حذر من خطورة تهميش القضية واحتواء الحركة الوطنية
الانقسام الفلسطيني فخ خطير يتعمق باستمرار
زوال إسرائيل سيحدث إذا توفرت شروط زوالها مثل أي استعمار
إسرائيل تعيش مأزقا ليس ببسيط وتصدر أزمتها إلى الخارج
حذر من نكبات جديدة.. علينا تطوير رواية فلسطينية لتوفير المعرفة
طالب بملاحقة بريطانيا لمشاركتها في نكبة الشعب الفلسطيني
إسرائيل مشروع عالمي لا يستهدف الفلسطينيين وحدهم
تحدث سياسي وباحث فلسطيني بارز عن الواقع الخطر الذي تمر به فلسطين والقضية الفلسطينية التي تتعرض للتهميش ومحاولة احتواء الحركة الوطنية الفلسطينية، إضافة إلى
مخاطر وجودية تهدد القضية.
وبمناسبة مرور 75 عاما على نكبة الشعب الفلسطيني، أجرت صحيفة "عربي21" حوارا مع الخبير السياسي هاني المصري، وهو مدير عام المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الاستراتيجية "مسارات"، الذي حذر من خطورة غياب "استراتيجية ورؤية فلسطينية موحدة، في ظل منافسة داخلية تطغى على الصراع مع
الاحتلال".
ورأى في حواره، أن الخطر الكبير الذي يهدد مستقبل القضية الفلسطينية يتمثل في محاولات "تهميش القضية واحتواء الحركة الوطنية"، مؤكدا أن الاحتلال ماض في "ضم الضفة الغربية وتعميق تهويد وأسرلة القدس".
اظهار أخبار متعلقة
وانتقد سلوك قيادة السلطة الفلسطينية "المتنفذة" التي تسعى إلى إعادة إنتاج فشلها، بالرهان على مشروع التسوية مع الاحتلال الذي ثبت فشله، لافتا إلى أن لدى الشعب الفلسطيني وقيادته "فرصة تاريخية لم تستغل، مع مجيء هذه الحكومة الإسرائيلية اليمينية، في ظل تغيرات كبيرة تجرى في المنطقة يمكن أن تكون في صالحنا".
وأكد أن "إسرائيل تعيش في مأزق ليس ببسيط وتعيش في وضع غير قابل للحل، وهي إلى زوال إذا توفرت شروط زوالها"، وقال: "نحن في وضع صعب جدا، لكن هناك فرص كبيرة يجب استغلالها".
وحذر الباحث البارز، من تعرض الشعب والقضية الفلسطينية لنكبات جديدة في حال لم يتم القيام بما يجب القيام به، مضيفا أن "من الممكن أن تكون هناك نكبة جديدة وممكن أن تكون هناك بداية الانتصار التاريخي والعد العكسي لإسرائيل، وكلاهما موجود، مع التأكيد على أهمية العامل الفلسطيني، الذي هو القاطرة التي تقودنا إلى ما نريد".
وشدد على أهمية العمل على "تقييم التجربة الماضية واستخلاص الدروس والعبر وألا نعيد إنتاج الأخطاء والرهانات السابقة"، مؤكدا أن المجتمع الدولي شريك في ما حدث من نكبة للشعب الفلسطيني.
وفي ما يأتي نص الحوار:
بعد 75 عاما من النكبة، فلسطين لم تتحرر من الاحتلال.. كيف ترى واقع القضية الفلسطينية؟
الحركة الصهيونية استطاعت تحقيق الكثير من أهدافها، وهذا لا يمكن إنكاره؛ بقيام "إسرائيل" واحتلال 1967 ومحاولتها شق الطريق لضم الضفة الغربية المحتلة وتعميق تهويد وأسرلة القدس، والأهم هو تهميش القضية الفلسطينية واحتواء الحركة الوطنية الفلسطينية، وهذا أخطر من كل ما سبق، وخاصة بعد وقوع الانقسام الداخلي الذي يعتبر أحد نتاجات أوسلو؛ وهذا فخ خطير وقع فيه الفرقاء الفلسطينيون، وهذا خطير للغاية لأنه يتعمق باستمرار. وما دام هناك انقسام؛ فلا وجود لاستراتيجية موحدة وهناك ردود فعل، مع منافسة داخلية تطغى على الصراع مع العدو الخارجي.
