في الوقت الذي لا تخفي فيه دولة
الاحتلال أن قطاع
غزة ومقاومته تمثلان تحدّيا عسكريا وأمنياً بات عصيّا عليه، باتت
الأطروحات
الإسرائيلية تتحدث عن أبعاد إقليمية لحلّ هذا التحدي، سواء بالتركيز على
زيادة استهداف إيران من جهة، أو البحث عن دور
مصري لحمل هذا العبء الذي يزداد ثقلا
يوما بعد يوم.
ومع العلم أن انتهاء جولة قتالية أخرى
في قطاع غزة يعني بدء الاستعداد للجولة القادمة في الطريق، باعتبارها مسألة وقت
فقط، ليس هناك الكثير لفعله، لأن غزة تعتبر مشكلة استراتيجية للاحتلال، رغم أنها
ليست أخطرها، وهو يواجه سلسلة من التحديات، على مستويات مختلفة، داخل حدوده
وخارجها.
إيهود عيلام المؤرخ العسكري في مجلة "
يسرائيل
ديفينس" للعلوم العسكرية ذكر أن "إسرائيل تجد نفسها ملزمة بالتعامل مع
جميع هذه التحديات في نفس الوقت، دون إيلاء الاهتمام الكامل لها جميعًا بنفس
القدر، وبالتأكيد ليس بالمشكلات الأقل أهمية، خاصة إذا لم تكن عاجلة، خاصة وأن
قطاع غزة، بكل ما فيه من عوامل متفجرة، فإنه ينتظر، حتى لو لم يكن هناك خيار آخر،
وفي هذه الحالة فإن المشكلة الأكثر خطورة هي إيران وبرنامجها النووي، مع العلم أن
التعامل مع إيران مرتبط بقطاع غزة، حيث توجد حلول له، لكنها كلها إشكالية".
اظهار أخبار متعلقة
وأضاف في مقال ترجمته
"عربي21" أن "إسرائيل تريد استبدال حكم حماس في قطاع غزة بطرف آخر
فلسطيني، أو جهة عربية أخرى، تكون أكثر اعتدالاً، مثل مصر، ويبدو أنها مناسبة لهذا
الموقع لأن لها حدودًا مع القطاع، وحكمته في السابق، ولدى سكانهما علاقات وثيقة،
والقاهرة تحافظ على اتصالاتها مع قادة الفصائل في غزة، لكنها غارقة في مشاكلها
الاقتصادية، وأصبح الوضع فيها حادًا للغاية في الآونة الأخيرة بسبب حرب أوكرانيا،
وارتفاع معدلات الفقر بين مواطنيها، ولا تريد تحمل مسؤولية مليوني فلسطيني فقير في
غزة".
وأوضح أن "السلطة الفلسطينية في
المقابل بالكاد تحكم في الضفة الغربية، بسبب الصعوبات وحالة عدم اليقين في حقبة ما
بعد أبو مازن، وهناك احتمال ضئيل للغاية في أن تتمكن السلطة من السيطرة على غزة،
في حين أن إسرائيل لا تريد احتلال القطاع مرة أخرى، وهي لا تزال تتذكر جيدًا
التجربة السابقة لثمن بقائها في "عشّ الدبابير"، مما يعني أن كل المشاكل
التي يعيشها القطاع، تجعل التعامل معها من الخارج أفضل من الداخل".
وأكد أنه "خلال البحث عن حلّ وسط
لمستقبل غزة، بين الحلّ الجذري المتمثل باحتلالها، وبين استمرار الوضع القائم،
يمكن تنفيذ عملية عسكرية قصيرة نسبيًا في جميع أنحاء القطاع لتدمير البنية التحتية
العسكرية، لكن ثمنها سيكون مرتفعاً، خاصة إذا استمرت لفترة أطول من المخطط لها،
وهو أمر ممكن بالتأكيد، لأنه كما هو معروف، فإن تلك البنية مثل الصواريخ تعتمد على
الإمدادات المدنية، لذلك حتى لو تم تدمير المخارط ومصانع الصواريخ بمختلف أنواعها،
وتم القضاء على مستودعاتها، فسيكون من الممكن تجديدها".
اظهار أخبار متعلقة
تكشف هذه الرؤية الإسرائيلية تجاه مزيد
من التدخل المصري في غزة عن فشل إسرائيلي في التعامل مع المقاومة المتصاعدة فيها،
في ظل عدم وجود استراتيجية بديلة عن ذلك، فإما إسقاط حماس، غير المتاح حالياً، أو الانفصال
عن غزة، ولا خيار ثالث، باعتبار الدور المصري هو الخطة المثالية الوحيدة للوضع
الكارثي الذي يعيشه الاحتلال بسبب القطاع.
ومع العلم أن مثل هذه الجهود
الإسرائيلية المبذولة مع الإدارة الأمريكية حول إمكانية عودة مصر للسيطرة على غزة،
تأتي استكمالا لما طرح في الماضي من مبادرات كثيرة ذات بعد إقليمي، إحداها أن
تتحمل مصر المسؤولية عن غزة، رغم عدم ضمان أن يكون ذلك حلّا إسرائيليا للمعضلة
التي تواجهها في القطاع.