بعد
أن رفع البنك المركزي
المصري، الخميس، أسعار
الفائدة الأساسية 2 بالمئة (200 نقطة أساس)
في ثاني اجتماع للجنة السياسة النقدية منذ بداية 2023، بعد وصول معدلات
التضخم إلى
أعلى مستوى في تاريخ البلاد، فإن حالة من الاضطراب تسري في الأسواق تحسبا لموجة جديدة من
انخفاض
الجنيه أو
التعويم وارتفاع في أسعار جميع السلع والخدمات.
وتترقب
الأسواق ما سوف يجري من قرارات مع أول يوم عمل للبنوك المصرية الأحد، وهو ما عبر عنه
أحد تجار الذهب الحاج أحمد (40 عاما) الذي قال في حديثه لـ"عربي21":
"لا نعرف هل نقلل البيع ونزيد من عمليات الشراء تحسبا لارتفاع سعر الذهب أم لا؟
الكل في ترقب لما سوف يحدث يوم الأحد، أول يوم عمل بعد قرار رفع سعر الفائدة".
كذلك
تساءل بسيوني (60 عاما) أحد المودعين في البنك الأهلي المصري لشهادة بنسبة 18 بالمئة،
قائلا: "هل نفرح برفع سعر الفائدة أم نحزن؟" لافتا في حديثه لـ"عربي21"،
إلى أن مدخراته بالبنك منذ 5 سنوات، وقام بتغيير الإيداع عدة مرات بشهادات أعلى حتى
(18 بالمئة)، ولكن المحصلة "خسارة في القيمة الشرائية للمبلغ"، وفق قوله.
أيضا،
أكد حسين، أحد تجار العملات بالسوق السوداء، أنه "منذ دخول شهر رمضان، فقد كانت هناك حالة
من الترقب بسوق الصرف، وسط ما يثار عن التعويم مرة أخرى، مبينا أنه "منذ الخميس،
مع قرار رفع سعر الفائدة وهو يتحفظ على ما لديه من عملات بالدولار واليورو، تحسبا لتراجع
جديد في سعر الجنيه"، مشيرا إلى أن "تلك الحالة تسيطر أيضا على من يرغبون
في بيع العملات الأجنبية".
حالة
الترقب تلك، والغموض الذي يضرب الأسواق تدعو للتساؤل حول القيمة الاقتصادية لقرار البنك
المركزي رفع سعر الفائدة في ظل حالة عدم اليقين المحيطة باقتصاد البلاد، وتثير التكهنات
بشأن تبعات القرار، ومدى نجاحه في معالجة فقدان قيمة الجنيه، وتعويض أصحاب المدخرات
خسارتهم بالعملة المحلية.
لكن
السؤال الأكثر أهمية هو: هل رفع الفائدة هذه المرة مؤشر على تعويم جديد للعملة المحلية
أم لا؟
"الوضع
حرج"
الخبير
الاقتصادي والأكاديمي المصري الدكتور مصطفي شاهين، قال ردا على تساؤلات "عربي21"،
إن "الحد من التضخم هو
الهدف من القرار الجديد، والفكرة من القرار أن يضع المصريون والمودعون نقودا أكثر لتقليل
عمليات الشراء وبالتالي يقل التضخم".
مدرس
الاقتصاد بكلية أوكلاند الأمريكية، أضاف: "لكن الحقيقة أن التضخم في مصر ليس سببه
أن المصريين لديهم أموالا سائلة، بل سببه الأساسي هو عدم وجود إنتاج في البلاد، ونحن
نستورد السلع وكل منتج يقدم السلع بسعر مختلف".
وأوضح
أن "هذا يضع الاقتصاد المصري في هذا الوضع الحرج، ولهذا فإن قرار زيادة الفائدة
لن تنجح".
وأكد
الأكاديمي المصري أن "قرار رفع سعر الفائدة لن ينجح في معالجة فقدان قيمة الجنيه
الذي سيستمر في الانخفاض والانهيار"، مبينا أن "أصحاب العملات المحلية خاسرين
خاسرين قولا واحدا، لأن التضخم في مصر أعلى من النسبة العادية".
