الأزمة التي يعيشها
الفلسطينيون في الداخل، وحالة الانقسام والجمود السياسي والإحباط الشعبي العام من النخبة السياسية، كلها تنعكس على الفلسطينيين في الخارج، وتؤثر في العمل من أجل
القضية الفلسطينية في مختلف دول العالم، بما فيها الدول العربية وأوروبا والولايات المتحدة.
ورغم أن المتضامنين مع فلسطين من الأجانب على مستوى العالم في ازدياد مطرد، إلا أنه لا يوجد من أبناء الجاليات الفلسطينية في العالم من ينجح في استثمار هذا التضامن الواسع بالشكل الأمثل والأفضل، بسبب أن الأزمة الداخلية الفلسطينية تنعكس على الخارج بشكل أو بآخر، كما أن الانقسام الداخلي تحوّل مع الوقت إلى انقسام بين الفلسطينيين المشتتين في مختلف أنحاء العالم.
يبلغ تعداد الفلسطينيين في العالم 14.3 مليون نسمة، يوجد منهم داخل الضفة الغربية وقطاع غزة 5.4 مليون فلسطيني، ويوجد داخل الخط الأخضر 1.7 مليون شخص ممن أجبروا على حمل الجنسية الإسرائيلية بفعل الأمر الواقع، بينما يتوزع الباقون على مختلف دول العالم، أي نحو سبعة ملايين فلسطيني، حسب أحدث البيانات الصادرة عن جهاز الإحصاء الفلسطيني. عشرة في المئة تقريباً من فلسطينيي الشتات يعيشون في دول أجنبية، أي أن 700 ألف فلسطيني تقريباً يقيمون في الولايات المتحدة وبريطانيا ودول أوروبا المختلفة، ويحمل أغلب هؤلاء جنسيات الدول التي يقيمون فيها، ما يُشكل رصيداً مهماً للقضية الفلسطينية، على اعتبار أن من يعيشون في الدول العربية يعانون أوضاعاً صعبة، فهم إما محاصرون في مخيمات لاجئين، كما هو الحال في لبنان، أو يخضعون لأنظمة صارمة تقيدهم وتجعلهم يخشون الترحيل أو الاعتقال أو فقدان الوظيفة. الفلسطينيون المقيمون في الدول الأجنبية هم الوحيدون القادرون على تشكيل جماعات ضغط ولوبيات تستطيع إيصال صوت فلسطين إلى الخارج والتأثير في الدول الكبرى، كما أنهم قادرون على الانتظام في صفوف الأحزاب السياسية التي تؤثر في العمل العام والحُكم والسياسة، وهو عمل لا يزال يحبو في بداياته ولا يُشكل تأثيراً كبيراً في الساحة السياسية الدولية.
أزمة العمل الفلسطيني في الخارج بدأت بغياب
منظمة التحرير التي كانت ممثلاً لكل الفلسطينيين في الداخل والخارج، والتي غابت بسبب قيام السلطة الفلسطينية في الداخل والتي كانت بحكم الأمر الواقع بديلاً عن المنظمة، ومن ثم تحولت مكاتب منظمة التحرير في العالم إلى سفارات للسلطة، وسرعان ما تحولت هذه السفارات إلى مكاتب تقديم خدمات مثل تجديد جوازات السفر وإصدار الوكالات وشهادات الميلاد، وما إلى ذلك من الخدمات التي يحتاجها فلسطينيو الضفة وغزة للتواصل مع أقاربهم في الداخل. وهذا الحال انتهى إلى تغييب كامل تقريباً لمنظمة التحرير، التي كانت تلعب دوراً مختلفاً خلال فترة السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي.
في المقابل ومع غياب المنظمة عن العمل الخارجي ظهر العديد من المؤسسات البديلة التي بادر إليها فلسطينيون في الخارج، خاصة في الولايات المتحدة وأوروبا، لكن هذه المبادرات سرعان ما واجهت أزمة الانقسام الداخلي والتصنيفات الفصائلية، التي أضعفت نشاطها وعملها ودورها، ونقلت الخلاف الداخلي إلى الخارج.
لم تتوقف أزمة العمل الفلسطيني العام في الخارج عند مستوى غياب المنظمة، وغياب العمل المركزي الجامع، بل سرعان ما تحول الكثير من المؤسسات الفلسطينية في أوروبا والولايات المتحدة إلى دكاكين صغيرة تعمل لخدمة مصالح القائمين عليها، والسبب في ذلك أن الخلافات توسعت إلى داخل الفصائل، وبات الفصيل الواحد يتضمن مجموعات عدة، ومن ثم أصبحت كل مؤسسة تابعة إما لفرد أو مجموعة صغيرة من الأفراد الذين يهيمنون عليها ويتعاملون معها على أنها المكسب الشخصي الذي يريدون الحفاظ عليه من أي متطفل قادم من الخارج، وهكذا أصبح للفلسطينيين عشرات اللافتات التي لا وزن لها من الناحية السياسية والشعبية.
المؤسسات (أو الدكاكين) الفلسطينية في الخارج لا يمكن ترميمها إلا بمبادرة كبيرة تحاول جمع الراغبين بالعمل من أجل القضية الفلسطينية أينما كانوا في العالم، وأزمة العمل الفلسطيني في الخارج لا يمكن تجاوزها ولا حلها ما لم نشهد مبادرة كبرى على مستوى العالم، أو على الأقل على مستوى الدول الغربية، تجمع الفلسطينيين على اختلاف توجهاتهم وتياراتهم من أجل التعاون في ما بينهم والاتفاق على الانفتاح والتعالي على المصالح الشخصية والحزبية الضيقة، والانتقال إلى تأسيس جماعات ضغط سياسية تعمل من أجل فلسطين وينضوي تحت لوائها المتضامنون الأجانب والفلسطينيون من حملة الجنسيات الأجنبية، أو المقيمون في الدول الغربية، ويتفق هؤلاء على التعاون في ما بينهم لتوحيد الجهود والعمل المشترك على قاعدة أن فلسطين هي المصلحة العليا للجميع.
(القدس العربي)