نشرت صحيفة "بوبليكو" الإسبانية تقريرا تحدثت فيه عن الشيعة في
العراق الذين يشهدون فترة من النمو والقوة حيث يرعى آية الله علي
السيستاني "دولة" موازية تقدم الخدمات والمساعدات للسكان.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن معظم الشيعة يتركزون في العراق وإيران وبأعداد أقل في سوريا ولبنان، ويمتد وجودهم إلى آسيا الوسطى والهند وباكستان وجنوب شرق آسيا.
بعد 20 سنة من الغزو
بعد الحرب الطويلة التي قادها صدام حسين ضد إيران في الثمانينيات وأعقبها غزو الكويت في سنة 1990 وبعد 13 سنة من العقوبات الدولية والغزو الأمريكي في سنة 2003، فقد ظلّ العراق صامدًا. وقد ترك الأمريكيون العراق غارقا في الفوضى والعنف الطائفي.
خلّف الاحتلال الأمريكي (2003- 2011) ملايين القتلى والدمار والنهب والانتهاكات والقصف ضد السكان المدنيين، لكن الشيعة اعتبروا الولايات المتحدة حليفتهم لأنها أطاحت بصدام حسين الذي اضطهدهم طيلة 24 سنة من الديكتاتورية. وقد عرفوا كيف يستغلون دستور 2005 الذي منح رئاسة الحكومة للشيعة والرئاسة للأكراد ومجلس النواب للسنة.
وذكرت الصحيفة أنه بعد تحقيق السيطرة السياسية وهزيمة تنظيم الدولة وخروج القوات الأجنبية من العراق، قرر الشيعة السير في طريقهم الخاص. حيال هذا الشأن، يقول سيد صفوي، المسؤول عن ضريح عباس في كربلاء: "لقد خرجنا من دكتاتورية، لم تكن هناك حرية سياسية قبل سنة 2003. الآن، يتخذ الناس القرارات، ولدينا انتخابات حرة، وأحزاب جديدة. والقوة الشيعية هي الأكبر من حيث عدد الناخبين. كنا ضحايا عنف طائفي، لكن الوضع اليوم أفضل وسيتحسن أكثر. المهم أن التغيير لا يُفرض من الخارج".
ونقلت الصحيفة عن أستاذ الدراسات العربية والإسلامية في جامعة كومبلوتنسي إيغناسيو ألفاريز أوسوريو، قوله: "نحن نواجه عراقا جديدا مختلفا تماما، فمنذ سنة 2003 كانت السلطة دائما في يد السّنة؛ واليوم أصبحت بيد الشيعة. إنها لحظة انتقالية. سعى الشيعة للبحث عن تحالفات مع الأقليات الكردية والسنية".
لكن يبدو أن الآراء تختلف حول مدى تحسن الوضع على أرض الواقع، وهذا الأمر مفهوم نظرا لتعدد المجموعات العرقية والطائفية في العراق. فعلى سبيل المثال، يقول مكي محمد الحميري، وهو جندي سابق في جيش صدام شارك في الحرب ضد إيران: "مع صدام كنا نعيش بشكل أفضل، لقد وفّرت لنا الدولة الصحة والتعليم والعمل".
اظهار أخبار متعلقة
المليشيات الشيعية
اتخذ باراك أوباما قرارًا بسحب القوات من العراق في سنة 2011. وقد مثّلت الفوضى التي خلّفها الغزاة أرضًا خصبة لصعود تنظيم الدولة، الذي بثّ الرعب في جميع أنحاء العالم. وفي سنة 2014، أعلن الجهاديون قيام الخلافة في العراق واندلعت حرب دمويّة أخرى في الوقت الذي لم تتعاف فيه البلاد من الاحتلال. ونتيجة لذلك، فقد عادت القوات الأمريكية هذه المرة لمحاربة تنظيم الدولة.
يشير تقرير صدر مؤخرًا عن مجموعة الأزمات الدولية، وهي مؤسسة بحثية خاصة بالصراع، إلى أن نظام "الحكم التمييزي" الذي نشأ عن الدستور الجديد شجّع المتطرفين السنّة. كما أن احتجاجات 2019، التي انتهت بمئات القتلى بسبب القمع، ناتجة عن السخط الاجتماعي وزيادة نفوذ الشيعة.
