يعتبر
البودكاست وافدًا جديدًا إلى العالم العربي، ويقوم على السرد والتدوين الصوتي للعديد
من القضايا المختلفة، من خلال توصيل المحتوى إلى ملفات يمكن تحميلها على الهاتف أو
الجهاز اللوحي، فأتاح البودكاست القدرة على الوصول إلى الحلقات الصوتية بسهولة، بحيث
تصبح متوفرة طوال الوقت، ويمكنك الاستماع إليها متى أردت، ولا تحتّم عليك وقتًا معينًا
حين تُبَث.
ويعد
البودكاست تجربة إعلامية جديدة كانت لها حضورها في الإعلام الغربي، وشهدت إقبالًا شديدًا
من قِبل الشباب خاصة، ثم دخل البودكاست إلى الإعلام العربي ولفت انتباه العديد من صنّاع
المحتوى، واستقبله كذلك المتعطشون إلى التجديد والمهتمون بالراديو بحفاوة بالغة، كما
أنه يعد فرصة رائعة لمن يفضل تلقي المعلومات والمعارف عن طريق حاسة السمع.
أوضح
الكاتب الصحفي وصانع الأفلام الوثائقية أسعد طه، في حواره لـ"عربي21"، أن
"التقنيات الحديثة والرخيصة التي سهلت عمليات التسجيل والبث، كان لها دور كبير
في انتشار البودكاست، فضلا عن أنه فضاء حر، بعيد عن المنصات الرسمية، أو الحزبية".
ومن
جهته بيّن الكاتب الصحفي والأستاذ الجامعي إبراهيم حيدر أن "البودكاست يتميز بتطبيقات
مختلفة ومتنوعة، تمكن من نشر المعرفة عبر الحوارات، أو تلخيص الكتب، وتحويل المصادر
إلى مقاطع صوتية يمكن الاستماع إليها في كل مكان، فهو بذلك يكتسب أهمية مضاعفة".
وأردف
في حديثه لـ"عربي21"، أن "البودكاست يكتسب أهمية في مجال الميديا،
وهو قابل لأن يتقدم على وسائل الإعلام الأخرى، كون البث الصوتي الذي ينشر بحلقات على
الإنترنت، يصل إلى عدد كبير من المستمعين أو المشاهدين، عبر المواقع الإلكترونية، أو
عبر تطبيقات الهاتف".
وفي
نفس السياق بيّن الإعلامي الأردني بلال الخصاونة أن "الإشباع في المحتوى، وتنوع
المجالات والقضايا التي تُطرح في البودكاست، تعدّ سببًا جوهريًا في انتشاره".
البودكاست
والشباب
وفقًا
للباحثين فإن انتشار البودكاست بين الشباب هو الأوسع مقارنة بباقي الفئات العمرية،
وقد يكون ذلك عائد إلى حيوية المحتوى، وطريقة تقديمه الرشيقة، وسهولة الوصول إليه،
وكونه أسلوبًا حديثًا في تلقي المعرفة والثقافة أو الأخبار، فلا بد أن يكون له صداه
بين متلقيه، وأثره على مستمعيه.
وبيّن
الخصاونة في حواره لـ"عربي21"، أن "البودكاست استخدم أسلوب السرد القصصي
في عرضه للكثير من المحتوى، وطرح الكثير من القضايا بقوالب مختلفة عن المعتاد، كما
أنه يعتبر وسيلة ترفيهية تثقيفية، وأدى ذلك إلى جذب الشباب نحو مسائل لم يتابعوها من
قبل، لذا فإنه من المفترض أنه زاد من إدراك الشباب العربي للقضايا المحيطة به".
كما
أن التطرق إلى المواضيع بحرية، والجرأة في عرض المحتوى الصوتي قد يكون سببًا وجيهًا
في إقبال الشباب عليه.
ومن
جهته أكد أسعد طه "أن الشباب ملّوا من الروايات الرسمية والتقليدية، ويبحثون عن
أي جديد، سواء في مجال العلاقات الاجتماعية، أو المشاكل الشبابية، وكذلك الخطابات الدينية
غير التقليدية التي ملّ الجميع من الإنصات لها".
فن في
المهد
ورغم
انتشار البودكاست السريع، وظهور العديد من المنصات العربية التي تعنى بتقديم محتواها
بأسلوب السرد الصوتي، إلا أن الأستاذ إبراهيم حيدر يرى بأن "البودكاست انتشر عربياً
لكن من دون تنظيم وحرفية في صناعة المحتوى، كما انتشر عبر مبادرات فردية، بدأت كهواية
ثم تطورت إلى محاولات صناعة محتوى".
وأضاف:
"يلزمنا الكثير من الوقت عربيا ليتحول البودكاست إلى عمل مستقل للشباب، والمضي
قدماً في ترسيخه على صعيد الإعلانات".
ويرى
البعض بأن غياب الصور والعنصر البصري عن البودكاست، قد يقف عائقًا في طريق انتشاره،
ومنهم محمد محروم، مدرس في قسم الإذاعة والتلفزيون بجامعة اليرموك، الذي أفاد بأن
"الانتشار الكبير لهذا النوع البرامجي لا يزال في إطارات محددة، على عكس الأشكال
الأخرى من المحتوى الرقمي، نظرًا لغياب توظيف الفيديو فيه، مما يقلل من عوامل الجذب
الفني للجمهور، الذي يتفاعل بشكل أكبر مع المضمون المرئي.".
اظهار أخبار متعلقة
علاقة
البودكاست بالراديو
قد يستقبل
البعض البودكاست على أنه امتداد للراديو، وجاء ليمهد الطريق لعهد جديد للإذاعة بلباس
عصري، أما البعض الآخر فقد يرى بأن انتشار البودكاست يعني انهيار
الراديو واختفائه.
وفي
مقال نشرته اليونسكو عام 2020، لسبحان ماك هوغ، أستاذة الصحافة في جامعة ولونغونغ في
أستراليا، وتُشارك في إنتاج البودكاست، كتبت فيه، "تسمح الإذاعة بخلق مناخ حميمي
مع المستمع، أكثر من أي وسيلة تواصل أخرى".
وأضافت:
"ازدهار البودكاست منذ بضع سنوات، أتاح تجديد العلاقة بين المذيع والمستمع".
وردًا
على سؤال "عربي21"، عن ما إذا كان يشكل البودكاست خطرا حقيقيا على استمرارية
الراديو، أم أنه يساعد على تجديده، قال محمد محروم: "يؤكد الدكتور جمال زرن أن
الإعلام الجديد ولد من أحشاء القديم، بمعنى أن كل وسيلة هي امتداد لوسيلة أخرى، والإذاعة
لم تنقرض على الرغم من مرور 100 عام وأكثر على ظهورها، ورغم اختراع التلفاز وغيره من
الوسائل".
وأضاف:
"ربما توفر منتج صوتي رقمي خارج قيود المحطات الإذاعية، قاد إلى التأثير على مستوى
الاستماع إلى الإذاعات".
كما
تحدث بلال الخصاونة عن ما تميز به البودكاست عن الراديو، بأن "البودكاست استطاع
أن يلغي ما يسمى بالارتباط الزمني، فلا يتطلب البودكاست الالتزام بوقت معين للاستماع
لمحتوى معين كما يفعل الراديو".
أما
أسعد طه فيرى أنه "عندما بدأ عصر التلفزيون قال الناس إن زمن الراديو انتهى، الآن
تعود الإذاعة بقوة، في زمن يتراجع التلفزيون نفسه لصالح الديجتال".