شكل ميلاد القصيدة الملحمية "ألفية
الجزائر" للشاعر والكاتب الجزائري إبراهيم قار علي في الأسابيع الأخيرة،
إحالة فكرية مذهلة وغير منتظرة على "الإلياذة" الخالدة لشاعر الثورة
الجزائرية الكبير مفدي زكرياء، إلا أن الإحالة التي قدمتها "ألفية
الجزائر"، ناحية تجديد المرجعية الفكرية للأمة الجزائرية، وانتمائها الحضاري
العربي الإسلامي، كان أهم عنصر صنع الحدث في ظل الهجمة الشرسة التي تتعرض لها
الجزائر في هويتها، والمحاولات الدؤوبة لفصلها عن محيطها الحضاري.
وتعد الملاحم الإبداعية في هذا السياق في
الجزائر، بعد ميلاد "ألفية الجزائر" هذا العام 2023، بعد حوالي خمسين
سنة عن ميلاد إلياذة الجزائر لمفدي زكرياء سنة 1972، طفرة حقيقية لهذا النوع من
الابداع في عالمنا العربي، سواء في القديم أو الحديث، لندرة هذا الجنس الأدبي عند
العرب عموما، لسبب مثير للغرابة تحدث عنه مثلا "سليمان البستاني" أن الإنسان العربي قصير النظر والنفس، حيث لا
تتعدى القصيدة العربية في العادة المائة بيت، بالإضافة إلى أسباب أخرى مثل ضعف
العامل القومي قديما لديهم في ظل سطوة القبيلة، حيث لا تستوي الملحمة أو الإلياذة
لدى الشعوب والأمم، إلا إذا تم تشكل كيان قومي موحد وقوي، قبل أن يتولى بعدها
الشاعر الملحمي جمع شتات التراث والتاريخ والبطولات والخوارق في قالب ملحمي متناسق.
ولئن عرفت الأمم والحضارات الأخرى كالرومان
واليونان والإغريق والفرس والهنود هذا النوع من الملاحم، على غرار الإلياذة
الأوديسية لهوميروس، والإنياذة لفرجيل، والشهنامة للفردوسي لدى الفرس، والموسوعة
الملحمية الهندية "المهابهارتا"، وملحمة جلجامش لدى الآشوريين، وملاحم
الفرنسيين لدى رولان وفولتير، والبرتغاليين في مغامرات فاسكو دي غاما، والكوميديا
الإلهية لدانتي، والفردوس المفقود لملتون وغيرها، فإن ندرة الزاد العربي من هذا
النوع الملحمي، يستوجب علينا اليوم إلى جانب محاولة إعادة إحياء "إلياذة
الجزائر" لمفدي زكرياء، بعد مرور نصف قرن على إنشادها، بمناسبة العيد العاشر
لاسترجاع السيادة الوطنية للجزائر، والذكرى الألفية لتأسيس العاصمة المدية ومليانة
على يد بلكين بن زيري، يستوجب علينا تسليط الضوء على المولود الجديد "ألفية
الجزائر" لإبراهيم قار علي، وإن من جانب مرتكزاتها الفكرية، التي تؤصل من
جديد لأصالة هذه الأمة الجزائرية الضاربة في القدم، التي هي جزء أصيل من أمة العرب
والإسلام، بعد أن وصلت سهام التشكيك الداخلية والخارجية، وبعضها منطلق للأسف من
الديار العربية، إلى حد إنكار وجود الأمة الجزائرية قبل الاستقلال، وتكرار مقولات
المستعمر الفرنسي بكل بلاهة، عن كون هذا المستعمر الغاصب هو من أوجد هذه الأمة
الجزائرية، رغم أن حقائق التاريخ والجغرافيا كلها تتحدث عن "أقدمية" الجزائر
عن فرنسا نفسها.
