أنهت
رابطة العالم الإسلامي مساء أمس الأحد، مؤتمرا دوليا في العاصمة
البريطانية لندن حول سبل دعم الحوار بين الأديان بما يرسخ قيم التعايش والسلام في
العالم.
وحضر
المؤتمر، محمد بن عبد الكريم العيسى أمين عام رابطة العالم
الإسلامي وعدد من العلماء وقادة المؤسسات الدينية
العاملة في
بريطانيا وعدد من الدول الأوروبية من المسلمين وغيرهم، بالإضافة إلى عدد من البرلمانيين
البريطانيين.
ويأتي المؤتمر، الذي حضرته
"عربي21"، ضمن مساعي رابطة
العالم الإسلامي لترجمة وثيقة مكة المكرمة التي تم إعلانها في 30 أيار (مايو)
2019م، على هامش المؤتمر الدولي حول قيم الوسطية والاعتدال الذي نظمته رابطة
العالم الإسلامي في المملكة العربية السعودية.
وتنص الوثيقة على مكافحة الإرهاب والظلم والقهر، ورفض انتهاك حقوق
وكرامة الإنسان، وتأصيل قيم التعايش بين الأديان والثقافات والأعراق والمذاهب
المختلفة في العالم الإسلامي.
وأقرّ الوثيقة 1200 شخصية إسلامية من 139 دولة من مختلف المذاهب
والطوائف الإسلامية.
وأعلن محمد العيسى في تصريحات صحفية له في ختام المؤتمر عن تشكيل
هيئة معنية ببحث جملة من الأفكار والمبادرات من أجل تنزيل وثيقة مكة المكرمة في الواقع
بما يخدم قيم التعايش والتفاهم والاستقرار في العالم.
واعتبر العيسى، أن ملتقى لندن الذي رعته رابطة العالم الإسلامي، كان استثنائيا بكل المقاييس، نظرا لحضور عدد من العلماء المسلمين من عدد
من الدول الأوروبية ومن الضيوف غير المسلمين، من أجل توحيد الكلمة في القضايا
الكبرى التي لا يمكن أن تتعدد فيها الآراء.
وأضاف: "هذا المؤتمر استثنائي جمع المذاهب كافة ليكون ذلك
التنوع أكثر سلامة وتعاونا وأكثر خدمة للاسلإم والمسلمين والإنسانية جمعاء.. كلنا
نعلم أنه ليس في الافتراق خير ونعني بذلك القضايا الكبرى التي لا تقبل التعدد".
وأكد العيسى أن الدعوة إلى الوحدة في مواجهة القضايا الكبرى لا تلغي
التعدد والتنوع الذي مثله الاجتهاد الفقهي منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم.
وأضاف: "الشريعة الإسلامية جاءت لرفع الحرج عن الأمة غير أن
التطرف لم يستوعب هذا وضاق ذرعا بها".
وأكد العيسى أن "العالم الشرعي الحق هو داعية محبة وسلام يستوعب
حتمية التعدد والاختلاف بين البشر"، وقال: "لا بد أن نؤكد أننا أمة تدعو
للخير وأمة تحترم عهودها ومواثيقها وكل مسلم يعيش في أي بلاد فإن عليه أن يحترم
قوانينها ويحترم واجبه في تأليف القلوب وتعزيز لحمة المجتمع الذي يعيشه فيه، والاعتدال
الإسلامي يرى أن الهوية الدينية لا تتعارض مع الهوية الوطنية"، وفق تعبيره.
من جهته أكد معاذ العمري مسؤول رابطة العالم الإسلامي في بريطانيا
وأمريكا أن مؤتمر رابطة العالم الإسلامي يعقد في ظل تزايد موجة الكراهية الدينية، فضلا عن باقي التحديات التي فرضتها الكوارث، وقال: "مهمتنا في رابطة العالم
الإسلامي أن نحمي وننشر الرسالة الحقيقية للإسلام، ومسؤوليتنا الإسهام في عالم أفضل".
