نشرت صحيفة
الغارديان البريطانية تقريرًا، سلطت فيها الضوء على مشروع نادي "
مزروعة" الموجود في العاصمة
القطرية الدوحة، والذي يمنح اللاعبين الأفارقة الموهوبين، فرصة لتحقيق أحلامهم.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إنه لم يكن من السهل دائمًا رؤية أحد هناك، في مساحة صحراوية شمال غرب الدوحة. حيث يمكن أن تكون الحياة قاسية للعمال وخاصة للمهاجرين المقيمين بعيدًا جدًا عن منازلهم، في أجزاء مختلفة من أفريقيا؛ إنهم في قطر لكسب بعض المال، ولكن في أوقات توقفهم المحدودة، هناك طرق قليلة لشغل الجسد والعقل.
وأضافت الصحيفة أنه في كانون الثاني/ يناير الماضي، قرر أواتياتو، وهو كيني يبلغ من العمر 28 سنة، أن يفعل شيئًا حيال ذلك، وكان قد وصل إلى قطر منذ سنتين تقريبًا بحثًا عن عمل، فتم توظيفه لتحميل وتفريغ الشاحنات. في وطنه؛ كان حارس مرمى ناجحًا لعدة فرق في الدوري الأدنى، كما أنه درب فريقًا من الهواة، لكن الانتقال إلى الخارج كان له أثر اقتصادي أكبر من البقاء في بلده.
ولاحظ أواتياتو أن المجتمع هناك ليس لديه منفذ منظم لأولئك الذين يريدون لعب كرة القدم، وأدرك أيضًا أنه كان محاطًا بلاعبين شباب موهوبين، ما زالوا يأملون في التقدم في الرياضة، ولكنهم لم يحصلوا بالتوجيه الأمثل.
وأشارت الصحيفة إلى أن نادي "مزروعة" سُمِّيَ على اسم المنطقة، وهو اليوم فريق مكون من 30 لاعبًا يتدربون 6 أمسيات في الأسبوع.
وأضافت الصحيفة أن العديد من اللاعبين في الفريق نجحوا في البروز والإقناع. في البداية؛ كان على أواتياتو إزالة الصخور من المنطقة لإنشاء مساحة لعب آمنة نسبيًا، وواجه أيضًا خلافات مع جيرانه القادمين من جنوب آسيا والذين يستخدمونها في لعبة الكريكيت، وفي النهاية أفسح الطرفان مجالًا للعب جنبًا إلى جنب، وبدا فريقا الـ"مزروعة" وكأنهما نقطة انطلاق لإحراز تقدم سريع.
وبحسب الصحيفة؛ يقول أواتياتو - الذي زرع في اللاعبين شعار "حافظ على كرامتك، حافظ على ثقتك، حافظ على إيمانك": "نحن نفكر في الكيفية التي سنتوسع بها خارج هذا المكان؛ فهذه مجرد بداية لها".
في العام الماضي؛ بدأ النادي في لعب مباريات ودية ضد فرق مهاجرة أخرى في الدوحة، مع رفع مستوى المنافسين بشكل تدريجي، ثم شارك في بطولتين، وفي الثانية وصلوا إلى ربع النهائي.
وبحسب أواتياتو؛ فإن التدريب جاد ومنظم بشكل مثير للإعجاب، وعن ذلك يقول إنه يدرس أساليب مدربين عالميين أمثال يورغن كلوب وميكيل أرتيتا ويطبق مجموعة متنوعة من التدريبات، ثم يلعب الفريق مباراة تطبيقية من أجل التقييم.
مساهمة وبحث عن ممول
ولفتت الصحيفة إلى أن اللاعبين يساهمون بمبلغ 50 ريالًا قطريًا (11 جنيهًا إسترلينيًا) شهريًا في نادي "مزروعة"، لتمويل عتاد التدريب والسفر للعب المباريات الخارجية والحوافز مثل جوائز التميز الفردي.
وكان النادي لا يزال ناشئًا، فقد تضاعفت احتياجاته المالية وخاصة للانضمام إلى اتحاد الهواة في قطر، وهو الدوري المجتمعي الذي تديره اللجنة العليا، حيث بلغت رسوم الانضمام هذا الموسم 4000 ريال (880 جنيه إسترليني)، لذلك فهم يبحثون عن راعِِ لتمويلهم ومساعدتهم في المشاركة.
