يبدو أنّ
المسافة أو الهوة جدُّ كبيرة وعميقة بين النظام الرسمي العربي والشعوب العربية،
فمن إحدى الغرائب الكبرى أن يعود الجمع الرسمي العربي ليمد يده لطاغية دمشق بحجة
التعاطف مع ضحايا الزلزال الأخير الذي ضرب مناطق ضمن الأراضي التركية والسورية.
وهذه حجة واهية وضعيفة جداً، لا تستطيع أن تقنع أي مواطن حتى بدرجات وعي متدنية
جداً، ذلك أن التعاطف الإنساني مع الضحايا وهم أبناء وبنات الشعب السوري ليس
بالضرورة أن يؤدي إلى التعاطف السياسي مع النظام السياسي الذي يحكمهم بالحديد
والنار، والذي قتلهم بشتى وسائل القتل والكيماوي والتدمير والبراميل المتفجرة،
وجاء الزلزال ليفاقم من معاناتهم.
مبرر
الراغبين بالتطبيع مع
الأسد هو إعادة النظام إلى الحضن العربي وهو غير منطقي وغير
عملي وغير قيمي.. غير منطقي لأن النظام لن يتخلى عن
إيران، فإيران متغلغلة في
البنية السكانية والجغرافية السورية، والنظام الإيراني وضع كل ثقله المالي
والسياسي والمليشياتي من أجل التمكين في
سوريا بحيث يسيطر على مفاصل الدولة
السورية والقرار الرسمي السوري، وغير عملي لنفس السبب، فمن هي القوة التي ستخرج إيران
من سوريا؟ هل هناك قوة عربية مشتركة تستطيع إخراج إيران من الجغرافية السورية في
ظل وجود جيوش عدة احتلالات في سوريا؟
وغير
قيمي لأن الأخلاق السياسية تتنافى مع المبادرة العربية القاضية بمد اليد لنظام
معزول يغرق في أزمته جراء سياساته الحمقاء والفاشية تجاه شعبه. لقد كانت هناك
مبادرة عربية في بداية الثورة السورية وتم تمييعها وتشويهها ولم تكن لها أنياب
وفشلت في النهاية، وأحيل الملف السوري من قبل الجامعة العربية إلى الأمم المتحدة
ومجلس الأمن، الذي تعرض إلى رقم قياسي من فيتو روسي وصيني لمنع التدخل الدولي
المشروع في الوضع السوري، وبالتالي هذا أدى إلى مزيد من القتل والتشريد والاعتقال.
ختاما: كان
يتطلب من الإخوة العرب قبل مد اليد للطاغية أن يتم الاشتراط عليه بالإفراج عن
المعتقلين السياسيين وهم بالآلاف المؤلفة، وتوضيح مصير المفقودين، والإقرار بعودة
اللاجئين بشكل آمن وبإشراف عربي أو أممي، وحل المسألة السورية بالقرار الأممي 2254.
كان هذا يتطلب بيانا رسميا عربيا، لا التخفي تحت شعار "هدفنا أن نبعد إيران
عن سوريا"، دون الالتفات إلى أن 90 في المئة من الشعب السوري ليسوا مع الأسد.
أتمنى
أن تراجع الدول العربية مبادرتها وتوجهها نحو الأسد ونظامه المهزوز، وأن لا تشارك
في جريمته ضد الشعب السوري احتراما لمشاعر الشعب السوري المنكوب واحتراما لدماء
الشهداء، وآهات المعتقلين ودموع الثكالى والأرامل والأمهات اللواتي فقدن أعزّ ما
لديهن من أزواج وأبناء وبنات. وفي النهاية كان الله بعون السوريين، أقولها دوما.