لأول مرة في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية يمثل رئيس أمريكي سابق
أو في السلطة أمام المحكمة الجنائية، كان مشهدا مهيباً، تحطمت عليه
غطرسة وعنجهية وصلف الرئيس الأمريكي السابق "دونالد
ترامب"، ليحل محله
مشهد الذل والإهانة. فلقد عبرت قسمات وجهه عن جام غضبه، حينما دخل المحكمة فكم
كانت صدمته شديدة حين أخذوا بصماته مثل أي متهم أمريكي عادي وليس كرئيس سابق لأكبر
دولة في العالم!
نعم، هو أول رئيس سابق للولايات المتحدة يقف أمام القضاء بشكل مهين كمتهم،
ولكنه ليس أول رئيس يواجه بارتكاب انتهاكات للقانون، فقد جرت في السابق إدانات
لرؤساء داخل الكونجرس ولكن ليس في المحاكم، مثل الرئيس الأسبق "ريتشارد
نيكسون"، الذي اتهم بالتجسس على الحزب الديمقراطي فيما عُرف بفضيحة
"ووترغيت"، وكان على وشك إحالته للمحاكمة بسبب انتهاكه للدستور، لكنه
أنقذ نفسه بتقديم استقالته قبل بدء إجراءات الإدانة في الكونجرس استعدادا
لمحاكمته..
لا أحد في أمريكا فوق القانون، رئيساً كان أم مواطناً عادياً، ثرياً كان أم فقيراً، فإذا ما ثبت بالدليل القاطع وبعد محاكمة عادلة أن المتهم قد انتهك القانون فلا بد من أن يأخذ القانون مجراه، وهذا ما يميز أمريكا وغيرها من الدول الديمقراطية التي تعلو فيها قيمة العدالة عما سواها
وفي عام 1998، شاهد العالم كله على الهواء مباشرة التحقيق مع الرئيس الأسبق
"بيل كلينتون"، لساعات طويلة في موضوع علاقته مع موظفة البيت الأبيض
الحسناء "مونيكا لوينيسكي"، ليس لأنه أقام علاقة جنسية معها، لكن لأنه
كذب أمام الناس جميعاً وأنكر تلك العلاقة، والكذب في العرف الأمريكي يُعتبر انتهاكا
للقانون. ولقد أدين داخل مجلس النواب ولكن لم تتم إدانته في مجلس الشيوخ كي يتم
عزله عن الرئاسة، إذ أنه وطبقاً للدستور الأمريكي، كي يتم الإطاحة بالرئيس من
البيت الأبيض يجب أن تتم إدانته من خلال المجلسين ويصوت الاثنان على الإقالة. ونفس
الشيء حدث أيضا للرئيس دونالد ترامب عام 2019، حيث أدين فقط في مجلس النواب ولم
يدن في مجلس الشيوخ..
لا أحد في أمريكا فوق القانون، رئيساً كان أم مواطناً عادياً، ثرياً كان أم
فقيراً، فإذا ما ثبت بالدليل القاطع وبعد محاكمة عادلة أن المتهم قد انتهك القانون
فلا بد من أن يأخذ القانون مجراه، وهذا ما يميز أمريكا وغيرها من الدول
الديمقراطية التي تعلو فيها قيمة العدالة عما سواها كما حدث في فرنسا أيضا مع
شيراك وساركوزي بعد مغادرتهما لقصر الإليزيه، وفي إيطاليا مع رئيس الوزراء
"سيلفيو بريلسكوني"، والرئيس البرازيلي الحالي "لويس إيناسيو لولا
دا سيلفا"، الذي قضى ثلاث سنوات في السجن بتهمة
الفساد. ولماذا نذهب بعيداً
وبجانبنا الكيان الصهيوني المغتصب لأرض فلسطين الحبيبة، وعلى الرغم من جرائمه مع
الشعب الفلسطيني وانتهاكه للقوانين والأعراف الدولية إلا أنه يتباهى بأنه الواحة
الديمقراطية في المنطقة وسط غابة مظلمة من الديكتاتوريات، ويدلل على ذلك بإيداع
رئيس الوزراء الأسبق "إيهود أولمرت" السجن بتهمة الفساد، كما أن رئيس
الوزراء الحالي "بنيامين نتنياهو" يواجه المحاكمة بثلاث تهم تتعلق كلها
بالفساد أيضا..
وعلى الرغم من مآخذنا على سياسة تلك الدول الغربية المنحازة للكيان
الصهيوني والتي تقف موقفاً معادياً لقضايانا العادلة، لكن أين دولنا العربية
بحكامها الديكتاتوريين من تلك القيمة العالية، قيمة العدالة، التي ترفع الأمم وتعز
قيمة المواطن وترفع من شأنه؟!
على الرغم من مآخذنا على سياسة تلك الدول الغربية المنحازة للكيان الصهيوني والتي تقف موقفاً معادياً لقضايانا العادلة، لكن أين دولنا العربية بحكامها الديكتاتوريين من تلك القيمة العالية، قيمة العدالة، التي ترفع الأمم وتعز قيمة المواطن وترفع من شأنه؟!