وأضافت الصحيفة أن ما يميّز هذا النادي؛ أن كل فرد من أفراد طاقم أواتياتو لديه قصة ملهمة، فقد كان ويكليف، أحد مساعديه، حكمًا رائدًا في كينيا، وفي سنة 2021 تم اختياره من بين أفضل ثلاثة حكام في الدوري الكيني، وهو يعمل الآن كحارس أمن في منتجع بالدوحة. يقول: "لديَّ عائلة ولا يمكنني كسب ما يكفي في كينيا، لكني أحب التحكيم، هذا أفضل ما أفعله. وإذا كان بإمكانك القيام بذلك في أفريقيا، فإنه يمكنك القيام بذلك في أي مكان. إن حلمي أن أحكِّم مباريات في
كأس العالم، وأنا متفائل بذلك دائمًا وأدعو أن تأتي الفرصة".
قائد فريق نادي "مزروعة" هو عمر، وهو لاعب خط وسط ذو تحكم قوي في الكرة، وكان قد وصل إلى قطر بعد قبول عرض عمل للتنظيف في أحد نوادي الغولف، ولكن دافعه الحقيقي كان تطوير مسيرته الكروية التي بدأت في الدرجة الثانية في كينيا. ولكونه بلا نادِِ؛ فإنه لم يكن بمقدوره التوقيع مع فريق قطري كبير إلا بعد أن يقيم في البلاد لمدة 4 سنوات.
ووفق الصحيفة؛ فقد عرض شخص يزعم أنه وكيل أن يمثله لكنه لم يلمس فيه جدية، وبقي يتخبط بين فرق الهواة الأخرى لأكثر من عام، إلى أن انجذب نحو نادي "مزروعة" بعد إنشائه بفترة وجيزة، فحصل على تصويت لقيادة الفريق، ويقول: "أحب الجمع بين الناس، وأعتقد أن القيادة هي شغلي. لدي خطة وأعلم أنني في يوم من الأيام سأكون لاعبًا محترفًا".
وتابعت الصحيفة مبينة أن هامي، البالغ من العمر 20 سنة والذي لعب لفريقين في أوغندا، كان قد قرر البحث عن عمل في قطر لأنه شعر بالإلهام من كأس العالم، فعمل ضابط موقع في إحدى البنايات التي أقيمت في لوسيل، حيث جرت المباراة النهائية للمونديال. وهناك أيضًا دانيال، الغاني الذي يعمل مساعدا أمنيا في فندق، وكان لاعبًا في دوري الدرجة الثانية في وطنه، ويأمل أن تجذب قدراته انتباه شخص ما.
وأفادت الصحيفة بأن الأمر نفسه ينطبق على الزامبيين والغامبيين وذوي الجنسيات الأخرى الذين يشكلون فريق نادي "مزروعة"، في تحدٍ هائل للشباب الذين وصلوا دون توجيه مهني أو خبرة في أكاديمية رائدة، ليصنعوا ثرواتهم بهذه الطريقة.
وبحسب الصحيفة؛ فإن أواتياتو يعتقد أنه يملك مجموعة من المواهب غير المستغلة وهو عازم على منحهم المكانة المستحقة؛ حيث يقول: "لدينا هنا لاعبون قادرون على القيام بأشياء أكبر، وهدفي هو قيادة هذا الفريق من أفريقيا إلى قطر، إلى أبعد من ذلك".
ولفتت الصحيفة إلى أن أواتياتو يعرف أهمية كرة القدم عندما يواجه صعوبات يومية؛ حيث يقول: "يأتي بعض هؤلاء الرجال من خلفيات صعبة للغاية في أفريقيا، وفي قطر هناك ضغط كبير: الظروف المعيشية ليست جيدة في بعض الحالات، لكننا لا نشكو. أقول لهم إن هذه عائلة ونحن هنا لنتحد ونقاتل وندعم بعضنا البعض". وروى قصة لاعب احتاج إلى عملية جراحية بعد تعرضه لإصابة وكان مستعدًا لمغادرة قطر، لكنه اختار البقاء بسبب شعوره بالارتباط القوي بنادي "مزروعة".
ونقلت الصحيفة عن أواتياتو أنه يريد أيضًا أن يصل نادي "مزروعة" إلى وضع مالي يمكنهم من خلاله دعم الناس بانتظام في بلدانهم الأصلية؛ حيث إنه يريد مساعدة الفرق المحلية وأيضًا تمويل التعليم لأولئك الذين يحتاجون إليه، حتى يتمكنوا من الحصول على المؤهلات التي قد تساعدهم في العمل في الخارج.. وقد بدأوا بالفعل عملية تبرع لشخصين في كينيا وأوغندا، لكنهم يريدون توسيع نطاق مساعداتهم.
وختمت الصحيفة تقريرها بالقول إنه على المستوى الفردي والجماعي، هناك طموحات هنا تمنح الحياة أبعادًا جديدة، حيث ابتكر أواتياتو وأصدقاؤه شيئًا من لا شيء في مكان لم يتوقع أي منهم أبدًا النجاح فيه.
للاطلاع على النص الأصلي (هنا)