وتحدثت في المؤتمر ناز شاه عضو البرلمان البريطاني عن غرب براتفورد، عن
وثيقة مكة المكرمة وما تضمنته من معان دينية داعمة للتعايش والتآلف بين بني البشر
على مختلف دياناتهم، وما دعت إليه من العمل بجدية من أجل مواجهة كل مظاهر الكراهية
والتطرف.
وأشارت إلى أن الترجمة الحقيقية لوثيقة مكة، هي العمل وتوعية الأجيال
المسلمة الجديدة والاستثمار في التعليم والثقافة بما يصنع أجيالا فاعلة وقادرة على
الإسهام في ترسيخ قيم التعايش بين الناس.
و تحدث في المؤتمر أيضا رحمان كريستي عضو البرلمان ومبعوث رئيس
الوزراء لحرية الأديان، عن رسالة الرحمة والعدالة والعطف التي جاءت الأديان لترسيخها.
وقال: "أنا من خلفية مسلمة.. ووثيقة مكة تعطي الجيل الجديد
القيم الرائعة للإسلام بغض النظر عن المذاهب، ولذلك فإن الحوار بين الأديان مهم
للغاية"..
من جهته عرض شمس الدين حافظ مدير جامع باريس الكبير ،
لوضع المسلمين في فرنسا، وشدد على ضرورة العمل من أجل توحيد كلمتهم وفق منهج وسطي
يقوم على إدراك التحديات التي تواجههم.
وأكد أن الأخوة البشرية هي المستقبل، وقال: "نريد أن نقدم القيم
الحقيقية للإسلام في الغرب ونفصلها عن التطرف.. لهذا السبب فإن تبني وثيقة مكة يعطينا فرصة لنشر القيم الحقيقية للإسلام".
وشهد المؤتمر ندوة حوارية شارك فيها علماء مسلمون من إيطاليا وفرنسا
ويهود وهندوسيون حول سبل ترسيخ قيم الحوار والتفاهم بين الأديان من أجل مواجهة
التحديات..
وكان الملك تشارلز الثالث قد استقبل أمين عام رابطة العالم الإسلامي محمد
العيسى في أول استضافة رسمية لشخصية إسلامية في قصر باكنغهام الملكي في العاصمة
البريطانيه لندن بعد اعتلائه العرش البريطاني.
وجرى خلال اللقاء الذي جمع الطرفين استعراض واجب القيادات الدينية
والفكرية نحو عدد من القضايا المتعلقة بالقيم والمبادئ الإنسانية المشتركة،
ولاسيما القضايا ذات الصلة بتعزيز الصداقة والتعاون بين الشعوب عبر بوابة تواصلها
الحضاري؛ اعتماداً على مشتركاتها الدينية والثقافية، وحواراتها الفاعلة والثرية.
وألقى محمد العيسى محاضرة في أكاديمية وزارة الدفاع بالمملكة
المتحدة، تمحورت حول استعراض أهم أساليب المواجهة الفكرية لجذور الأيديولوجية
المتطرفة.
وأقام البرلمان البريطاني في قصر وستمنستر بالعاصمة لندن، حفلَ
عشاء للأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى، وذلك بضيافة رئيس لجنة
البيئة بالبرلمان ستيفن تيمز، وخلال اللقاء ناقش أعضاء البرلمان مبادرة
"أديان من أجل كوكبنا" لزيادة الوعي بحماية المناخ.
والتقى محمد العيسى في لندن، نيافةَ رئيس أساقفة وستمنستر
الكاردينال فنسنت كولينز. وبحث اللقاء الموضوعات ذات الاهتمام المشترك، لا سيما تعاون
القيادات الدينية في مواجهة خطابات التطرف والكراهية والإساءة إلى المقدسات
الدينية.
والتقى العيسى كذلك الحاخام الأكبر في بريطانيا إفرايم
ميرفيس، وبحث الجانبان عدداً من القضايا ذات الاهتمام المشترك وأكدا رفضهما
الإساءة إلى المقدسات الدينية تحت أي ذريعة، وأهمية العمل المشترك لتجريمها.