مذبحة عيون قارة في 20 أيار/ مايو 1990، حيث قتل فيها
ثمانية عمال
فلسطينيين.
"سبع دورات حول أريحا ثم تدخلونها". من يومها
ما فتئ يتردّد في الآذان صدى سورٍ يتهاوى في الزلزلة، وانكشف صدر المدينة لألسنة نيران
تتشظى في عيون هولاكو الذي -بعد- لم يولد. نظر إلى المدينة وأوعز:
أسرجوا خيول غزوتنا. "الربُّ رجل
الحرب".
وعُلّقت الدماء على الأبواب كي يهتدي بريحها.
"كل ما بعد وعد الإله سقط أوهاماً، فلتنحنِ كل
الكلمات لقبورها الأثيرية".
قدم واهنة لمّا تزل تجترح الخطوَ بين أنقاضٍ دفينة.
ترتجّ الذاكرة. وفي عتمة مطبقة يتردد نقر خطوة وحيدة قد أوغلت في الشتات حتى وهن
ذكر البداية، إذ لم يزل كهنةٌ يتناوشون في عمر المملكة الأولى. أشاح ولم يصخ، شدّ
يده على الحديد. بارد مثل عظمة يحاصرها القبر، بارد ورهيب.
يذكر كاهن قريته البعيدة، هَرِمٌ تنضح أعطافه بليل من
التاريخ، جاب خلاله سنين واجتث أوراقا من هبائه العظيم، خلُصت إلى يده وعود قد
أرهقها النسيان، فذابت مثل ملح وغاضت مع جيل قديم، لكنّه -غير ضائق باستكانتهم-
هلّل وبشّر بعوْدٍ قريب، وامتطى أنين الصدور تهصُره جدران "الجيتوات".
عالية كانت في السماء، فانقسم العالم إلى قسمين، وارتدّ الأنين مرة بعد أخرى،
فابْتنى الكاهن مركبته، وتقلّد كلمات الرب، فـ"الربّ رجل الحرب"،
والكاهن عن كلمات الربّ لا يحيد.
"لِنارِ التّتار تميُّز غليظ. قد أهلكنا المدائن
وهذه الأجساد مستباحة للهيب شهوتنا. هي الحرب قد طغت دورتها، فلا فجوة نخلّفها بعد
بعثنا الجديد".
الموت تفصله عن الفراش خطوة، يستند بظهره، ويمسح عرق
حلم كئيب، ترتطم كفّه بقطرة من جليد، لا يذكر البكاء لكنها قطرة من جليد!
قبل النور تمتد ذراعه وتجوس في ظلمة الغرفة، يضمّ
السلاح، وتنفرج في خاطره فجوة، يتناهى لسمعه وقع قدمٍ واهنةٍ تجترح الخطوة، لكن
ليس موطئا لـ"جوييم"!
وليس شقاً في الظهر لشتات جديد.
لا تعلقوا دماء ذبائحكم على الأبواب فأنا أعرف بيوت
المدينة، لكنهم من شوارعها يتسرّبون، يسطون على هوائها، يقبّلون ورودها، وقد
يتعشّقون -في غفلة آتية- نساءها.
يعتمر قلنسوة سوداء بمساحة الكف، يضمّ إلى جنبه سلاحه،
ومع أول خيوط الفجر ينسلّ إلى ساحة المدينة القريبة.
كانوا مع النّدى يتهامسون يرقبون قادماً يشتري عرقهم،
فالأفواه الصغيرة فاغرة في الانتظار.
يغرز في الرصيف سلاحه، ومتكئ عليه يقلب أنظاره فيهم: "بشرٌ
باهتون".
- ويرددها ضمن غمغمة:
"لا مكان لهزل، فهم كالعلّيق يكثرون ويمتدون، قد
يصلون البحر ذات يوم". تسدّ الصدر شهقة عاتية وتغطي العين عتمة مطبقة، ويتردد
في الرأس صدى خطوةٍ تائهة.. "أطلقْ..".
تنساح الدماء، والذي غادر في هزيع الليل الأخير كي
يتمّ البسمة، حل مكانه جسد مثقوب، وعشّشت في الصدور الصغيرة حرقة وداع بلا لقاء.