ثار إعلام السيسي ولجانه، وثار عدد ممن
ينتسبون لما يسمى بالحركة المدنية
المصرية، بسبب كلام للبرلماني المصري السابق
الأستاذ أحمد الطنطاوي، وقد التقوه للتنسيق والاتفاق على مرشح في الانتخابات
الرئاسية المصرية التي من المفترض أن تتم في 2024م، إن لم يعجل السيسي بها في
نهاية 2023م. الكلام جرى عن إمكانية
عودة الإخوان للمشهد السياسي.
وبغض النظر عن مسرحية الانتخابات الرئاسية
في مصر، وعن جدواها، أو احتمالية أن تكون هناك انتخابات حقيقية بنسبة واحد في
المائة، فهو أمر يعد من الغفلة أن يصدقه أحد، إذ كيف لنظام جاء بالسلاح، ووضع في
السجون كل من خالفه أو عارضه معارضة سلمية، وصفى وقتل كل من وقف في طريقه، إسلاميا
كان أم غير إسلامي، كيف لنظام قام بهذا الشكل، ولا يزال، أن يسمح بانتخابات شبه
حقيقية، وليست حقيقية؟!
إن نظاما لم يتحمل أن يكون الطنطاوي
برلمانيا معارضا له، وهم كما قال أحد المعارضين ثلاثة معارضين فقط في البرلمان،
فهل سيتحمل أن يكون مرشحا رئاسيا، ولو شكليا، إن نظاما ظل لسنوات يوقف مصالحه
الاقتصادية في غاز البحر المتوسط لأجل ثلاثة إعلاميين بالخارج، وكلما قابل الجانب
التركي لم يكن له حديث إلا عنهم، وعن قناتين فضائيتين، هل يعقل أن يسمح بترشح وفتح
مجال عام، وهو ما عبرت عنه رئيسة حزب الدستور الأستاذة جميلة إسماعيل: إن النظام
لا يسمح بأي نشاط علني للأحزاب، فكيف إذا ترشح مرشح عن حزب، هل سيسمح بمؤتمرات
انتخابية؟ أم ستكون الدعاية من منازلهم؟!!
هذا من جهة، ومن جهة أخرى مهمة، هو رد فعل
من يدعون بالتيار المدني، أو الحركة المدنية، ورفضهم للإخوان ليس لأنهم يملكون من
أمر العودة أو غيره شيئا، فهم للأسف لافتات بلا جدوى حقيقية على الأرض، وأقصى
أمانيهم ـ عند تحققها ـ خروج بعض المسجونين ممن يتبعونهم، وفي هامش ضيق جدا، ومن
يخرج يدخل مكانه عدد أكبر، فهم إن لم ينالوا السلطة، فلينالوا الصيت، وقد ذكرونا
برئيس تونس الراحل الحبيب بورقيبة، بعد أن انقلب عليه ابن علي، طلب بورقيبة منه
طلبين وحيدين بعد عزله لقريته، أن يسمح له بزيارة قبر أمه، وأن يسمح له بنصف ساعة
كل يوم عصرا، يقف فيها في شرفة بيته، ليهتف له أطفال القرية: بورقيبة، بورقيبة!!
فخشيتهم من أي تلويح بعودة للإخوان ولو
شكلية، يعلمون علم اليقين أن ذلك تهديدا للفتات الذي ألقته لهم السلطة، لأن أي
هامش حرية للإسلاميين يحققون به ما لم يحققه خصومهم في حريات تامة، أو نصف حريات،
وقد جربوا ذلك في مرات عدة. وقد كانت منافسة الإخوان لهم منافسة شريفة سلمية، في
صناديق اقتراع حرة، ومع ذلك لم نر منهم كلاما عن حكم العسكر الذي قتل من الجميع،
وسفك من دم الجميع، وسجن من التيارات السياسية جميعا، ونكل بها.
