مقالات مختارة

الرجل الذي يتجرأ على بوتين

إلياس حرفوش
عربي21
لم تعد هناك حاجة إلى إرسال جواسيس إلى داخل الفرق العسكرية الروسية لمعرفة حجم تجهيزاتها وقدراتها العسكرية، ومواقع الخلل التي تصيبها، والتي يمكن أن يستفيد منها أعداؤها. ولم يعد الأوكرانيون في حاجة إلى أجهزة استطلاع لمعرفة ما يجري خلف خطوط القتال، شبيهة بتلك الوسائل التي كانت بدائية مقارنة بما هو متوفر اليوم، التي كانت تستخدمها قوات الحلفاء في الحرب العالمية الثانية لمعرفة خطط وتحركات القوات النازية.

اليوم تكفي متابعة تصريحات «الرفيق» يفيغيني بريغوجين، هذا الكنز الثمين الذي يمدّك بما تحتاج إليه من معلومات عن الانهيارات الحاصلة داخل قيادة القوات الروسية، عن نقص الإمدادات، عن فشل وزارة الدفاع في إدارة الحرب، عن كبار الضباط الروس «المنتفخي البطون»، حسب وصف بريغوجين، الذين لا يأبهون بأعداد الجنود الذين يُقتلون على خطوط الجبهة في باخموت، وسواها من الجبهات التي تغرق فيها قوات بوتين.

يمكن أن تأخذك نظريات المؤامرة إلى افتراض أن بريغوجين لا يمكن إلا أن يكون «عميلاً» لفلودومير زيلينسكي! و«الدليل» على ذلك بسيط؛ إذ لا بد أن يكون في متناول السيد بريغوجين، زعيم مجموعة «فاغنر»، طرق أخرى لإيصال ملاحظاته على الأداء الذي يعدّه فاشلاً للجيش الروسي، غير التصريحات العلنية، التي تخدم الأعداء ولا تسرّ الحلفاء.

بريغوجين كان معروفاً (ولا أدري إذا كان لا يزال) من أكثر السياسيين الروس صلة بالرئيس بوتين. كان يوصف بأنه «طبّاخ الرئيس»؛ لأنه كان يملك سلسة من المطاعم في موسكو وسان بطرسبورغ تعد المأكولات للحفلات التي كان يقيمها سيد الكرملين. بل إن مجموعة «فاغنر» التي يقودها كان متعارفاً على وصفها بأنها «جيش بوتين الخاص». هل انقطع هذا الاتصال اليوم مع بوتين، أم أن بريغوجين أضاع رقم الرئيس الروسي، ولم تعد لديه وسيلة لإيصال صوته إلا عبر التصريحات المرتفعة النبرة، التي لا تبشر بخير لمستقبل «العملية الخاصة» التي يقودها زعيم الكرملين منذ 15 شهراً لتحرير أوكرانيا من أهلها «النازيين»؟

قبل يومين أعلن بريغوجين أن فرقة كاملة من الجيش الروسي تخلت عن مواقعها (هو استخدم تعبيراً لا يصلح للنشر) في باخموت، وتركت رجاله وحدهم بعدما قتل منهم 500 رجل. وقال إن قواته لم تتسلم سوى 10 في المائة من حاجاتها إلى الذخيرة التي طلبتها لمواصلة القتال.

قال أيضاً إن الأوامر جاءتهم بعدم إخلاء مواقعهم في باخموت، هذه المدينة المحاصرة التي تشهد قتالاً ضارياً منذ أشهر عدة من دون أن يستطيع الجيش الروسي وقوات «فاغنر» التي تقاتل هناك السيطرة عليها. قالت لهم القيادة الروسية إن أي تراجع سيُعدّ «خيانة للبلاد». رد بريغوجين على التهديد بأن «الخائن هو من يرفض توقيع الأوامر بتزويدنا بالأسلحة التي نحتاج إليها». أرفق ذلك بشريط فيديو يظهره وسط جثث مقاتلين من مجموعته سقطوا في تلك المعارك. ووصل سقف انتقاداته إلى من سماه «العرّاب» الذي يعطونه انطباعاً أن كل شيء على ما يرام بالنسبة إلى روسيا في حرب أوكرانيا.

