دعا بروفيسور سوداني
إلى القضاء على ما وصفها بـ"مليشيا"
الدعم السريع حتى لا تتحول
السودان
إلى صومال ثانية.
وقال أستاذ الشؤون الدولية في جامعة السودان
الوطنية، ياسر زيدان، إن المعركة في السودان هي بين بقايا مؤسسات
الدولة الوطنية ضد مليشيا قبلية فاسدة أسستها ديكتاتورية البشير.
وأضاف في مقال نشرته
مجلة "
فورين بوليسي" الأمريكية إن الاحتفاظ بقوات مسلحة كبيرة مع إمبراطورية
اقتصادية مستقلة عن الدولة يهدد أي احتمال للانتقال الديمقراطي في السودان.
وفي ما يأتي ترجمة
المقال:
صباح
يوم 16 نيسان/ أبريل لم يكن صباحا معتادا في الخرطوم.
استيقظت
العاصمة السودانية على أصوات إطلاق نار كثيف وقصف بعد اشتباكات اندلعت في الليلة السابقة
بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع شبه العسكرية.
كان
الوضع خطيرا لدرجة أنني سمعت إطلاق النار والغارات الجوية بوضوح من منزلي في شرق الخرطوم.
في حين واجه السودان عدة حروب أهلية من قبل، فإن هذا الاشتباك هو الأكثر كارثية بسبب
تهديده للمدنيين ومؤسسات الدولة.
كانت
الاشتباكات الحالية متوقعة منذ فترة طويلة لأن قوات الدعم السريع احتلت موقعا غير عادي
في البيروقراطية الأمنية للدولة منذ سقوط نظام عمر البشير في عام 2019.
يعود
تاريخ قوات الدعم السريع إلى الثمانينيات، عندما قامت حكومة الصادق المهدي (الذي تولى
رئاسة الوزراء من 1986 إلى 1989) بتسليح القبائل العربية في جنوب كردفان لمحاربة الجماعات
المتمردة في الجنوب. ثم قاد البشير انقلابا عسكريا أطاح بحكومة المهدي لكنه واصل نفس
سياسة تجنيد المليشيات بين أفراد القبائل.
وقعت
آخر حلقة من تجنيد المليشيات القبلية للقتال لصالح الحكومة في دارفور، حيث واجهت الحكومة
تحديات هائلة في قتال الجماعات المتمردة هناك في عام 2003. وكانت تلك المليشيات تُعرف
باسم الجنجويد، ووفقا لتقرير للأمم المتحدة، فإنها ارتكبت جرائم
حرب بين عامي 2003 و2007.
ومع ذلك، فقد كانت أعدادهم ضئيلة إلى أن سعى البشير إلى زيادة تطوير المليشيا بعد أن هاجمت
حركة العدل والمساواة، وهي جماعة متمردة رئيسية في دارفور، الخرطوم في عام 2008.
برز
محمد حمدان دقلو، المعروف أيضا باسم حميدتي، إلى الصدارة عندما حقق نجاحات كبيرة في
القتال ضد الجماعات المتمردة في دارفور، فقط ليتم اختياره كقائد جديد لقوة جديدة حلت
محل الجنجويد. كانت المجموعة الجديدة تسمى قوات الدعم السريع ومنحت وضعا شبه عسكري.
رفضت
القوات المسلحة السودانية دمج قوات الدعم السريع في الجيش في ذلك الوقت. لذلك، فقد تم دمجها
في أجهزة المخابرات والأمن الوطنية. وفي عام 2017، تبنى المجلس الوطني قانونا ألحق قوات
الدعم السريع بالقوات المسلحة السودانية، لكنه أعطاها هيكلا مستقلا وتسلسلا قياديا
منفصلا.
علاوة
على ذلك، لم تكن قوات الدعم السريع قوة عسكرية فحسب، بل كانت أيضا فاعلا سياسيا. اعتبر
البشير أن قوات الدعم السريع هي حاميه ضد الانقلابات العسكرية التي قد تنبثق عن قوات
الأمن الأخرى. ونتيجة لذلك، فقد نمت القوة العسكرية للجماعة، لكنها طورت أيضا ذراعا مالية مستقلة عن المؤسسات المالية الحكومية. وسيطرت قوات الدعم السريع على أحد أكبر مناجم
الذهب في السودان وأنشأت شركات تقوم بتصدير الذهب مباشرة إلى الأسواق الدولية.