وذكرت الصحيفة أنه في حزيران/ يونيو 2014، بعد أيام من الاستيلاء على الموصل في شمال العراق، أصدر آية الله علي السيستاني فتوى لإعلان الجهاد ضد تنظيم الدولة، ودعا المدنيين إلى توحيد صفوفهم ونشأت قوات الحشد الشعبي، وهي نوع من المليشيات الشيعية التي تمكّنت من القضاء على أكبر تهديد عالمي في ذلك الوقت. وانتهى الأمر بتحرير شمال العراق على يد الأكراد، الذين انضمّوا إلى الجيش في تنفيذ هذا العمل الفذ.
وأوردت الصحيفة أن المليشيات الشيعية، التي عزّزها السيستاني ونشأت في ظل إيران، موجودة لتبقى. فاليوم يتم دمجها في قوات الأمن، وعلى الرغم من أنه من المفترض أن يكون ذلك طبيعيا تمامًا بسبب مساهمتها في هزيمة تنظيم الدولة، إلا أنه لا يزال هناك شكوك قائمة بشأن مستقبل هذا "الفيلق" الخاص المستعد للقتال بضراوة.
اظهار أخبار متعلقة
العراق الجديد برعاية علي السيستاني
يوجد في العراق أربعة ملايين يتيم بحسب معطيات وردت خلال زيارة إلى دار الأيتام برعاية السيستاني في بغداد، وهذا يعادل 10 بالمئة من سكان البلاد، وهذا خير دليل على أن الحرب تركت ملايين الناس بلا حول ولا قوة. ويتلقى هؤلاء الأيتام التعليم حتى سنّ المراهقة ويتعلمون حرفا؛ لكن عندما يبدأون العمل فإنهم يظلون ملزمين لأنه يجب عليهم إعادة الأموال المستثمرة في تدريبهم. وفي محافظة القديمة يتم توزيع 3000 حصة غذائية مجانية يوميًا.
في كربلاء، من خلال ضريح العباس، يرعى آية الله السيستاني مركزا تجاريا يضم 150 مشروعًا خاصا، أي مستشفيات وجامعات شبيهة بالمستشفيات البريطانية ومدارس منفصلة للبنين والبنات وشركات تزود بالمياه والطاقة، وشركات هندسية لبناء أعمال نفس المنظمة وحتى شراء الأراضي للمحاصيل أو بناء المناطق الصناعية. وهناك مركز لأبحاث السرطان. ومن الواضح أن السيستاني أنشأ دولة موازية في مواجهة العجز الواضح للحكومة الشيعية نفسها عن تقديم الخدمات العامة التي يحتاجها المواطنون.
وعلى حد تعبير إيغناسيو ألفاريز-أوسوريو، فقد "استغل الشيعة الفراغ السياسي وغياب الدولة لكسب المزيد من المجالات تدريجيا، وتوسع نفوذهم إلى حد إنشاء دولة داخل الدولة".
اظهار أخبار متعلقة
المزيد من الديمقراطية، ولكن على النساء الانتظار
بحسب مصطفى جمال الدين، من مؤسسة آل البيت في
النجف، فإن "السيستاني لعب دورًا مهمًا في تهدئة الوضع في العراق، وهناك سلام نسبي وقد تم إحراز تقدم في بناء ديمقراطية لم تكن موجودة في زمن صدام".
من جهتها، تقول الإيرلندية تارا أوغرادي، من منظمة حقوق الإنسان، التي تسافر كثيرا إلى هذا البلد: "في العراق تحظى النساء بالاحترام ولكنهن مستبعدات رغم كونهن نساء مهيآت وقادرات على قيادة المجتمع والسياسة". وبحسب الناشطة الإيرلندية، فإن "العراق ليس مثل لبنان أو مصر، بل إنه أكثر محافظة بكثير".
من جانبه، أكد ألفاريز أوسوريو أن "أكبر الخاسرين هو المجتمع المدني والنساء لأن تمثيلهن ناقص في هذا العراق الجديد الذي يتم بناؤه". ووفقا للدستور، فإن 25 بالمئة من مقاعد البرلمان محجوزة للنساء. وتتمتع العراقيات بشكل عام بحق الالتحاق بالجامعة والعمل، وخاصة من ينتمين إلى النخب. وهناك المزيد من الفرص في بغداد وهي أكثر حريّة عندما يتعلق الأمر بالملابس.
وعلى الرغم من وجودهن في البرلمان، إلا أنه وفقا لألفاريز "فلا يعني ذلك أنه بإمكانهن إيصال أصواتهن أو الدفاع عن أجندة نسوية. فالعديد منهن تم تأطيرهن ضمن تشكيلات ذات طبيعة محافظة أو تقليدية أو إسلامية؛ لذلك فهن لا يدعين إلى التغيير، بل يدافعن عن استمرار الوضع الراهن".
للاطلاع على النص الأصلي (هنا)