لا يعرف في التاريخ أن فصيلا سياسيا يحكم، ثم ينقلب عليه الجيش، ولو بغطاء مظاهرات شعبية مدعومة من دولة مولت (تمرد)، أن يكون جزاؤه التنكيل والقتل خارج القانون، فمن يخفق في السياسة، يترك الحكم، وينتظر الدورة القادمة لصناديق الاقتراع ليقول الناس فيه رأيهم
بل كانت أيديهم وألسنتهم وأقلامهم ممدودة
لمن ينكل ويقتل في الإخوان والإسلاميين، وكانوا يهددون قبل الانقلاب بذلك أيضا،
فرأينا الأستاذ جورج إسحق، وقد كان أول من قال: نار العسكر، ولا جنة الإخوان، وقال
ذلك مبكرا، في الذكرى الأولى لثورة يناير، ثم بعد ذلك كان يلتقي ببعض الإسلاميين،
من أصدقائه القدامى، ويقول لهم: سوف نعيدكم للسجون مرة أخرى.
ورأينا الأستاذة نوارة نجم يوم الانقلاب،
تقول بروح الشماتة: باي باي يا إخوان، معتقلات بقى وكده. وآخرين رأيناهم كانوا ما
بين الشامت والمحرض، صحيح أن بعض من حرضوا أو شمتوا بهذا الشكل، عادوا وإن كان
بعضهم بدون إعلان عن تراجعهم عما قالوا، وبعضهم راهن على نسيان الناس كلامه، ولم
يعد في دائرة الضوء السياسي أو الإعلامي.
رغم معرفتهم التامة بأن الإخوان لم يرتكبوا
جرما يعاقبون به بالسجن، أو القتل، خارج القانون أو بقانون باطل، فلا يعرف في
التاريخ أن فصيلا سياسيا يحكم، ثم ينقلب عليه الجيش، ولو بغطاء مظاهرات شعبية
مدعومة من دولة مولت (تمرد)، أن يكون جزاؤه التنكيل والقتل خارج القانون، فمن يخفق
في
السياسة، يترك الحكم، وينتظر الدورة القادمة لصناديق الاقتراع ليقول الناس فيه
رأيهم، ودليل ذلك: أنهم قالوا: لو أن الإخوان حضروا يوم الثالث من يوليو لما حدث
ما حدث، لكنهم رفضوا الحضور، وهل من يرفض الحضور للقاء سياسي كما تزعمون، يكون
جزاؤه مثل الكتاتني رئيس مجلس النواب سابقا، أن يكون جزاؤه السجن ظلما، وغيره آلاف
من البرآء.
الغريب أن الكلام كله يدور حول الإخوان،
بعيدا عن موقف الإخوان نفسه، فكلام الطنطاوي هو كلام نظري، من حيث التنظير لقضية
المواطنة وحقوق كل فصيل، وإن كانت بعيدة عن الواقع، الذي لا يملك فيه الطنطاوي
نفسه ـ رغم حسن نية طرحه ـ فيه شيئا، ولا القوى المدنية التي رفضت تملك، فلو أن
السيسي غدا قرر حضور الإخوان، لكان أول من فرش السجادة الحمراء لمسؤول الإخوان هم
أنفسهم هذه التيارات، ولانقلب كل كلام ضدهم لكلام عن المواطنة، وحقوق المواطن،
وحديث أذرع السيسي الإعلامية عن قطر وتركيا ليس ببعيد، كيف كان، وماذا أصبح؟!
رغم أن الكلام كله افتراضي، وبعيد عن الواقع
السياسي بكثير، لكنه فضح ما بداخل من يتسمون بالتيار المدني، بأنهم لا يختلفون
كثيرا عن التيار السيساوي، ولا يختلفون كثيرا عن أذرعه الإعلامية، وهم في كثير من
تجلياتهم وخطاباتهم يمثلون ذراعا سياسية تنوب عن السيسي في الهجوم على الإخوان،
وعلى كل خطاب سياسي فيه أي لون من التعقل، أو الحديث عن حقوق المواطنة.
[email protected]