إلياذة الجزائر لمفدي زكرياء
تعد "إلياذة الجزائر" لمفدي
زكرياء، واحدة من أعظم ما أنجزه الأدب العربي في التاريخ الحديث في جنس الملاحم
الأدبية، كما يعد شاعر الثورة الجزائرية الشاعر الوحيد الذي اقتحم هذا النوع من
الأدب الراقي، لتصوير تاريخ الجزائر العظيم بصور بديعة، كأنها مشاهد حية لكل ما جرى
داخل هذا الحيز من الجغرافيا الجزائرية منذ العصور القديمة إلى العصر الحديث، إلا
أن ما ميزها عن الملاحم الغربية والشرقية كلها، أنها انطلقت من الحقائق التاريخية
والبطولات المسجلة لأبناء هذا الشعب العظيم، وليس انطلاقا من الخرافة أو الأساطير
كما هي ملاحم الآخرين، فكاتب هذه الملحمة التي ظهرت إلى الوجود عام 1972، والتي
يبلغ عدد أبياتها ألف بيت وبيت في مائة مقطع، وتضم كل منها عشرة أبيات تنتهي
بلازمة، له من الخلفية الثورية السابقة لكتابة الإلياذة؛ باعتباره صاحب الأناشيد
الوطنية الأكثر انتشارا بين الشعب الجزائري (من جبالنا طلع صوت الأحرار سنة 1932،
فداء الجزائر روحي ومالي 1936، وقسما بالنازلات الماحقات سنة 1955، وغيرها من
أناشيد الثورة والطلبة والعمال...)، ما جعلت منه الشاعر الملهم الأقدر على تكثيف
تاريخ الأمة الجزائرية في ملحمة خالدة بهذا الشكل، غير أن عملية تكثيف التاريخ
تلك، كانت تحتاج إلى مدد معرفي خاص، لم يكن لينجز لولا إسهامات رجلين عظيمين، هما
المفكر الجزائري الكبير مولود قاسم نايت بلقاسم، والأستاذ الكبير عثمان الكعاك من
تونس.
ومما أبرزته هذه الإلياذة الخالدة، التي
ترجمت للغة الفرنسية، وأدرجت من حينها في المناهج الدراسية الجزائرية، إلى جانب
تصوير روعة الأرض وجمال الطبيعة في الجزائر.. (جزائر يا بدعة الفاطر، ويا روعة الصانع القادر)، و (بلاد تمازح
عشاقها وتمنع عنهم لذيذ الوصال)، وبطولات
أبنائها وأبطالها الحقيقيين، وليس الأسطوريين (سبحنا على لجج من دمانا، وللنصر رحنا
نسوق السفينا)، هو حقيقة الشعب الجزائري المسلم، الوفي لدينه وتقاليده، انطلاقا من
إيمان مفدي زكريا الشخصي (شربت العقيدة حتى الثمالة، فأسلمت وجهي لرب الجلالة)،
ليصبغه على مجمل تاريخ الجزائر وإثبات أصالتها، في مواجهة تيارات المسخ وطمس
الهوية، وكان يكفي أن تتكرر لازمة الإلياذة بهذا الشكل السماوي الساحر (شغلنا
الورى وملأنا الدنا ، بشعر نرتله كالصلاة، تسابيحه من حنايا الجزائر)، حتى تترسخ
المرجعية الفكرية للأمة الجزائرية، ومعها تتكرس عبقرية صاحب النشيد الوطني
"قسما" إلى حد التلويح بالنبوة (تنبأت فيها بإلياذتي، فآمن بي وبها
المتنبي).
ألفية الجزائر .. أو الإلياذة الثانية
وحول الفروقات التي يمكن أن نسجلها اليوم
بعد ميلاد "ألفية الجزائر" للشاعر والكاتب الجزائري الكبير إبراهيم قار
علي، يؤكد هذا الأخير أنه "من الناحية الشكلية قد لا تكون هناك فروقات،
فالإلياذة لصاحبها أستاذنا الكبير مفدي زكرياء شاعر الثورة الجزائرية، تتشكل من ألف
بيت وتتوزع على مائة مقطع شعري، وكل مقطع يتكون من عشرة أبيات، وبهذا فإن الإلياذة
ألفية، وكذلك كان الأمر بالنسبة إلي في ألفية الجزائر، فلربما كان الاسم يدل عليها؛ فهي الأخرى تتشكل من ألف بيت يتوزع على مائة مقطع، وكل مقطع من عشرة أبيات".