والأهم؛ أنه لا توجد لدينا ونحن موحدون لا متفرقون رؤية فلسطينية، والقيادة الفلسطينية المتنفذة ومعسكرها يراهنون منذ زمن على ما ثبت فشله ويعيدون إنتاجه، والانتظار هو ما يميز هذه السياسية. والطرف الثاني؛ المقاومة، أين هي استراتيجيتها ورؤيتها؟ وما هو برنامجها؟ التبشير بالمقاومة والدعوة للتحرير لا يكفي أبدا، وردود الفعل على ما يقوم به الاحتلال والتركيز على السلطة في غزة، هذه مشكلة، هل هو مع محور المقاومة أم ضده؟
اظهار أخبار متعلقة
من هنا، يجب أن يتم وضع رؤية واضحة، في ضوئها يتم وضع استراتيجيات وخطط، فالأوضاع تتطور، ومع مجيء هذه الحكومة الإسرائيلية اليمينية، هناك فرصة تاريخية أمام الفلسطينيين وقضيتهم، لم تستغل حتى الآن، خاصة أنها تأتي في سياق تغيرات دولية وإقليمية تساعد جدا الفلسطينيين؛ على الأقل، أن أمريكا في الوضع العالمي الجديد لم تعد هي القطب الأحادي المسيطر على العالم، ربما يكن هناك ثنائية أو تعددية، وإذا لم تكن أفضل فلن تكون أسوأ بالنسبة للوضع الفلسطيني، كما أن العلاقات في الإقليم تتغير.. العلاقات مع إيران والسعودية وتركيا وغيرها.
هناك تغيرات كبيرة تجرى في المنطقة يمكن أن تكون في صالحنا إذا عرفنا كيف نستفيد منها، ولكن في حال خفنا منها أو بقينا ننتظر دون أن نفعل نحن شيئا يجعلهم راغبين في أن يأتوا إلينا، فيمكن أن تضيع هذه الفرصة، فكون إسرائيل في أضعف حالتها اليوم، لا يعني أنها لم تعد قوية وقادرة على العدوان، فلا معنى أن ننتظر انهيار إسرائيل وحدها.
المنظومة الدولية برئاسة أمريكا لن تسمح بانهيار إسرائيل، رغم أن زول إسرائيل سيحدث إذا توفرت شروط زوالها مثل أي استعمار في التاريخ، ولكن ليس بهذا التبسيط، وبالتالي فإن هناك مخاطر كبيرة ووجودية تهدد القضية الفلسطينية وهي في وضع سيئ، وهناك فرص يمكن أن تنقذها، لدرجة بدء العد العكس. فإسرائيل تعيش في مأزق ليس ببسيط، وهي تعيش في وضع غير قابل للحل، ولكن قادرون على التعايش معه والوصول لبعض التسويات المؤقتة، وأن يصدروا أزمتهم الداخلية إلى الخارج. ولك أن ترى أن الكل الإسرائيلي – المعارضة والصحافة والرأي العام - موافق على جريمة الجيش الإسرائيلي في غزة. والخلاصة؛ أننا في وضع صعب جدا ولكن هناك فرص كبيرة يجب استغلالها.
اظهار أخبار متعلقة
هل الشعب الفلسطيني مقدم على نكبة جديدة في ظل حكومة الاحتلال اليمينية؟
كلامي السابق يتضمن ذلك، في حال لم نقم بما علينا، هناك من ينتظر أن يتفق مع إسرائيل بشكل مباشر، وهناك من ينتظر أن يتفق معها بشكل غير مباشر، والبعض يرهن حاله بمتغيرات إقليمية ودولية بالكامل.. أمريكا أو إيران، من المهم أن نتحالف أو نتعاون مثلا مع محور القدس، لكن علينا أن ندرك أن القضية الفلسطينية ليست أولوية بالنسبة له، وفي حال تم التوصل لتسوية كبرى في المنطقة فلن يكون الدعم للمقاومة بذات الطريقة السابقة، وبالتالي فإن من الممكن أن تكون هناك نكبة جديدة وممكن أن يكون هناك بداية الانتصار التاريخي والعد العكسي لإسرائيل، وكلاهما موجود، مع التأكيد على أهمية العامل الفلسطيني، الذي هو القاطرة التي تقودنا إلى ما نريد.