يواجه الرئيس السابق "دونالد ترامب" بأربع وثلاثين تهمة تتعلق
ثلاث قضايا منها بالتزوير في أوراق شركاته، كي لا يظهر أنه دفع عشرات الآلاف من
الدولارات قبل انتخابه رئيساً في تشرين الثاني/ نوفمبر عام 2016، لامرأتين لشراء
صمتهما وعدم الحديث للإعلام عن علاقتهما الجنسية معه. وإحداهما ممثلة الأفلام الإباحية
"ستورمي دانيالز"، التي كان على علاقة معها قبل ترشحه للرئاسة، ومنعها
باتفاق من خلال محاميه من الحديث للإعلام عن هذه العلاقة. وإذا ما ثبتت هذه التهمة
فسيكون السجن لا محالة..
أما التهم الأخرى التي لا تقل أهمية عنها مثل التدخل في الانتخابات في
ولاية جورجيا ومحاولة تغيير نتائجها، وحجز كمية كبيرة من الوثائق في بيته بفلوريدا
من دون الإفصاح عنها، ثم الدور الذي لعبه في اقتحام الكونجرس يوم السادس من كانون
الثاني/ يناير 2021، فينتظر التحقيق فيها وإذا ما ثبتت عليه تلك التهم، فإن السجن
أيضا في انتظار تشريفه له..
نفى ترامب كل هذه التهم مؤكداً أنه بريء، وعقب جلسة المحاكمة وعودته
بطائرته الخاصة إلى منزله في منتجعه بولاية فلوريدا، عاد إلى صلفه وعنجهيته، ونظم
حشداً من أنصاره ووجه لهم خطاباً متلفزاً حاول فيه دغدغة مشاعرهم بكلمات حماسية
وشعارات شعبوية قائلاً إن جريمته الوحيدة التي ارتكبها هي "الدفاع بلا خوف عن
أمتنا من أولئك الذين يسعون إلى تدميرها"، وشكك في النظام السياسي والقضائي الأمريكي،
متهماً إدارة بايدن باضطهاده، واتهم القاضي الذي مثل أمامه بالتحيز ضده وكذلك المدعي
العام "إلفين براج"، وهو أمريكي أفريقي، لأنهما يكرهانه. وقال إن كل هذه
الاتهامات ستسقط لأنها ليست تهماً بل مطاردة سياسية، وأن هناك حملة منظمة وممولة
من الحزب الديمقراطي تستهدفه، لأنه يستعد لخوض الانتخابات الرئاسية لعام 2024 وأنه
واثق من النصر، وأن هذه المحاكمة ستساعده في الوصول للبيت الأبيض..
بهذه المحاكمة، أصبح ترامب في نظر أنصاره من العنصريين الشعبويين ضحية مؤامرة كبرى من الدولة العميقة لاستبعاده عن خوض انتخابات الرئاسة عام 2024، فالتفوا حوله أكثر وزادوا من دعمهم له معنوياً ومادياً لحملاته الانتخابية المزمع انطلاقها بعد أشهر، ما أعطاه القوة على المواجهة والصمود أمام أعدائه سواءً من الدولة العميقة
يرفع ترامب وأنصاره مع كل أزمة شعارهم "اجعلوا أمريكا عظيمة من
جديد"، ولذلك حينما يسب ترامب أحد الأمريكيين السود مثل المدعي العام "براج"،
ويصفه بالحيوان، يجد أنصاره من العنصريين يلتفون حوله أكثر ويصفقون له بحرارة.
فالرجل يفهم مفاتيح عقلية الرجل العنصري حين جاء لهذه القارة واستعمرها، ويعرف كيف
يحرك القاعدة الشعبوية ومظالمها
العنصرية من المساواة في الفرص وأمام القانون.
وبهذه المحاكمة، أصبح ترامب في نظر أنصاره من العنصريين الشعبويين ضحية
مؤامرة كبرى من الدولة العميقة لاستبعاده عن خوض انتخابات الرئاسة عام 2024، فالتفوا
حوله أكثر وزادوا من دعمهم له معنوياً ومادياً لحملاته الانتخابية المزمع انطلاقها
بعد أشهر، ما أعطاه القوة على المواجهة والصمود أمام أعدائه سواءً من الدولة
العميقة بكامل مؤسساتها أو من الحزب الديمقراطي أو حتى من حزبه الجمهوري الذي يجد
أعضاؤه صعوبة في تحديه والترشح للرئاسة، لأنهم يدركون جيداً سيطرة العنصريين
المتطرفين على الحزب بميراثهم من شعارات الحقبة العنصرية القديمة، فلقد أغلق الرجل
الطريق أمام أي مرشح من الحزب..
وأخيراً هذه المحاكمة هي أكبر حملة
دعائية لترامب أمام بايدن وربما ستعبّد له الطريق للبيت الأبيض!!
twitter.com/amiraaboelfetou