وفي هذا السياق، يشدد إبراهيم قار علي على ضرورة الإشارة "إلى الفارق الزمني،
فالألفية ظهرت بعد خمسين سنة أو بعد نصف قرن من ظهور الإلياذة، وهذا ما يكون قد
جعل جمهورا واسعا من القراء أو النقاد يرون في ألفية الجزائر هي الإلياذة الثانية، ويلقبني بعضهم بخليفة مفدي زكرياء، وهذا ما يشرفني ويشرفني أكثر أن أوصف بشاعر
القضية الوطنية في زمن الحروب السبرانية".
ويشير الكاتب والشاعر إبراهيم قار علي في
حديثه لـ
"عربي21"، إلى "أن الذي يجمع ويقرب بين الإلياذة والألفية هو
الجزائر، فالإلياذة إلياذة الجزائر والألفية هي ألفية الجزائر، وعندما نقول
الجزائر نعني بذلك تاريخ الجزائر وجغرافيتها، وبكل ما يحمله ذلك التاريخ من أحداث
وبطولات وأمجاد وشخصيات ترتقي إلى مرتبة الأبطال والشهداء والعلماء. وهكذا فإن
الجامع بين الإلياذة والألفية أو القاسم المشترك بين العملين الأدبيين أو الشعريين
هو تاريخ الجزائر، ولكننا قد نختلف في المعالجة الفنية لهذه الأحداث التاريخية،
ويبقى في الملحمة الشعرية سواء كانت إلياذة الجزائر أو ألفية الجزائر أن الأحداث
حقيقية والأبطال حقيقيون وليست بالأحداث الأسطورية، ولا بالأبطال الأساطير الوهميين
أو الخرافيين، فالأحداث واقعية والأشخاص بشر من لحم ودم، وليسوا بالآلهة كما في
أساطير الملاحم اليونانية التي هي أساطير خرافية.
الجزائر عربية والصراع حضاري
ويؤكد إبراهيم قار علي أن حقيقة الصراع
في الجزائر"، هو صراع حضاري بالدرجة الأولى، وعندما نقول الحضارة نعني بذلك
الهوية الوطنية للأمة باعتبارها الروح أو الهوية الوطنية للدولة، باعتبارها الكيان
أو الجسد ، فالدولة هي البعد المادي للأمة، كما أن الأمة هي البعد الروحي للدولة.
ومادام الأمر يتصل بالهوية العربية والإسلامية الشخصية الجزائرية، فهي مثل النهار
الذي لا يحتاج إلى دليل".
ويكشف إبراهيم قار علي حقيقة أنه حتى
وإن لم يكن مؤرخا، فهو "علاوة على أنني خريج معهد إعلام، فكذلك إنني خريج معهد
تاريخ ، وعلى هذا الأساس، فإن الدراسة التاريخية للحركة الوطنية وتاريخ الثورة
الجزائرية وقبلها تاريخ الجزائر منذ ما قبل التاريخ إلى العصر الحاضر، كل ذلك
يكون قد جعلني أعزز بالأدلة التاريخية والشواهد المادية هذا الانتماء الحضاري
العربي الإسلامي للدولة الجزائرية عبر مختلف العصور والأعاصير"، ضمن أبيات
الألفية.
ويضيف: "المشكلة، كل المشكلة أن
الذين ينكرون على الجزائر هويتها العربية والإسلامية، يعتمدون على مصادر ومراجع
غربية بل فرنسية بالدرجة الأولى، ويتخذون ذلك دليلا يؤكد زعمهم الباطل والكاذب، من
أجل الترويج لخرافة الجزائر فرنسية في أثناء الاحتلال، التي تطورت إلى الجزائر
أمازيغية بعد الاستقلال، فالجزائر في التاريخ قبل فرنسا، ولولا الجزائر لم تكن
فرنسا، بل لولا الجزائر لكانت فرنسا مجرد مقاطعة ألمانية، والتاريخ يشهد على ذلك
منذ زمن الدولة البحرية الجزائرية إلى الحرب العالمية الثانية، التي أوشكت أن تجعل
من فرنسا ألمانية. فعلى مستوى الحفريات، عملت فرنسا على إبراز المعالم الاستعمارية
الرومانية في الجزائر، وطمست كل الآثار التي سبقت الاستعمار الروماني للجزائر، وهي
آثار مادية تؤكد الهوية العربية للجزائر، ولكن الآثار المادية التي ظهرت في ولاية
تيبازة، تفضح مزاعم القوم الذين يتشدقون بالحضارة الرومانية المسيحية للجزائر .