كيف يمكن الاستفادة من إحياء ذكرى النكبة؟
يتم تقييم التجربة الماضية واستخلاص الدروس والعبر وألا نعيد إنتاج الأخطاء والرهانات السابقة، ونعتبرها بداية جديدة، خاصة أن هناك آمالا. إسرائيل في أزمة بنيوية، فالتفاؤل المتوفر لدي الآن لم يكن قبل 4 أشهر، رغم أن لدي تفاؤلا تاريخيا بأن إسرائيل ستنتهي؛ لكن هذا يمكن أن يحدث بعد 100 عام أو أقل، نحن ننتظر الذي لن يأتي، لذا فإن علينا أن نعمل ونبادر.
ما هي رؤيتك لطريقة تعامل القوى العالمية مع النكبة الفلسطينية؟
القوى العالمية أعطت شرعية لإسرائيل بالقرارات الدولية، في الوقت الذي كانت فيه الدول العربية بعضها مرتهن لبريطانيا والبعض لفرنسا، وهذه القوى تنتقد احتلالها واستيطانها دون فرض عقوبات عليها أو مساءلة أو محاصرة، وبالتالي فإسرائيل تتوسع.
المجتمع الدولي شريك بما حدث، ولكن ليس بذات الدرجة، وهنا يجب أن نستغل الإمكانيات المتوفرة في الوضع الدولي، ولكن بدون الرهان والتعويل عليها، ومن الجيد أن هناك قرارات دولية تدين الاحتلال وأخرى انتصرت قانونيا في محكمة لاهاي، مع وجود إمكانية لمراجعتها في المحكمة الجنائية الدولية، وهناك قرارات دولية على الأقل انتصرت لحق من الحقوق الفلسطينية، وهذا لن يحرر البلاد ولكن من الممكن أن نستفيد منه.
اظهار أخبار متعلقة
ماذا يقع على عاتق بريطانيا التي ساهمت في نكبة الشعب الفلسطيني من مسؤوليات؟
بريطانيا عليها مسؤولية خاصة، لأنها ليست فقط الدولة التي أعطت وعد بلفور ودولة الانتداب التي مكنت العصابات الصهيونية من تحقيق إقامة إسرائيل (على أرض فلسطين)، هي تواصل دعم إسرائيل حتى الآن، بالتالي فإن عليها مسؤولية خاصة؛ ليست فقط بالاعتذار، ولكن بتحمل أعباء وتبعات مواجهة إسرائيل وتعويض الفلسطينيين؛ قانونيا وسياسيا وماديا. وبالتالي، فإن جزءا من العمل الفلسطيني يجب أن يكون ملاحقة بريطانيا.
هناك تواجد كبير للفلسطينيين في الخارج وخاصة في أوروبا، ما الدور المنوط بهم؟
الشعب الفلسطيني في الشتات وفي أوروبا ومخيمات اللجوء، هم قرابة نصف الشعب الفلسطيني، وهذا رأس مالنا لا يمكن إهماله. بالتالي، فإنه يجب تفجير وإشراك طاقات الشعب الفلسطيني ودمجه في المعركة ليس فقط عبر مبادرات فردية أو محلية، وإنما كجزء من عمل مؤسساتي وطني فلسطيني شامل، وهذا مفقود.
من الناحية الفعلية، منظمة التحرير الفلسطينية غير موجودة، والأطر التي تقام فئوية. هي مهمة لكنها لا تمثل كل الفلسطينيين، نحن نعاني من الادعاءات طوال التاريخ الفلسطيني؛ لأن بعض الأطر تحاول تمثل وتدافع عن الشعب الفلسطيني لكنها لا تمثل الكل الفلسطيني، لا في الداخل ولا في الخارج، وبالتالي هناك كلام كبير وفعل صغير، ونحن علينا العمل بصوت خافت والضرب بعصا غليظة.