اظهار أخبار متعلقة
في أعقاب
انتفاضة كانون الأول/ ديسمبر، رأى زعيم قوات الدعم السريع، حميدتي، فرصة لتعزيز محفظته
السياسية والاقتصادية. وهكذا انقلب على البشير وانحاز إلى المجلس العسكري الذي أطاح
بنظام البشير في 11 نيسان/ أبريل 2019. وأصبح حميدتي نائبا لرئيس المجلس العسكري ونائبا
لرئيس مجلس السيادة بعد توقيع اتفاق تقاسم السلطة بين الجيش وقوى الحرية والتغيير (FFC).
استمر
تأثير حميدتي في النمو خلال الفترة الانتقالية. ومن الناحية المالية، أعلن عن حزمة دعم
مالي بقيمة مليار دولار للبنك المركزي السوداني في 25 نيسان/ أبريل 2019.
علاوة
على ذلك، نما نفوذه السياسي مع انتشار شائعات الانقلاب في الخرطوم. بينما كانت معظمها
مرتبطة بالإسلاميين، أشار تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز" إلى مخاوف بين أعضاء
قوى الحرية والتغيير، وهو تحالف للأحزاب السياسية التي قادت الاحتجاجات في عام
2019، من انقلاب عسكري بقيادة القوات المسلحة السودانية بدعم من قطر ومصر بشكل غير
متوقع على الرغم من تضارب المصالح. لذلك، فقد اقتربت قوى الحرية والتغيير والحكومة المدنية
من حميدتي، وعينته رئيسا للجنة الاقتصادية العليا للطوارئ.
نمت
قوة ونفوذ حميدتي في الحكومة الانتقالية، ويرجع ذلك جزئيا إلى معقل قواته في العاصمة
ومصالحه السياسية المتنامية. وتنشط قوات الدعم السريع في الحملات الإعلامية لإعادة صياغة
صورتها. قبل ثلاث سنوات، عيّن حميدتي فارس النور، الناشط البارز الذي ساعد في إدارة
اعتصام الخرطوم الشهير في عام 2019، مستشارا له. كان النور معروفا بجهوده غير العادية
لتزويد المتظاهرين بالطعام والماء خلال الاحتجاجات. بالإضافة إلى ذلك، عينت قوات الدعم
السريع شركة "ديكنز آند مادسون" القانونية الكندية للضغط على الحكومات الغربية
وإدارة حملتها لتلميع صورتها في وسائل الإعلام الدولية.
في تشرين
الأول/ أكتوبر 2021، أعلن اللواء عبد الفتاح البرهان، قائد الجيش السوداني، ما وصفه
بـ "الإجراءات التصحيحية" التي أطاحت بالحكومة المدنية لرئيس الوزراء السابق
عبد الله حمدوك واعتقلت أعضاء من قوى الحرية والتغيير. وأيد حميدتي تحرك البرهان في
خطاب متلفز أكد دعم قوات الدعم السريع لقيادة القوات المسلحة السودانية.
لكن
الخلافات بدأت في الظهور بين القوتين المسلحتين، خاصة بعد أن أطلقت بعثة الأمم المتحدة
في الخرطوم حوارا غير مباشر بين الفصيلين الرئيسيين في قوى الحرية والتغيير والقوات
المسلحة السودانية، بما في ذلك قوة حميدتي.
أعلن
حميدتي دعمه لمشروع الدستور المؤقت الذي اقترحه المكتب القانوني لقوى الحرية والتغيير.
تناقض هذا القرار بشكل مباشر مع موقف البرهان الداعي إلى دعم المبادرات التي تشمل جميع
أصحاب المصلحة السياسيين في السودان وليس فقط قوى الحرية والتغيير. علاوة على ذلك، فعندما غادر البرهان البلاد لحضور جنازة الملكة إليزابيث ملكة المملكة المتحدة، فإنه قام
مؤقتا بتفويض سلطاته الحكومية والعسكرية إلى الجنرال شمس الدين الكباشي بدلا من حميدتي،
على الرغم من أن الأخير هو الاسم الثاني في القيادة، من مجلس السيادة الحاكم، حيث مثل
البرهان القوات المسلحة السودانية، ومثل حميدتي قوات الدعم السريع.
