30 دولة صوّتت ضدّ قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، أواخر تشرين الثاني/ نوفمبر 2022، الذي أوصى بتنظيم «حدث» خاصّ في إحياء الذكرى السنوية الـ75 للنكبة الفلسطينية.
بين هذه الدول تواجدت الولايات المتحدة وأستراليا والنمسا وكندا والدانمرك وألمانيا واليونان والمجر وإيطاليا وهولندا والمملكة المتحدة؛ وهؤلاء يدخلون في هذه أو تلك من درجات الصنف الشائع دولياً تحت مسمى «أصدقاء»
دولة الاحتلال الإسرائيلي، حيث تختلف مستويات تدرّج الصداقة بين دول مثل أمريكا وبريطانيا وألمانيا وهولندا، ودول مثل اليونان وإيطاليا والمجر.
وذات يوم، في حوار أجرته الصحفية الإسرائيلية هيليت يشيرون، قال الشاعر الفلسطيني محمود درويش: «هل تعرفين لماذا نحن الفلسطينيين على كل شفة ولسان في العالم؟ لأنكم أنتم بالذات أعداؤنا. الاهتمام بالقضية الفلسطينية انبثق من الاهتمام بالقضية اليهودية. نعم، إنهم يهتمون بكم، وليس بنا! لو كنّا في حالة حرب مع الباكستان مثلاً، لما اكترث العالم بنا. وهكذا فإن من سوء حظنا أنكم أعداؤنا بسبب ما تحظون به من تعاطف واسع في العالم، وإنّ من حسن حظنا أن تكون إسرائيل عدوّتنا لأنّ اليهود هم مركز العالم. ولقد منحتمونا الهزيمة، والضعف، والشهرة أيضاً».
صحّة تلك الزاوية الخاصة في النظر إلى طبائع القضية الفلسطينية على مستوى
الانحيازات المحورية الكبرى كانت، وتظلّ اليوم أيضاً، صائبة من حيث تشخيص الظواهر المقترنة بها في جانب أوّل؛ ثمّ، في جانب ثانٍ، لجهة تنامي أنساقها ودعاتها ومنابرها، حتى بعد تفجّر مشكلات دولة الاحتلال ذات الطابع اللاديمقراطي (طبقاً لمعايير أصدقاء الاحتلال أنفسهم)، وترسّخ منظومات الأبارتيد تباعاً وبانتظام.
عشرات المنظمات التي لا تكتفي بمساندة دولة الاحتلال؛ بل تسعى جاهدة لوأد أيّ شكل من التضامن مع الشعب الفلسطيني وقضيته.
بصدد بريطانيا على وجه الخصوص، صاحبة وعد بلفور المشؤوم والمسؤولة عن عشرات السياسات التي مكّنت العصابات الصهيونية من الانتشار والسيطرة على الأراضي الفلسطينية خلال سنوات الانتداب؛ ثمة الكثير الذي يتعزز يوماً بعد آخر في ملفّ الانحياز الأعمى إلى دولة الاحتلال.
وفي كتابها الجديد الممتاز «أصدقاء إسرائيل»، الذي صدر مؤخراً بالإنكليزية ضمن منشورات فيرسو في لندن، تسرد الباحثة البريطانية هيل أكيد عشرات المنظمات التي لا تكتفي بمساندة دولة الاحتلال؛ بل تسعى جاهدة لوأد أيّ شكل من التضامن مع الشعب الفلسطيني وقضيته.
المرء يقرأ عن منظمات مثل «هيئة النوّاب البريطانيين اليهود»، التي يعود تأسيسها إلى سنة 1760؛ و«الرابطة الصهيونية في المملكة المتحدة وإيرلندا»، 1899؛ و«النداء إسرائيل اليهودية المتحدة»، 1944؛ و«أصدقاء إسرائيل في حزب العمل»، 1957؛ وأصدقاء إسرائيل في حزب المحافظين»، 1974… أفقر الميزانيات السنوية لهذه المنظمات («أصدقاء إسرائيل المسيحيون») تبلغ 470 ألف جنيه إسترليني؛ والأغنى بينها (الصندوق الوطني اليهودي في المملكة المتحدة) يتجاوز 15 مليون إسترليني.
صحيح أنّ هذه الأنساق من المساندة والتأييد لدولة الاحتلال، مقابل خنق وحصار المنظمات الصديقة للشعب الفلسطيني وحقوقه، تتيح لسياسات الاستيطان والتمييز العنصري وانتهاك حقوق الإنسان والقانون الدولي الإسرائيلية أن تفلت من المساءلة، وأن تمعن بالتالي أكثر فأكثر في خيارات أبارتيدية صارخة. إلا أنّ الكثير مما تقوم به دولة الاحتلال في المنطقة إنما يخدم أجندات بريطانية، استعمارية قديمة وأخرى ما بعد استعمارية راهنة وثالثة مستقبلية؛ على أصعدة جيو – سياسة أوّلاً، لكنها اقتصادية وإيديولوجية أيضاً واستطراداً.
ولأنّ الشعب الفلسطيني «محظوظ» بهذا العدوّ المدلل لدى قوى عظمى، و«عاثر الحظّ» في آن معاً وللأسباب ذاتها، كما ساجل درويش في الاقتباس السالف؛ فإنّ الصحوة الأممية على ذكرى
النكبة جاءت متأخرة 75 سنة، ولكنّ رفض 30 دولة التصويت على القرار (الذي لم يشترط أكثر من «حدث» يتعاطف مع اللجوء واللاجئين، ولا يمسّ دولة الاحتلال أو يأتي على ذكرها أصلاً) لم يأتِ متأخراً البتة، بقدر ما ذكّر بأنّ معادلات 1948، وقسطاً غير قليل من سياسات رعاتها وأخلاقياتها، باقية… وتتمدد !