دارت تساؤلات كثيرة عن هوية هذا «العرّاب» الذي يقصده بريغوجين، مع أن المعروف أن هناك «عرّاباً» واحداً يُصدِر الأوامر المتعلقة بالحرب وبكل أمر آخر في روسيا ويقيم في الكرملين. وصفه زعيم «فاغنر» بأنه «صاحب رأس فارغ»، وقال ماذا سيكون مستقبل أولادنا وأحفادنا ومستقبل روسيا إذا كان «العرّاب» هو صاحب هذا الرأس؟

لا حاجة إلى القول إن لا أحد في روسيا يجرؤ على مثل هذه الانتقادات لرأس الهرم في القيادة ويبقى من دون عقاب. معارضون يقبعون لأعوام طويلة في سجون تذكّر بالمعسكرات التي سجلها ألكسندر سولجنستين في تحفته «أرخبيل الغولاغ». جنرالات في الجيش كانوا يقودون المعركة تم استبدالهم لأنهم أدلوا بمواقف معارضة لخطط بوتين، أو أن أداءهم لم يعجبه، كما حصل مع الجنرال سيروفيكين، الذي تم استبعاده في يناير (كانون الثاني) الماضي، وتم تعيين الجنرال غيراسيموف رئيساً للأركان. غير أن غيراسموف ووزير الدفاع شويغو لم يسلما أيضاً من انتقادات زعيم «فاغنر»، الذي يتهمهما بالفشل وبسوء إدارة الحرب.

من أين تأتي قوة يفيجيني بريغوجين التي تسمح له برفع سقف الانتقادات إلى هذا الحد؟ في التقارير، أن جيش «فاغنر» المؤلف في أكثريته من المرتزقة هو من أشرس الوحدات التي تقاتل إلى جانب القوات النظامية الروسية. هذه المجموعة التي يقدّر الأميركيون عدد عناصرها بخمسين ألف مقاتل في أوكرانيا هي التي خاضت المعارك الحاسمة التي انتهت بالسيطرة على الأقاليم الشرقية الأربع في منطقة الدونباس، التي ضمها بوتين إلى روسيا. كما أنها سهّلت لبوتين الدعم العسكري الذي قدمه للرئيس السوري بشار الأسد، والذي سمح بأحداث انقلاب في ميزان الحرب بعد عام 2015. «فاغنر» توسع نشاطها ومعها يمتد النفوذ الروسي أيضاً إلى ليبيا والسودان ومالي وجمهورية أفريقيا الوسطى وسواها؛ وبسبب هذا التمدد باتت مجموعة «فاغنر» على لائحة التنظيمات المطروحة لتصنيفها «إرهابية» من جانب الاتحاد الأوروبي وبريطانيا.

بوتين يحتاج إلى مجموعة «فاغنر»، ويحتاج إلى المحافظة على علاقات جيدة مع صديقه القديم بريغوجين. لكن ارتفاع سقف الانتقادات للحرب وللقيادة يمكن أن يغري أصوتاً أخرى داخل روسيا برفع صوتها أيضاً. وهذه مسألة لا يمكن أن يسكت عنها زعيم الكرملين.

