يشيع
الإسرائيليون منذ وقت طويل معلومات حول احتمالات
التطبيع مع
السعودية، دون معالجة القضية الفلسطينية، مما تأكد في زيارة وزير الخارجية الأميركية، الأسبوع الماضي للسعودية، أنتوني بلينكن، أنّ واشنطن تدعم موضوع التطبيع. ورغم أن الولايات المتحدة الاميركية تتنقد الحكومة الإسرائيلية الحالية بسبب سياساتها في تغيير قوانين القضاء، والاستيطان، إلا أنّها لا تمانع تقديم هدية "الدعوة للتطبيع" لها. الرياضة .. وتصريحات المسؤولين منذ11 ساعة.
يقدّم الكاتب الأميركي المطلع توماس فريدمان، في مقاله الأخير في صحيفة "نيويورك تايمز" معلومات مهمة عمّا يحدث. وفريدمان مراسل سابق للصحيفة في بيروت والقدس، ومن أبرز كتّاب المقالات في العالم، وسبق له أن حقق بشكل شخصي عدد من الإنجازات والسبق الصحفي، من مثل توقعه ووصفه تقريباً مبادرة السلام العربية التي أعلنتها السعودية عام 2002، وتبنتها الدول العربية وصار اسمها مبادرة السلام العربية، بعد مقابلة أجراها مع ولي العهد السعودي، آنذاك، الملك لاحقاً، عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، ونشرها قبل إعلانها، وملخصها عرض التطبيع على إسرائيل مقابل إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة على الأراضي المحتلة عام 1967.
في مقاله الأخير، كتب فريدمان نتيجة زيارة حديثة للإسرائيليين والسعودية وقطر، وكان أهم ما خرج به، أنّ موضوع التطبيع يناقش فعلاً، لكنه يقول "لا أصدّق" ما يواظب الإسرائيليون إخباري إياه أنّ السعودية يمكن أن تطبّع مع إسرائيل دون طلب أي تنازل من أجل الفلسطينيين إذا ساعدت إسرائيل السعودية في الحصول على أسلحة متقدمة تريد شراءها من الولايات المتحدة، ويقول إنّه من حواراته مع المسؤولين السعوديين، توصل لاستنتاج أنّ السعوديين لم يقرروا بعد إمكانية التطبيع مع إسرائيل دون أن تقدّم الأخيرة تنازلات للفلسطينيين.
فريدمان، قريب من إسرائيل ومؤيد لها، لكنه واحد ممن لا يؤيدون الحكومة الأصولية الحاكمة في إسرائيل. وفي مقاله يقترح على الرئيس الأميركي جوزيف بادين، دعوة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو للبيت الأبيض، وسؤاله دون لبس إذا كان يعتبر أنّه "يحتل" الضفة الغربية، ومستعد لحل وضعها النهائي عبر المفاوضات.
من باب حرصه على إسرائيل، يعتبر فريدمان التطبيع المجاني مع إسرائيل ذا "أثر هائل؛ على بقاء إسرائيل دولة يهودية وديمقراطية"، فالتطبيع مع السعودية دون حل للقضية الفلسطينية، سيؤدي لـ"تثبيت ائتلاف نتنياهو الحكومي في السلطة لسنوات"، وأنّ هذا "قد يحبس إسرائيل إلى مستقبل أبارتهايد".
إذاً حتى بعض أنصار إسرائيل، يؤمنون أنّ التطبيع مع إسرائيل دون حل للقضية الفلسطينية، سيكون له أثر سلبي على المنطقة، وعلى إسرائيل ذاتها.
في الواقع أن كل وعود الازدهار والسلام والتحسن في الاقتصاد التي صاحبت اتفاقيات السلام ثبت كذبها، فالفلسطينيون محاصرون من قبل الإسرائيليين لدرجة خنقهم، وما يحدث يؤدي تدريجياً لنشوء جيل جديد من الفلسطينيين لا يؤمن بكل طروحات السياسة التفاوضية، وكل ما يقال عن مشروع بناء الدولة والسلطة يتم تقويضه من قبل الإسرائيليين. وعلى حدود سيناء وفي مصر ثبت، في ضوء تغطيات عملية الشرطي المصري الأخيرة ضد جنود إسرائيليين، أنّ الوضع المعيشي تدهور في المناطق الحدودية، وتزايدت حالات تهريب المخدرات والنشاطات الإجرامية. ولم تؤد اتفاقيات السلام مع الأردن ومنظمة التحرير الفلسطينية، لتنفيذ أي مشاريع تنموية حقيقية، وما تزال أمور تبدو بعيدة عن السياسة مثل تصدير المزروعات بين الأردن وفلسطين والبضائع الأخرى بحرية، ممنوعة، لصالح السوق الإسرائيلي.
ما يضيفه فريدمان، ويتضح من الواقع الإسرائيلي الحالي، أنّه حتى جهود التحديث والعصرنة التي تم تبنيها في السعودية، ودول أخرى، تسير تماماً في اتجاه يناقضه اتجاه إسرائيل نحو التطرف والعنصرية والأصولية.
في إسرائيل حالياً، كما يقول فريدمان حكومة تقدّم للمدارس الدينية التي تمنع تدريس الإنجليزية، والرياضيات، والعلوم أكثر مما تقدم للتعليم العالي ككل.
تبقى مقولة أنّ إسرائيل هي بوابة للولايات المتحدة، وسياستها، مقولة كاذبة، فالدول العربية الأساسية باتت بما لها من مصالح استراتيجية، ومن خيارات التفاهم مع دول أخرى اقتصادياً، وصناعياً وحتى عسكرياً، وقدراتها على إدارة تحالفاتها الإقليمية، حتى مع إيران، تعني أنّ إسرائيل لا تستطيع تقديم الكثير، بل أن حضورها في المشهد، خصوصاً دون حل القضية الفلسطينية، هو دعم لاتجاهات عدوانية رجعية.
(الغد الأردنية)