صحافة دولية

هل تؤدي مجموعة البريكس دورا في إضعاف الدولار ومؤسسات النقد الغربية؟

كلما أصبحت مجموعة البريكس أكثر نجاحا ضعفت الهيمنة الغربية على الجنوب أكثر- جيتي
كلما أصبحت مجموعة البريكس أكثر نجاحا ضعفت الهيمنة الغربية على الجنوب أكثر- جيتي
نشرت مجلة "كاونتر بانش" الأمريكية تقريرا تحدثت فيه عن صعود دول البريكس كمنافس محتمل لمجموعة السبع والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وهو أمر كان يبدو بعيد المنال، ولكن أصبح له الآن آفاق حقيقية يمكن أن تغيّر خارطة توازنات السياسات العالمية.

وأوضحت المجلة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، أن مجموعة البريكس تضم البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، وقد انعقدت القمة الرسمية الأولى للمجموعة سنة 2009 وكانت المناقشة مجردة إلى حدّ كبير. ولم تبدأ دول البريكس اتخاذ خطوات جادة نحو تكامل أكبر حتى سنة 2014، عندما أطلق التحالف الناشئ "بنك التنمية الجديد" بتمويل قدره 50 مليار دولار، وبذلك أصبحت المجموعة جاهزة لاتخاذ خطواتها العملية الأولى نحو تحدي هيمنة الغرب على المؤسسات النقدية الدولية، وبالتحديد البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.

وذكرت المجلة أن الصراع الجيوسياسي العالمي الناتج عن الحرب الروسية الأوكرانية وما تلاها من تحولات، أثبت أنه القوة الدافعة وراء التوسع الهائل الجاري في دول البريكس، خاصة أن الدول القوية ماليّا بدأت تظهر اهتماما بالمبادرة، وهي تشمل الأرجنتين والإمارات والمكسيك والجزائر والمملكة العربية السعودية.

وتشير التقارير المالية الأخيرة إلى أن مجموعة بريكس هي بالفعل أكبر كتلة للناتج المحلي الإجمالي في العالم، حيث تساهم حاليّا بنسبة 31.5 في المائة من إجمالي الناتج المحلي العالمي، لتسبق بذلك مجموعة الدول السبع التي تساهم بنسبة 30.7 في المائة.

وأشارت المجلة إلى أن إحدى أعظم الفرص والتحديات التي تواجه مجموعة البريكس الآن، تتمثل في قدرتها على توسيع قاعدة عضويتها مع الحفاظ على نموها الحالي. كما تعد مسألة مساعدة الأعضاء الجدد في الحفاظ على الاستقلال الاقتصادي والسياسي أمرا حيويّا بشكل خاص.

وذكرت المجلة أن صندوق النقد الدولي والبنك الدولي يعرفان بفرض شروط سياسية على الدعم النقدي الممنوح للدول، خاصة دول الجنوب العالمي. وغالبا ما يتم تبرير هذا التدخل بحقوق الإنسان والديمقراطية، على الرغم من أنه مرتبط تماما بالخصخصة وفتح الأسواق للمستثمرين الأجانب. في المقابل، سيكون لدى البريكس القدرة على مساعدة البلدان الفقيرة، دون دفع أجندة سياسية تخدم مصالحها الذاتية، أو التلاعب والسيطرة بشكل غير مباشر على الاقتصادات المحلية.

ونظرا لأن التضخم يضرب العديد من الدول الغربية، مما أدى إلى تباطؤ النمو الاقتصادي وتسبب في اضطرابات اجتماعية؛ تسعى دول الجنوب إلى الاستفادة من هذه الفرصة لتطوير البديل الاقتصادي الخاص بها، وهذا يعني أن مجموعات مثل البريكس ستتوقف عن كونها مؤسسات اقتصادية حصرية، لتكتسب المنافسة الآن طابعا سياسيّا.