هل هناك تعويم قادم ؟
ويرى
شاهين "أننا حرفيا مقبلون على تعويم جديد لكن البنك المركزي مازال مصرا على سياسته
القديمة بأن يحاول تثبيت سعر الصرف، فهو لا يقدر على مواجهة السوق السوداء أو الموازية
التي وصل سعر الصرف فيها 35 جنيها، ومعنى ذلك أن البنك المركزي سيضطر يوما لتعويم الجنيه".
اظهار أخبار متعلقة
وحول
توقيت توقف موجات التعويم، قال إن "هذا أمر معروف، لأن التعويم سيتوقف حينما يكون
لدى البنك المركزي الحصيلة الدولارية لتلبية الطلب، وهذا أيضا غير موجود، ولذا فإن
التعويم سيستمر الفترة القادمة للأسف، وسوف يحدث نتيجة لذلك اضطراب في السوق".
وأوضح
أن "البنك المركزي يؤجل خطوة التعويم على الأقل لضمان عدم ارتفاع الأسعار؛ لكن
واقع الحال فإن الأسعار ترتفع للأسف الشديد".
وختم
حديثه بالقول إن "التعويم قادم لا محالة، ولن يؤثر قرار رفع الفائدة إيجابيا على
الاقتصاد، ولكنه سيزيد من تكاليف الإنتاج".
"تضخم
تاريخي"
ويعيش
المصريون أزمة اقتصادية خانقة، حيث أظهرت آخر تقارير البنك المركزي المصري، أن معدل
التضخم الأساسي قفز إلى 40.26 بالمئة في شباط/ فبراير الماضي على أساس سنوي من
31.24 بالمئة في كانون الثاني/ يناير الماضي.
ويأتي
تصاعد التضخم في أعقاب سلسلة من قرارات خفض قيمة العملة بدأت في آذار/ مارس 2022 وسط
شح في العملة الأجنبية منذ فترة طويلة والتأخيرات المستمرة في جلب الواردات إلى البلاد.
وخفضت
مصر سعر صرف الجنيه 3 مرات منذ آذار/ مارس 2022، من متوسط 15.7 أمام الدولار الواحد،
ليستقر حاليا عند 30.6 جنيها.
"مرتبط
بالطروحات"
الباحث
والكاتب في الشأن الاقتصادي محمد نصر الحويطي، قال لـ"عربي21": "ليس
هناك ما يسمى بالتعويم الجديد لأننا بالفعل داخل التعويم ذاته، والجنيه المصري مقابل
الدولار في حالة تعويم دائم، ولكن لو الحديث عن تحريك سعر الصرف أو مرونة سعر الصرف
فهو وارد خلال الأيام المقبلة".
ويعتقد
أن "حدوث مرونة في سعر الصرف أو تحرك سعر الصرف، مرتبط بقدرة مصر على بيع حصص
من الشركات المطروحة للبيع إلى مستثمرين استراتيجيين".
وأضاف:
"حسب علمي، لن يقوم البنك المركزي بتحريك سعر الصرف من مستوياتها الآن بنسب كبيرة
إلا إذا تم الاتفاق الكامل على عدد كبير من الحصص مجمعة مرة واحدة لبيعها، وذلك لجني
من 10 إلى 15 مليار دولار مرة واحدة".
ويعتقد
أن "تحريك سعر الصرف ينتظر أن يحدث تجميع لبعض الحصص مثل (المصرية للاتصالات)،
و(فودافون)، و(دمياط لتداول الحاويات)، و(بورسعيد لتداول الحاويات)، وبعض الحصص في
الشركات الـ32 المطروحة للمستثمرين الاستراتيجيين"، موضحا أنه "بالبلدي يبيعهم
مرة واحدة".
وبشأن
ما إذا كان قرار رفع سعر الفائدة صواب أم خطأ، قال الحويطي: "يتفق الجميع على
أن رفع الفائدة والتضخم في مصر غير ناتج عن الإقبال الشرائي أو أن المصرين لديهم أموال
سائلة؛ بل بالعكس ناتج عن ضعف قيمة العملة مقابل الدولار وشح الدولار".
