نشرت الصحافة الروسية وغيرها من الصحف الغربية والأمريكية؛ أن
بريطانيا زودت أوكرانيا، أو أنها في الطريق لتزويدها بقنابل
اليورانيوم المستنفد، وتبعتها أمريكا بتزويد، أو أنها ستزود أوكرانيا بالقنابل ذاتها. من المهم التذكير هنا بأن أمريكا كانت قد استخدمت هذه القنابل في العراق في عامي 1991 و2003 والأخير؛ هو العام الذي فيه غزت أمريكا العراق واحتلته، بكذبة روجتها عن امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل. أتذكر أن الجنود الذين عادوا من
الحربين؛ تحدثوا كيف أن هذه القنابل عندما تضرب الدبابة تحوّلها إلى قطعة منصهرة هي وضباطها وجنودها. ليس هذا فقط، بل إن استخدام الولايات المتحدة لهذه القنابل حوّل البيئة التي كانت ميدان استخدامها إلى بيئة غير صالحة للعيش، بالإضافة إلى أن انتشارها على مساحات واسعة أخرى؛ سببت تفشي أمراض السرطان في العراق. هذه السياسة العدوانية فسحت المجال واسعا لكوريا الشمالية؛ للإقدام أو تسريع عملية إعداد مشروعها النووي لصناعة السلاح النووي، وتحقق لها ذلك لاحقا بعد سنوات.
أما
روسيا، فتمتلك هذه القنابل، ولن تتأخر في استخدامها في حالة الضرورة؛ ما سيؤدي حتما إلى توسعة دائرة الحرب في الكم والنوع وفي الخطورة. طبقا لهذه التطورات، فإن الحرب في أوكرانيا مرشحة وبقوة لأن تتوسع، وقد تنزلق إلى ما هو أكثر خطورة وكارثية ليس على طرفي الحرب، بل على دول الاتحاد الأوروبي، وربما على العالم كله. وقد ناقشت بعض الدول الأوروبية الأعضاء في الناتو؛ انضمام أوكرانيا حتى لو لم تنتهِ الحرب، إلى الحلف، لكن تحفظ ألمانيا وتردد فرنسا وأمريكا؛ أوقف هذه المناقشات أو حال دون بلوغها منصة البحث الجدي. في قمة الناتو المزمع عقدها في فيلنيوس عاصمة ليتوانيا يومي 11 و12 تموز/يوليو الشهر المقبل؛ ستناقش مسألة انضمام أوكرانيا إليه. وفي شباط/فبراير من العام الماضي، طالب الرئيس الأوكراني زيلينسكي الناتو بقبول الانضمام إليه. من الجهة الثانية، مسؤول الناتو ينس ستولتنبرغ؛ صرح بأن انضمام أوكرانيا لن يكون إلا بعد انتصارها على روسيا. ويرى الأمريكيون أن من الممكن؛ أن تكون أوكرانيا ضيفا أو مراقبا، أو مشاركا في مؤتمر أو مؤتمرات الحلف؛ وبهذا ضمنت الاشتراك في الحوارات والقرارات والخطط وأدواتها وطرق تنفيذها، إلى أن تنتصر على روسيا، عندها يجري ضمها رسميا وعلنيا.
إن السبب في عدم المناقشة الجدية حول موضوع انضمام أوكرانيا إلى الناتو؛ يعني تماما، دخول الناتو في حرب مفتوحة مع روسيا مع ما يعني ذلك من دمار وكارثية على الجميع وعلى العالم، لكن في المقابل، فإن الحرب في أوكرانيا سوف تنزلق، عاجلا أو آجلا، إلى حافة هاوية ميدان تتصادم فيه جميع أطراف الحرب، أو ستقترب كل أطراف الحرب من خط التصادم، بكل ما يحمل من رعب، وهذا قد يأخذ وقتا ليس بالقصير، أو ربما لن يكون طويلا، بعد الانتخابات الأمريكية والروسية، وسيقود طرفي الحرب المباشرين، أو أطراف الحرب غير المباشرين، إلى البحث عن طاولة المفاوضات. في طريق الوصول إلى مفترق الطرق هذا، الذي سوف يحدد مصير الحرب ونتائجها في تقابل تبادلي بين الطرفين المباشرين، روسيا وأمريكا؛ ستدخل إلى الحرب عناصر فعل أخرى بإرادة أمريكية، بدءا ومسارا وهدفا، جغرافيا وتسليحيا لناحية نوع السلاح وأمكنة تفعيله في اتجاه روسيا، ما يعجل في الوقوف على حافة الهاوية التي لا تبعد إلا خطوة واحدة، تقوم بها جحافل المتقاتلين ليسقط بعدها طرفا الحرب إلى قاع البركان. ليس بعيدا أو خرافة أو تضخيما لوقائع حرب ستبلغ أو تصل إلى آخر ساتر الحماية لغور لا قرار له من العمق الملتهب بنيران فناء الحياة. أعتقد من وجهة نظري؛ أنها لن تصل إليه للأسباب التالية؛ إن روسيا بوتين تعرف وتدرك على وجه اليقين أن أمريكا من خلال الحرب في أوكرانيا، تريد