إظهار أخبار متعلقة


وأضافت المجلة أن الدولار كان أعظم سلاح للولايات المتحدة لعقود من الزمان، لكنه بمرور الوقت تحوّل إلى سلعة فعلية. وقد خاضت الولايات الحروب لضمان بقاء دول مثل العراق وليبيا ملتزمة بالدولار. وفي أعقاب غزو العراق في آذار/ مارس 2003، عادت بغداد لبيع نفطها بالدولار الأمريكي. وقد كان هذا الصراع على هيمنة الدولار مؤلمًا أيضا في فنزويلا التي تمتلك أكبر احتياطي نفطي في العالم، حيث تحولت إلى فقر مدقع لمحاولتها تحدي هيمنة واشنطن على عملتها.

وأضافت المجلة أن عملية تقليل الاعتماد على الدولار الأمريكي تجري الآن على قدم وساق، ولكنها ستستغرق بعض الوقت. في 30 آذار/ مارس، أعلنت كل من البرازيل والصين عن اتفاقية تجارية تسمح لهما باستخدام العملتين الوطنيتين، اليوان والريال، وهي خطوة ذات أهمية؛ لأنها ستشجع دول أمريكا الجنوبية الأخرى على أن تحذو حذوها، لكن هذه الخطوة لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة من نوعها.

وحسب المجلة، من أهم القرارات التي اتخذها وزراء المالية ومحافظو البنوك المركزية في رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) عقب اجتماعهم في الفترة من 30 إلى 31 آذار/ مارس في إندونيسيا، هو تقليل اعتمادهم على الدولار الأمريكي، حيث اتفقوا على "تعزيز المرونة المالية... من خلال استخدام العملة المحلية لدعم التجارة والاستثمار العابر للحدود في منطقة آسيان"، وهو ما يغير أيضا قواعد اللعبة.

وأكدت المجلة أن دول بريكس تقود هذه المهمة، ومن المتوقع أن تكون الوسيط في إعادة ترتيب خريطة الاقتصاد العالمي والأوضاع المالية. وبينما ينشغل الغرب بمحاولة الحفاظ على اقتصاداته مستقرة، فإنه يظل حذرا من التغييرات الجارية في جنوب الكرة الأرضية، لذلك تشعر واشنطن وعواصم غربية أخرى بالقلق، وهو ما يجب أن يشعروا به.

وبعد اجتماع بين الرئيس الأمريكي جو بايدن و40 من القادة الأفارقة في البيت الأبيض في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، كان من الواضح أن الدول الأفريقية غير مهتمة بالانحياز إلى أي طرف في الحرب الجارية في أوكرانيا. وقد توجهت نائب الرئيس الأمريكي كامالا هاريس إلى أفريقيا في 26 آذار/ مارس للقاء القادة الأفارقة بهدف إبعادهم عن الصين وروسيا، وهي جهود مكتوب عليها الفشل. ومن الأمثلة المثالية لرفض أفريقيا التخلي عن حيادها، ما قاله رئيس غانا نانا أكوفو أدو خلال مؤتمر صحفي مع هاريس في 28 آذار/ مارس: "قد يكون هناك هوس في أمريكا بشأن النشاط الصيني في القارة، لكن لا يوجد مثل هذا الهوس هنا".

وأشارت المجلة إلى أن اعتبار مجموعة بريكس مجموعة اقتصادية بحتة، يمثل تجاهلا لجزء كبير من القصة، حيث يشير توقيت توسع البريكس والخطاب السياسي الصارم لأعضائها والأعضاء المحتملين والحلفاء، والزيارات المتكررة من قبل كبار الدبلوماسيين الروس والصينيين إلى أفريقيا ومناطق أخرى في الجنوب العالمي، إلى أن البريكس أصبحت منصة جديدة في الجنوب للجغرافيا السياسية والاقتصاد والدبلوماسية.

وكلما أصبحت مجموعة البريكس أكثر نجاحا، ضعفت الهيمنة الغربية على الجنوب أكثر، وذلك رغم إصرار بعض السياسيين الغربيين ووسائل الإعلام على التقليل من أهمية دور البريكس في تشكيل النظام العالمي الجديد.

التعليقات (0)