كيف يمكن الحفاظ على الهوية الفلسطينية التاريخية؟
هنا يوجد دور مهم للثقافة، عندما تهبط السياسة تصعد الثقافة وتعوض، وهي التي يمكنها أن تلعب دورا كبيرا في الحفاظ على الهوية الوطنية الفلسطينية، ولكن بدون السياسية هذا لا يمكن؛ بدون إطار وطني يمثل الفلسطينيين ويعيد لهم حيويتهم ويضم مختلف الأطراف، ستبقى هذه العملية مهددة، ولكن الذي صمد 100 عام في أسوأ الظروف، يمكن أن يحفظ على هويته ودوره، وأي انتكاسات أو هزائم أو تراجع تكون مؤقتة.
اظهار أخبار متعلقة
في ظل الواقع الحالي.. إلى أين تسير قضية فلسطين؟
آمال كبيرة ومخاطر عظيمة مع وجود تنافس بينهما، قضيتنا بحاجة إلى العامل الخارجي لكن بدون أن نرهن كل شيء، هناك من يحمل العامل الخارجي كل المسؤولية أو العكس يحمل الفلسطينيين كل المسؤولية، علما بأن هناك ظروفا جبارة تعصف بالفلسطينيين، سواء من جانب الأعداء أو بعض الدول العربية، هناك أيضا مسؤوليات أساسية على الفلسطينيين. وبالتالي؛ فالحل للفلسطينيين ليس فقط فلسطينيا، لأن إسرائيل هي مشروع عالمي وليس محليا، ولا يستهدف الفلسطينيين وحدهم، وهنا يجب علنيا أن ندرك العلاقة الجدلية ما بين يجب أن نقوم به وما يجب أن يقوم به العرب والمسلمون والأحرار وغيرهم، وفي حال لم نعرف هذه العلاقة فإننا لن نصل إلى حل.
هل أخذت النكبة حقها من الدراسات والتوثيق؟
بالطبع لا؛ هناك تقصير، الرواية الفلسطينية تسبقها الرواية الإسرائيلية وهي أقوى منها، خاصة في العالم الغربي، وهذا يحتاج إلى عمل وجهد، لتغيير الصورة وإظهار الحقيقة وما الذي جرى للشعب الفلسطيني عبر رواية وطنية فلسطينية، يمكن أن يكون لها تأثير أكثر من السياسية، وتسليط الضوء على ما قامت به العصابات الصهيونية والمجازر التي ارتكبت بحق الشعب الفلسطيني، من أجل توفير المعرفة للغرب.
علينا أن ندرك، أن هناك رواية صهيونية متغلغلة في الغرب؛ عبر السياسية والثقافة والتربية والموسيقى والفن والسينما وغير ذلك.
قضم الأرض الفلسطينية عبر الاستيطان وأدوات التهويد الأخرى، إلى ماذا يشير؟
هذا ينبهنا؛ أن التراكم خطير جدا، والذي يبدأ صغيرا في الأول مع الزمن يصبح واقعا جديدا، هناك مثلا؛ يتحدثون أن حل الدولتين غير ممكن حاليا، لماذا؟ بسبب الاستيطان، إذن؛ هل حل الدولة الواحدة ممكن؟ لكن الحقائق على الأرض هي التي تفرض الشكل النهائي للحل، المقاومة الحقيقة تلغي الاستيطان، كما حصل في الانتفاضة الفلسطينية التاريخية، تم إخلاء المستوطنات بالكامل (في غزة)، رغم أنه لم تكن هناك عمليات قريبة منها، نحن اليوم لا نقدم على عمل مثابر، فقط نتطلع للأهداف النهائية ونتحدث بألفاظ كبيرة، علينا أن نتعلم من عدونا كيف نعمل على الأرض، وهذا الأهم، علينا أن نعمل ونتوقف عن الكلام.
في نهاية الحوار مع "عربي21" ماذا تقول في ذكرى النكبة؟
إن شاء الله تكون بداية العد العكسي؛ وخاصة في ظل حالة الصراع الداخلي في إسرائيل وتناقضها حتى مع الإدارة الأمريكية، كما أن علينا أن لا ننام على وسائد من حرير، وأن الأمور ستنتهي لحالها، وتناقضات إسرائيل ستقضي عليها بنفسها.