إن منطق التشكيك في الهوية الجزائرية ينطلق
من الخرافة، ولذلك لا يمكن للخرافة أن تصمد أمام الحقيقة التاريخية التي نؤكدها
بالأدلة العلمية والبراهين العقلية".
الكلمة ذخيرة حية
ويعتبر قار علي "أن أي عمل فني أو أي
عمل إبداعي أو فكري، ما هو إلا انعكاس للواقع الثقافي والسياسي والاجتماعي
والاقتصادي، حتى ولو كان هذا العمل الأدبي لا يعلن ذلك صراحة، ذلك أن الإبداع
الغني يتجاوز الواقع بالخيال من غير أن يطمس هذا الواقع، بل يضفي عليه اللمسة
الفنية والجمالية بالصدق الفني، الذي يضفي أيضا على العملية الإبداعية المزيد من
المصداقية "، وعلى هذا الأساس – كما
يضيف- "يتحول العمل الإبداعي والفكري إلى سلاح في معركة الصراع الحضاري، فإلى
جانب البندقية في الثورة التحريرية، واجهت العبقرية الجزائرية القوة الاستعمارية
الفرنسية بالكلمة والصوت والصورة، من خلال الأغنية والمسرحية والسينما والقصيدة
الشعرية، يعني أن الكلمة كانت ذخيرة حية إلى جانب الرصاصة".
إن الاحتلال الذي خرج من الباب عاد من
النافذة بعد الاستقلال، لقد عاد الصراع من خلال برادع الاستعمار، وعاد على أشده
لأن الأمر يتعلق بالهوية وذلك أخطر الحروب، وها نحن عدنا مثلما عاد هؤلاء البيادق،
بيادق ربعة الشطرنج التي يموت فيها الجميع من أجل أن يحيا الملك أو الملكة".
ويشرح صاحب "ألفية الجزائر" أنه
من الطبيعي أن تتغير أدوات الصراع التقليدية اليوم، بأدوات جديدة تناسب أو تتناسب
مع العصر، فلم تعد هناك جيوش كلاسيكية أو تقليدية وإن كان لابد منها، مثلما لم
تعد هناك مدافع ومدرعات وطائرات وصواريخ، وإن كان لا بد من ذلك. لقد أصبحت معركة
الهوية الدائرة على مستوى وسائل الإعلام والاتصال وخاصة على منصات التواصل. إن هذه
المنصات الرقمية قد أصبحت لها من مفعول القوة العسكرية ما يفوق منصات إطلاق
الصواريخ، لقد أصبح من الممكن أن يصيب العدو عدوه بالشلل ويصيبه في مقتل من غير أن
يطلق رصاصة واحدة. كانت الصواريخ في الحروب التقليدية تسقط على المنشآت العسكرية
وعلى الأحياء الشعبية، أما اليوم، فقد أصبحت المنصات التواصلية الاجتماعية أو
الرقمية هي التي تصيب المنشآت العسكرية، فتشل القوة العسكرية من دون أن تنطلق لا
طائرة ولا صاروخ، وقد أصبح أخطرها الطائرات المسيرة أو من دون طيار، مثلما أصبحت
وسائل الحروب الافتراضية تصيب السكان في البيوت من غير أن تهدم عليهم السقف، كل
ذلك قد أصبح يقعد على مستوى الحروب السبرانية التي تكون قد فرضت علينا تحديات أخرى،
والسؤال هو: هل نحن في مستوى هذا التحدي؟".
الخزانة المعرفية وكتابة التاريخ
وحول المدد المعرفي الذي استعان به إبراهيم
قار علي في
كتابة ألفيته، يقول: "يكون من الطبيعي في أي عمل أدبي أن يستعين
الكاتب بخزانة معرفية، خاصة إذا ما كان الأمر يتعلق بملحمة شعرية ترتكز على
التاريخ، مثلما هو الشأن بالنسبة إلى ألفية الجزائر التي هي من الناحية الزمنية
تبدأ من ما قبل التاريخ، مرورا بمختلف المراحل التاريخية".