واستدرك:
"لكن البديل الوحيد أمام البنك المركزي هو رفع الفائدة ولا بديل آخر أمامه، لا
توجد بدائل اقتصادية ثالثة، فإما أن يوفر الدولار أو يرفع سعر الفائدة ليحجم الأسواق
قدر المستطاع وفق وجهة نظره"، مضيفا: "وإن كنت أرى أن ذلك ليس الحل".
وفي
السياق، يرى الباحث المصري أنه "لا يجب الربط بين رفع أسعار الفائدة والتعويم
لأن الاثنين مختلفان تماما، وطوال سنوات يجري رفع الفائدة دون تعويم، وليس هناك ربط
على الإطلاق بين رفع سعر الفائدة أو تخفيضها أو بين قرار الفائدة وقيمة الجنيه أمام
الدولار فهو ربط خاطئ".
وحول
مدى نجاح رفع سعر الفائدة في تعويض التضخم، يرى الحويطي، أنه "حتى ولو قدم البنك
المركزي شهادات بـ25 بالمئة أو 30 بالمئة فستكون الفائدة بالسالب لأن التضخم 40.26
بالمئة وسيكون هناك فرق حوالي 16 بالمئة".
ولفت
إلى أن "احتمالات ارتفاع التضخم قائمة خاصة ونحن مقبلون على شهور الصيف أعلى شهور
السنة في التضخم".
وختم
حديثه بالقول: "حتى الفائدة المعلنة لا أعتقد أنها ستعوض المصريين عن التضخم حتى
لو قدمت البنوك شهادات أعلى من الحالية (18 بالمئة)"، مبينا أنه "حتى لو
تحققت فائدة فإن ما سيحصل عليه المودع لن يحقق له القوة الشرائية".
"سخرية
وغضب"
وعبر
مواقع التواصل الاجتماعي، عبر مصريون عن مخاوفهم من تبعات القرار، وبينهم المصرفي المصري
عبدالمنعم بدوى، الذي كتب ساخرا من القرار، متوقعا أن المصريين يقتربون من أكل
"الدريس"، أو "البرسيم المجفف"، بعد أن أكلوا أرجل الفراخ، ومحذرا
من تعويم جديد للجنيه، ومشيرا إلى أن "سعره الفعلي مقابل الدولار يبلغ 40 جنيها"، وذلك قبل أن يحذف المنشور .
اظهار أخبار متعلقة
وفي
تعقيبه على القرار، كتب الخبير الاقتصادي الدكتور إبراهيم نوار، تحت عنوان "الإنتاج
أو الموت"، مؤكدا أن "الإنتاج كلمة السر للخروج من النفق المظلم الذي دخلنا
فيه"، وموضحا أن "تمويل الإنفاق العام للدولة ثقب أسود مجهول الأسرار، والديون
مصدر لخراب كبير مادي وأخلاقي".
وأكد
أن "قرارات البنك المركزي منعدمة القيمة وسط غموض يحيط بمستقبل مصر الاقتصادي،"
لافتا لوجود "أزمات جديدة تلوح في الأفق مستمرة حتى نهاية 2024 على الأقل"،
ومتوقعا أن "تفقد النقود قيمتها"، وموضحا أن "أصحاب الودائع المصرفية
أول ضحايا السياسة النقدية والمالية للدولة".
ولفت
إلى أن عائد الإيداع، يبلغ 18.25 بالمئة، والتضخم الأساسي وصل 40.26 بالمئة، وصافي
العائد -22.01 بالمئة"، معربا عن أسفه من أن "قرار البنك المركزي برفع سعر
الفائدة الأساسي بمقدار 200 نقطة أساس جاء متأخرا".
وأكد
أنه "من وجهة نظري أصبح irrelevant (عرضي) بالنسبة للسوق،
وبعيدا عن الواقع، خصوصا مع زيادة قوة محركات التضخم، والضغوط على قيمة الجنيه، الذي
سينخفض لا محالة إلى مستوى متدن جديد".