يثير مشروع القانون
الإسرائيلي الخاص بفرض
عقوبة
الإعدام على المقاومين الفلسطينيين، الذي أقر بقراءة أولية في الجلسة العامة
للكنيست، وأعقبته انتقادات دولية، تساؤلات إلى أي مدى يمكن لهذه العقوبة أن تخلق رادعًا
حقيقيًا بين المسلحين، وتقلل من عدد الهجمات، وكيف يمكن أن يؤثر القانون على دولة الاحتلال
في الساحة الدولية التي باتت تواجه اتهامات بارتكاب جريمة الفصل العنصري ضد الفلسطينيين.
نينا فوكس مراسلة صحيفة "
يديعوت أحرونوت"، نقلت
عن "مسؤولين أمنين كبار، ومنهم عادي كرمي أحد ضباط الشاباك الكبار أن عقوبة الإعدام
لن تشكل رادعا للمقاومين الفلسطينيين، بل قد تسبب ضررا على الأمن الإسرائيلي، بزعم
أن كل مواجهة معهم يجب أن تنتهي بتحييدهم، وإذا لزم الأمر، القضاء عليهم، لأنه في اللحظة
التي يرفع فيها أحدهم يديه، ولحظة القبض عليه وهو مكبل، تكون الحملة قد انتهت، وحينها
يجب محاكمته".
وأضاف في تقرير ترجمته "عربي21" أن "عقوبة
الإعدام قد يكون لها أضرار جسيمة على إسرائيل في عدة معايير، فالمقاوم بالعادة حين
ينفذ عملية مسلحة يكون قد أجرى بالفعل تقديرًا في حساباته بأنه لن يفلت من العقاب،
حتى لو نجا بحياته، ولذلك لا أعتقد أن مثل هذه العقوبة ستقلل من العمليات، أو تخلق
رادعًا لمنفذيها، لأنهم يعلمون أن ثمنها يتم دفعه، وقدّر بأن عقوبة الإعدام ستسبب الاضطرابات
والانتقام في المجتمع الفلسطيني، وعندما ينشأ موقف ما، لنفترض أنه سيكون هناك إعدام
مرة واحدة في الشهر، فسيخلق صحوة، وحالة من دوافع الثأر".
وأشار إلى أن "تنفيذ عقوبة الإعدام ستوحّد الفلسطينيين
الذين يجلسون على السياج، وتشجعهم للدخول في موجة العمليات التي لم يشاركوا فيها من
قبل، خاصة بعد أن تكون عملية الإعدام أمام أعينهم، ما سيسبب اضطرابات في أوساط المجتمع
الفلسطيني بأسره، ويزيد من جهودنا للمواجهة مع المنظمات المسلحة، فضلا عن أن عقوبة
الإعدام قد تضر بإسرائيل على الساحة الدولية، وأمام الدول العربية والإسلامية المجاورة
التي نحن في سلام وتطبيع معها، وتعاون أمني واقتصادي، وهنا نتساءل: كيف سيكون رد فعل
العرب والمسلمين في تلك البلدان على هذه العقوبة؟".
وأوضح أنه "حتى أمام الدول الغربية سيتم تصويرنا
على أننا دولة تعدم الفلسطينيين، ما سيجعل كل آثار هذه العقوبة أضرار جسيمة، وخلاصة
القول أنها لا تخلق أي ردع، زاعما أن ما قد يخلق قوة ردع، ويؤدي لتقليل عدد الهجمات
هو تقليل الاحتكاك بين الفلسطينيين والإسرائيليين، لأنه منذ بداية 2023 تم إحباط
120 هجوما، واعتقال أكثر من 300 فلسطيني، ما يعني أن هناك نشاطا أمنيا في كل وقت،
نحن بحاجة لخلق وضع الآن لتقليل الاحتكاك".
أما ليئور أكرمان، الضابط البارز السابق في الشاباك، والباحث
الكبير بمعهد السياسة والاستراتيجية بجامعة رايخمان، فهو يعارض فكرة عقوبة الإعدام،
بزعم أن هناك "فرقا بين الجرائم الجنائية والأمنية، ففي معظم حالات منفذي العمليات
المسلحة، فمن غير المرجح أن تسفر عقوبة الإعدام عن أي ردع لهم، لأنه من خلال التعرف
العميق على المقاومين على مدى سنوات عديدة، فإنهم يخرجون لتنفيذ الهجمات، وهم يعلمون،
بل ويريدون الموت فيها، ولذلك فإن عقوبة الإعدام لن تردعهم، فضلا عن التحذيرات السلبية
المترتبة على الساحة الدولية والدول المجاورة".
وأشار إلى أن "الضرر الناجم الفوري عن تطبيق عقوبة
الإعدام بحق المقاومين الفلسطينيين يتمثل بتفاقم موقف دول العالم تجاهنا، وهو ما يحدث
بالفعل على خلفية سلوك الحكومة الحالية، وفيما يتعلق بالساحة المحلية، من المتوقع أن
تسفر الإعدامات، في حالة حدوثها، عن عمليات انتقامية، لأن قتل المسلحين الذين يعملون
لأسباب أيديولوجية ودينية وقومية لا تردعه العقوبات، لأنهم يسيرون باعتزاز في مسارهم
حتى وفاتهم".
آفي آريئيلي، رئيس الشعبة اليهودية في الشاباك، أوضح أن
"فشل عقوبة الإعدام يستدعي إفشال هذه العمليات بالحصول المعلومات الاستخبارية
المبكرة، وتعزيز الأسوار الفاصلة، والحواجز، والوجود الواسع للشرطة والجيش، أما في
الدائرة الأوسع فإن العمل يجب أن يتركز في تعزيز العملية السياسية ذات الأفق الإيجابي، ما سيؤدي لانخفاض في مستوى الاستعداد للعمليات على المدى الطويل".
وأضاف أن "التلويح بعقوبة الإعدام فهو لعب بالنار،
وهو من أخطر الأمور، وسيضاعف عدد الهجمات، والمسلحون المحكوم عليهم بالإعدام بعد قتلهم
سيصبحون قديسين على أعلى مستوى يمكن تخيله، ما سيزيد من حافزهم".
صحيح أن هناك الكثير من المواقف الإسرائيلية الرافضة لعقوبة
الإعدام بحق المقاومين الفلسطينيين، ليس إشفاقا عليهم، لكن دخول ضباط الأمن على خط
رفض هذه العقوبة يمنح هذه المعارضة وجاهة ومصداقية فعلية، لا سيما وأن تطبيق هذه العقوبة
على الفلسطينيين، قد يضطر دولة الاحتلال مستقبلا لتطبيقها على يهود نفذوا عمليات قتل
ضد الفلسطينيين، فضلا عن ردّ فعل المجتمع الدولي الذي لن يصمت على الاحتلال منذ لحظة
الحكم بإعدام أي مسلح فلسطيني، وفي هذه الحالة سيعيش كل اليهود حول العالم أجواء الخطر،
وهو ما تؤكده المحافل الأمنية.
مع العلم أن الأبحاث الميدانية التي أجريت على المسلحين
الفلسطينيين، وأثبتت بالدليل القاطع أن حكم الإعدام لا يشكل رادعا لهم عن تنفيذ هجمات
ضد الاحتلال مستقبلا، أمر بات يتفق بشأنه معظم الخبراء الأمنيين الإسرائيليين، فضلا
عن كون هذه العقوبة ستزيد أعداد الإسرائيليين القتلى وليس العكس.