نشرت مجلة "
إيكونوميست" البريطانية تقريرًا، تطرقت فيه إلى طبيعة العلاقات بين "إسرائيل" والولايات المتحدة ، وكيف أصبحت قضية حزبية في هذا البلد.
وقالت المجلة، في تقريرها الذي ترجمته "
عربي21"، إن "الشراكة التي استمرت 75 سنة بين أمريكا وإسرائيل، تنبع جزئيًا من صداقة بين رجلين فقط. فبعد اندلاع الحرب العالمية الأولى؛ جُنِّد إدوارد جاكوبسون، وهو نجل لأحد المهاجرين الليتوانيين في مدينة كانساس (ولاية ميسوري)، بوحدة مدفعية، وهناك لفت انتباه ملازمه الذي أشاد به في رسالة بعثها لخطيبته. ذلك المجند كان يهوديًا؛ وذلك الملازم لم يكن سوى هاري ترومان، الذي صار فيما بعد رئيسًا للولايات المتحدة.
أصبح الرجلان مُقربَيْن جدًا من بعضهما البعض، لدرجة أنهما أسّسا بعد نهاية الحرب محلًا باسم "ترومان وجاكوبسون"، وهو محل خردوات في مدينة كانساس سيتي، وازدهر نشاطهما إلى أن عصف به الكساد العالمي، ومع ذلك لم يؤثر ذلك الانهيار التجاري على صداقتهما، كما أنه لم يؤثر التباين الكبير لاحقًا في حياتهما المهنية، حيث أصبح جاكوبسون بائعًا متجولًا، بينما بدأ ترومان صعوده السياسي غير المتوقع.
ولفتت المجلة إلى أنه مع اقتراب نهاية الانتداب البريطاني على
فلسطين في أيار/ مايو 1948؛ كان الرئيس ترومان يميل إلى دعم التقسيم الذي من شأنه أن يخلق وطنًا لليهود. لكن وزارة الخارجية عارضت الفكرة، وشعر الرئيس نفسه بالإهانة من خلال الضغط من
اليهود المدافعين عن إقامة الدولة. وحينها، أبحر حاييم وايزمان، الرجل الأول للدولة الصهيونية آنذاك، إلى أمريكا للنظر في القضية، لكن الرئيس ترومان رفض رؤيته، فجاء دور صديقه جاكوبسون.
لم يسبق وأن طلب جاكوبسون خدمة من صديقه "الرئيس"، لكنه هذه المرة طار من مدينة كانساس وسافر دون موعد لملاقاة ترومان، وهو اللقاء الذي وصفه جاكوبسون لاحقًا بالأخوي، كما كان دائمًا.
وبينًت المجلة أن جاكوبسون كان قد وجّه نداءً حماسيًا للسيد وايزمان، قبل أن يطلب من ترومان مقابلته، وبعد تفكير وافق على ذلك، قائلًا لصديقه: "جاكبسون.. أنت تفوز".
في لقائه مع ترومان؛ حصل وايزمان على غايته التي كان يأمل في تحقيقها. وعلى الرغم من أن الموقف العام للإدارة الأمريكية سيتغير، إلا أن ترومان لم يتردد في الإعلان، ففي 14 أيار/ مايو 1948، أصبحت أمريكا أول دولة تعترف بالدولة اليهودية، وقال ترومان نفسه إن دور جاكوبسون كان "حاسمًا".
وبحسب المجلة؛ فقد تمت صياغة نمط للعلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل: علاقة ظلت دائمًا مغلقة ونادرًا ما يسهل فتحها والوصول إلى خباياها، والرئيس جون كينيدي هو الوحيد الذي هدد بمراجعة الالتزامات الأمنية الأمريكية تجاه إسرائيل بسبب رفضها السماح بتفتيش مفاعلها النووي في ديمونا، ثم كان هناك نوع من عدم تقارب الرؤى في عهد الرئيس جورج دبليو بوش، حيث إنه بعد أقل من شهر على هجمات الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر 2001، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي، أرييل شارون، إن الرئيس جورج دبليو بوش خاطر باسترضاء "العرب" كما استرضت أوروبا هتلر.
حاليًا؛ وإن عرفت العلاقات بعض الجمود بين الرئيس جو بايدن ورئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي، بنيامين نتنياهو، ورغم أنه لام نتنياهو في آذار/ مارس الماضي لسعيه لتقويض المحكمة العليا الإسرائيلية، إلّا أن بايدن لم يُظهر أي ضغط على إسرائيل. لذلك، وبعد 75 عامًا فإن اختلاف الرؤى المتزايد بين إسرائيل وأمريكا ليس بين الحكومتين، بل إنه أعمق من ذلك.
وذكرت المجلة أن هذا الجدل يرجع إلى احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة في حرب "الأيام الستة" سنة 1967. لكن نكران الحقوق الأساسية للفلسطينيين، والاستقطاب الأمريكي والاحتضان المتبادل بين نتنياهو ودونالد ترامب، كل ذلك جعل هذا التعاطف مع فلسطين هو الرأي السائد بين الديمقراطيين. ففي آذار/ مارس الماضي؛ ذكرت شركة التحليلات والاستشارات الأمريكية "غالوب" أن تعاطف الديمقراطيين قد تحول إلى الفلسطينيين لأول مرة منذ في سنة 1988.
اظهار أخبار متعلقة
بلاد غريبة
وأفادت المجلة بأن معارضة اليسار الأمريكي لسياسات إسرائيل تمتد إلى طبيعة الدولة ذاتها، حيث يرى العديد من التقدميين، بمن فيهم اليهود، تناقضًا بين النضال من أجل ديمقراطية متعددة الأعراق في الداخل وبين دعم دولة يهودية في الشرق الأوسط. ويرى العديد من اليهود التقدميين الشباب أن "القومية المسيحية البيضاء" هي شكل من أشكال الإثنوقراطية التي توازي الصهيونية، كما يقول بيتر بينارت، وهو ناقد لإسرائيل، كان تطوره الفكري على مدى السنوات الخمس عشرة الماضية يتمحور حول تبني الرأي "اليساري" والدفع به إلى الأمام.
وبينت المجلة أن واحدًا من كل أربعة يهود أمريكيين يوافق بالكامل على العبارة القائلة إن "إسرائيل دولة فصل عنصري"، وفقًا لاستطلاع أجراه معهد الانتخابات اليهودي في سنة 2021، وأيد واحد من كل خمسة تسوية الصراع من خلال إنشاء دولة واحدة.
وقال أحد كبار مستشاري شارون ذات مرة عن اليهود الإسرائيليين والأمريكيين: "نحن ننتقل من كوننا إخوة إلى أبناء عمومة، وفي الجيل القادم سنكون أبناء عمومة بعيدين، ولدينا بعض الإحساس بالتاريخ المشترك"، وهي ملاحظة أدلى بها منذ ما يقرب من جيلٍ من الزمن.
وختمت المجلة تقريرها بالقول إن جاكوبسون لم يعتبر نفسه صهيونيًا، لكنه كان متأثرًا بالهولوكوست، وذلك علامة على أن الجدل القديم كان دائمًا يتمحور حول "أين يمكن لليهود أن يكونوا آمنين؟": في الأراضي المحتلة في مواجهة ضغوطات العرب، أم في أمريكا في مواجهة ضغوطات اليسار، أم أيضًا فى كل مكان يُهدد فيه اليهود من خلال معاداة السامية؟!