وتسعى بجميع ما لديها من عناصر القوة، ومن شركاء وحلفاء على إطالة أمد الحرب كي تستنزف قدرات روسيا؛ في فتح عدة جبهات، وبمختلف وسائل الحرب، بما فيها الأسلحة المحرمة ذات التدمير الكامل للبشر والضرع والأرض والشجر، وما أعنيه هنا هو الأسلحة النووية التكتيكية، وليس الأسلحة النووية التقليدية الاستراتيجية، على سبيل المثال هو تزويد أوكرانيا بقنابل اليورانيوم المستنفد، وزج بولندا في الحرب ودول البلطيق، باستخدام أراضي هذه الدول بالتخزين والتدريب وقواعد لانطلاق طائرات أف 16، هذا ما يؤكده أغلب الكتاب الروس، وهذا سيقود إلى أن تكون هذه الدول أطرافا مشاركة في الحرب في أوكرانيا. هناك تطور آخر أكثر خطورة في اتجاه توسعة هذه الحرب؛ هو قيام روسيا بوتين بتخزين أو نقل أسلحة نووية تكتيكية إلى روسيا البيضاء، ليس فقط حماية روسيا البيضاء الحليف الاستراتيجي للاتحاد الروسي، من غزو أوروبي محتمل أو مفترض (بولندا) لهذه الدولة الحليفة، بل أيضا كقاعدة لاستخدام هذه الأسلحة في هذه الحرب إن دعت الحاجة لها، وإمكانية وصولها إلى أبعد مكان من دوائر الحرب خارج دائرة الحرب في أوكرانيا؛ على دول الاتحاد الأوروبي بضربات منتخبة بأسلحة تقليدية أو نووية تكتيكية، وليس الاجتياح، هناك فرق كبير بين الضربات المنتخبة والاجتياح لجهة دخول الناتو في الحرب مع روسيا، بل إن دول الناتو كاحتواء لهذه التطورات، سترد بضربات مضادة مع ما يرافقها من زخم إعلامي واسع النطاق، وشجب واستنكار وتهديد ومناورات عسكرية على حدود روسيا. في هذه الحالة أو في هذه الأوضاع، التي أن يقترب منها زمن حدوث الزلزال الذي إن بلغ نقطة الصفر وتفجر؛ سوف لن يبقي ولن يذر لجميع أطراف الحرب، عندها سوف يبحث طرفا الحرب (أمريكا وروسيا) وإن كانت بين روسيا وأوكرانيا؛ عن طريقة أو منصة يتم بها إيقاف حركة قوافل الحرب، وإسكات فوهات المدافع؛ لأن مواصلة القتال على هذه الطريقة، وخنق روسيا أو وضعها، أو جرها إلى عدة خوانق حربية، يهددها بالهزيمة وخسارة حربها هذه تماما، بما تعني هذه الهزيمة من مستقبل مجهول لها كدولة كبيرة جغرافيا جدا، ومتعددة الأقوام والأعراق والديانات؛ بفتح عدة جبهات، مع تواصل الحرب على الجبهة الأوكرانية، واستخدام أنواع جديدة مما يجبرها (روسيا) على التطبيق الجزئي والمحدود للعقيدة الروسية النووية في الحرب، أي التهديد بتطبيقها قبل تطبيقها؛ باستخدام الأسلحة النووية التكتيكية في قصف منتخب على دول أوروبا الضالعة في الحرب، بصورة مباشرة لاحقا وغير مباشرة حاليا. هذه هي القناعة الروسية من أن روسيا مهما كلف الأمر، ومهما كانت التضحيات، ومهما اتسع أوار الحرب؛ من أنها سوف تنتصر، ولا خيار أمامها إلا الانتصار. طبقا لهذه النتائج الافتراضية، أو لهذه القراءة التي ربما أكون فيها صائبا وربما لا يكون الصواب من نصيبها؛ أن جسد أوكرانيا الجغرافي سيوضع تحت مشارط الجراحة.. لماذا؟ لأن أمريكا لا يمكن لها وبإرادتها أن تكون كدولة وشعب ضحية للزلزال إن حدث، عندها تفقد كلها ومعها ربما العالم، وهو لن يحدث؛ لأن لا أحد من طرفي الحرب سوف ينزلق إليه. عليه، سيتوقفان على آخر خط الذي بعده تماما المنحدر الرهيب. أمريكا في وقتها سترى أن الخروج من هذا المأزق لا يكلفها أي شيء، سوى أنها ستتراجع هيمنتها في العالم وفي دول الاتحاد الأوروبي، التي أي هذه الهيمنة هي في الأساس متراجعة في كل مناطق الصراع في العالم. أعتقد جازما؛ أنه لا شيء بعيد أو أنه بعيد الحدوث في السياسة الامريكية، كل شيء وارد في هذه السياسة التي تستند إلى المصالح التكتيكية والاستراتيجية؛ عندما تقتنع أو ترى أن الخسارة في هذه السياسة، أو تلك السياسة هي حتمية؛ سوف تقوم بتغييرها بزاوية ميل، ربما يكون في بعض الحالات بـ 180 درجة.
(عن صحيفة القدس العربي)