الشرق الأوسط
التعليقات (5)
ناقد لا حاقد الى اسامة
الخميس، 24-08-2023 06:34 ص
رد على بعض الاسماء التي ذكرتها : كيم جونج مثله مثل الصنيين لا يمكنهم ان يكونوا مع العرب او المسلمين و اسرل من يدعم في نظام بورما ...الهالك القذافي نهب ليبيا وامواله مازالت ليومنا هذا في اوروبا ... صدام حسين بنى لنفسه تماثيل في تذكير للجاهلية و لم ننسى جرائم ابنائه ضد الشعب العراقي و الاكثر من هذا ابنته رغد مازالت تدعم في بعض الدكتاتوريات مثل ابن المقبور سيف الاسلام القذافي في ليبيا .... اقرأ التاريخ .... كل من يدعي أنه يعادي امريكا و هو دكتاتوري يخدم في مصالحها بشكل او بشكل آخر ، حفتر صاحب الجنسية الامريكية تدعمه روسيا عدوة امريكا ههههه
اسامة
الأحد، 14-05-2023 08:03 ص
كتاب عرب او كتاب بالعربي .. لا يجدون عبارات فضفاضة تغني غرورهم .. الا بما يتوافق مع توجهات الغرب .. الغرب شوه سمعة قادة وزعماء عرب وغير عرب .. وعلى فكرة هناك نوعان من الدكتاتورين في العرف الغربي .. دكتاتور ينفذ رغبات واشنطن .. فهو دكتاتور موجب .. ودكتاتور عكس ذلك لذا فهو يلقب دكتاتور سلبي .. وعموما كتاب العرب انجرفوا بلا وعي مع التوجهات الغربية ونظرتها للزعماء .. فعربنا يشتمون كيم جونج لان الغرب شتمه مع انه مؤيد للقضايا العربية .. وقبله هتلر وموسيليني وصدام والقذافي .. يشتمون بأقذع العبارات زعماء مؤيدين للمواقف العربية لكن عربنا لا يرون الصح الا كما يراه الغرب .. مجموعة فاغنر ورئيسها بروقيجين يتنافسون على مناصب في الجيش الروسي .. ينافس القادة الروس وهو جاهل لكن بوتن يترك له العنان طالما هو يؤدي واجبا قذرا في الميدان من اجل المال لا الاوطان .. يعني هو اجير بالمال لذا لا ينطبق عليه قوانين الخيانة العظمى .. يا كتابنا شوي من التفكير وارضنا مليئة بالاحداث ولا يتطرقون لها لانها ليست في موازين القوى او الاهتام الغربي ..
ناقد لا حاقد
الجمعة، 12-05-2023 10:53 ص
بوتين هو ببساطة واحد من أكبر المجرمين في العالم ونظامه هو الأكثر استفزازًا ويدعم الديكتاتور فقط ، والآن سياسته الجديدة هي نشر الفوضى وخلق الصراعات في جميع أنحاء العالم والكثير من البلدان الأفريقية تشهدها وتعاني بسبب منظمة بوتين الإرهابية مثلجمهورية إفريقيا الوسطى وليبيا وحتى السودان ، يكفي عندما نرى ونسمع أو نقرأ عن كون الإمارات العربية المتحدة ليست مجرد حليف ولكن أيضًا شريك لبوتين في خططه المدمرة.
السيد الشريف
الجمعة، 12-05-2023 07:19 ص
ماذا جنينا من محاباة الغرب ، ألم تنهشنا أنيابهم و تجرحنا مخالبهم قبل الروس و بكثير .. لذلك إذا كان بوتن عرابا فغيره من القادة أحق بالتهكم و السخرية و الاحتقار كذلك .
مصري
الجمعة، 12-05-2023 06:01 ص
هذا نظام المافيا العسكري مثل أي عصابة إجرامية لا تهتم بالقانون أو الدستور و تحقق أهدافها من خلال إجراءات قانونية لكن تحقق أهدافها بالسلب و النهب و لكل مافيا اماكن تفرض عليها سلطاتها و هذا يفهمه بوتين و اي ديكتاتور مثل السيسي الذي اندهش ممن كانوا يقولون بشرعية مرسي رحمة الله عليه مثل ما يندهش أي خاين عن سؤاله عن شرعية افعاله