة من هذه الجماعات، لذلك فإنه يجب التوصل إلى حلول
ترضية وتسويات سياسية من أجل إنهاء هذه الأزمة التي بدأت تستخدمها أطراف سياسية للحصول
على مكاسب".
وأكد
البيدر أن "تلك الجماعات المسلحة مهما كانت متوغلة في المدن المحررة، إلا أنه
لا يمكنها الحصول على قبول سياسي واجتماعي من أهالي تلك المدن، خصوصا مع رفع بعض الصور
والشعارات التي تزيد من حالة السخط الشعبي، أو تستثمرها بعض الأطراف لإذكاء حالة من
الصراع والأزمة المذهبية بين العراقيين".
يشار
إلى أن العديد من الجماعات المسلحة الموالية لإيران تنتشر في المناطق السنية منذ استعادتها
من تنظيم الدولة في عام 2017، تحت غطاء قوات الحشد الشعبي، ولا سيما في "نينوى،
والأنبار، وصلاح الدين، وكركوك، وديالى، وشمال بابل"، وسط مطالبات سياسية وشعبية
بسحبها، جراء اتهامات تطالها تتعلق بالعديد من الانتهاكات.