ويشدد قار علي على أنه رغم كونه ليس مؤرخا،
وأنه خريج معهد الإعلام، إلا "أن الكثير لا يعلم أنني خريج معهد التاريخ
وبالضبط تخصص تاريخ الثورة الجزائرية، وفي مرحلة الماجستير درست عند أهم أساتذة
التاريخ بجامعة الجزائر مثل المرحوم الدكتور جمال قنان والدكتور عبد الحميد زوز
والدكتور سعيدوني ناصر الدين سعيدوني، وإن كنت لم أدرس عند الدكتور الأستاذ
المرحوم أبي القاسم سعد الله، فقد كان قريبا مني حيث كنت كثيرا ما أستأنس بآرائه
وأفكاره وأبحاثه التاريخية ذات الصلة
بالجزائر. وبالعودة إلى ألفية الجزائر، فإنني استعنت بالعديد من المراجع التاريخية، ولربما كان من أهمها التاريخ الثقافي للجزائر، بالإضافة إلى تاريخ الحركة الوطنية
لأبي القاسم سعد الله، بالإضافة إلى كتابات مبارك الميلي والشيخ عبد الرحمن
الجيلالي وتوفيق المدني، بالإضافة إلى سير أو تراجم لشخصيات ثقافية وسياسية
وثورية. من غير أن أنسى مقدمة العلامة عبد الرحمن بن خلدون وتاريخه، إلى جانب
كتابات أجنبية غربية أخرى أنصفت تاريخ الجزائر، خاصة خلال المرحلة البونيقية أو
الفينيقية، وصولا إلى الدولة الجزائرية البحرية زمن الخلافة العثمانية، وهنا لا بد
أن أشير إلى أنني قد ابتعدت عن الكتابات الفرنسية؛ لأنها ذات نظرة استعمارية كولونيالية، سواء تعلق الأمر بالاستعمار الروماني أو الاستعمار الفرنسي للجزائر، حيث إن
الكتابات الفرنسية تعمد على طمس الهوية الوطنية الحقيقية للأمة الجزائرية".
حتى لا تقودنا حروب الهوية إلى الهاوية
ويعترف في النهاية إبراهيم قار علي بأن
" الألفية تحمل اسم الجزائر، ومن الطبيعي أن تظهر في ثوب وطني خالص، ومع ذلك
ففي ألفية الجزائر لم تكن الجزائر مقطوعة من شجرة، فلقد دافعت عن وحدة المغرب
العربي من خلال الدويلات، التي قامت بعد الفتح الإسلامي أو من خلال الشخصيات
العسكرية والسياسية والثقافية، التي برزت في هذه المرحلة التاريخية، من عقبة بن
نافع إلى بلكين بن زيري إلى بني عبد الواد وغيرهم. ولكن الذي كان يهمني أكثر في
ألفية الجزائر، هو إبراز الهوية الوطنية الحقيقية في البعد العربي والإسلامي للدولة
الجزائرية، مثلما ينص على ذلك بيان ثورة أول نوفمبر العظيمة".
ويخلص إلى أن "الفكر الوحدوي سواء كان
يتعلق بالمغرب العربي أو بالوطن العربي يبقى مجرد حلم، صحيح أن الفكر الوحدوي
المغاربي قد كان متوهجا في أثناء الاستعمار لأن الدافع كان تحرريا والعدو كان مشتركا، لكن بعد التحرر بدأ يخمد هذا التوهج بسبب الأنظمة السياسية المتعاقبة. وما نخشاه
هو أن يتحول هذا المطلب الشعبي إلى نفور شعبي بعدما كنا نعتقد أن مواطني المغرب
العربي شعب واحد، بل يمكن أن نسقط هذا أيضا على الحلم العربي وليس على مستوى الحلم
المغاربي فقط، لقد فعلت حروب الجيل الرابع أو حتى الجيل الخامس فيما يعرف بالحروب
السبرانية فعلتها في الشعوب، بعدما خسرنا الوحدة العربية وكذلك خسرنا الوحدة
المغاربية، ولم يبق لنا إلا أن نحافظ على وحدتنا الوطنية التي يراد تمزيقها باسم
الهوية، وحتى لا تقودنا حرب الهوية إلى الهاوية".