في كانون
الأول/ ديسمبر 2022، وقع أعضاء من قوى الحرية والتغيير ومنظمات سياسية أخرى اتفاقية
نيابة عن القوى المدنية. لكن الاتفاق نص على وجوب دمج قوات الدعم السريع في الجيش.
كثفت مسألة الاندماج الخلافات بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع. واقترحت
القوات المسلحة السودانية دمج قوات الدعم السريع في الجيش بحلول نهاية السنتين الانتقاليتين.
كان موقف حميدتي هو أن الاندماج يجب أن يستغرق 10 سنوات على الأقل. ونتيجة لذلك، تصاعدت
التوترات بين القوتين مع اقتراب الموعد النهائي للاتفاق.
بعد
أيام من تأجيل الموعد النهائي في نيسان/ أبريل، حشدت قوات الدعم السريع قواتها من مناطق
مختلفة في السودان للمجيء إلى الخرطوم. وبالمثل، جلبت القوات المسلحة السودانية دروعا
ودبابات ثقيلة إلى الخرطوم لمواجهة أي هجوم محتمل من قبل قوات الدعم السريع. وأقام
الجيش جدارا خرسانيا حول مقره، ما أظهر توقعه لهجوم وشيك داخل العاصمة، الأمر الذي
أثار استعداء قيادة الدعم السريع.
أحدث
نقطة توتر حدثت الأسبوع الماضي، عندما نشرت قوات الدعم السريع قوات لتطويق قاعدة مروي
الجوية في شمال السودان. وأدان الجيش قوات الدعم السريع لاتخاذها هذه الخطوة دون التنسيق
مع قيادة القوات المسلحة السودانية.
بعد
ثلاثة أيام، تصاعدت التوترات إلى مواجهة شاملة في شوارع الخرطوم. وذكرت تقارير من قوات
الدعم السريع أن الرصاصة الأولى أطلقت في أحد معسكرات قوات الدعم السريع جنوب الخرطوم.
ومع ذلك، فإن الهجمات المنسقة لقوات الدعم السريع على مقر إقامة البرهان ومطار الخرطوم
الدولي وقاعدة مروي تظهر أن حميدتي كان يخطط لتدبير انقلاب ضد القوات المسلحة.
اظهار أخبار متعلقة
تُظهر
خطوة حميدتي الأخيرة للاستيلاء على السلطة التهديد الذي تجسده قوات الدعم السريع ضد
وجود الدولة السودانية. وذكر أنه خاض الحرب حفاظا على التحول الديمقراطي في السودان.
ومع ذلك، فإن الاحتفاظ بقوات مسلحة كبيرة مع إمبراطورية اقتصادية مستقلة عن الدولة
يهدد أي احتمال للانتقال الديمقراطي في السودان. علاوة على ذلك، فقد طورت قوات الدعم السريع
علاقات خارجية مستقلة. ليس سرا أن حميدتي حافظ على علاقات قوية مع الجنرال خليفة حفتر
في ليبيا ومجموعة "فاغنر"، القوة شبه العسكرية الروسية.
تؤكد
النظريات الأساسية لتشكيل الدولة أن الدولة يجب أن تتمتع باحتكار الاستخدام المشروع
للقوة. لذلك، فإن وجود مليشيا قبلية قوية تأسست من منطلق المصالح الشخصية والسياسية
للبشير يشكل تهديدا لاحتكار الدولة للعنف؛ وبالتالي الدولة نفسها.
ستكون
أفضل نتيجة للحرب الجارية هي قضاء القوات المسلحة السودانية على قوات الدعم السريع
لمنع سيناريو صومالي ثان - حيث يتنافس المسلحون منذ فترة طويلة مع الدولة للسيطرة
- في منطقة مضطربة.
لذلك،
يجب على الفاعلين الدوليين والإقليميين تجنب معالجة القتال في السودان على أنه قتال
بين جنرالين. بدلا من ذلك، إنها معركة بين بقايا مؤسسات الدولة الوطنية ضد مليشيا
قبلية فاسدة أسستها ديكتاتورية البشير.