جلس الجنرال صبيحة العيد مفتخرا بما قدمه هو بنفسه في مسلسل "الاختيار"،
كان
المشهد فضيحة بكل المقاييس إذ كيف يشرف رئيس دولة على عمل درامي
ويتدخل في التفاصيل الدقيقة ويدافع عنها وهو يقسم بأغلظ الأيمان؟
كيف يتم تسجيل محادثات مع قوى سياسية دون إذن وكيف يتم عرض تسجيلات تمت دون
موافقة من أصحابها، كجزء من سردية الجنرال للوقائع من وجهة نظره؟ ولماذا لا يتم
عرض كافة التسريبات أو التسجيلات كاملة غير منقوصة أو تمت معالجتها؟ ولكن هكذا
صارت الأمور في الجمهورية الجديدة، الجنرال يقوم بصياغة الأفكار ومتابعة تنفيذ
الأعمال الفنية ويختار بنفسه الممثلين وينتقيهم ويقوم بعمل معايشة معهم حتى يجيدوا
تمثيل أدوارهم.
المسلسلات الفنية وخصوصا التاريخية المشوهة هي وسيلة من وسائل التأثير في
طبقات الشعب الدنيا والمتوسطة، في محاولة لتثبيت رواية النظام عن علاقة الإخوان
بالإرهاب وعن دور
السيسي والجيش في حماية الوطن.
منذ انقلابه في الثالث من تموز/ يوليو 2013 والجنرال السيسي يحاول جاهدا
تنفيذ مخططه للسيطرة على
الإعلام والهيمنة عليه، ممتدحا تجربة عبد الناصر (
الذي وصفه بالمحظوظ بإعلامه) في هذا المجال، الصوت الواحد. وفي أول انتقاد وجهه له
أحد الإعلاميين المؤيدين له (خالد أبو بكر) تعليقا على ترك الجنرال مدينة الإسكندرية
تغرق في مياه الأمطار ليتفاوض مع ممثل شركة سيمنز غضب الجنرال وصب جام غضبه على الإعلام
وقال قولته الشهيرة:
ما يصحش كده. وبعدها أُوقف المذيع ثم ظهر مبررا ما نطق به وأورده
المهالك واعتذر عن فعله قائلا: "
السيسي لم ير الفيديو"، ثم عاد ليمتدح الجنرال وسبحان مغير الأحوال.
في اجتماع للجنرال مع القادة والضباط بعد الانقلاب وقبل أن يصبح رئيسا
مغتصبا للسلطة (
تم تسريب جزء منه)، دار حوار حول الإعلام، أفصح الجنرال عن خطته للسيطرة
على الإعلام والإعلاميين ترغيبا وترهيبا، وقدرته على توجيه أدمغة الإعلاميين
بالطريقة التي تجعلهم يقبلون أي فعل يصدر عن الضباط دون محاسبة، فالضابط الذي
سيطلق الخرطوش وقنابل الغاز على المتظاهرين "و
حد يموت أو يجراله حاجة مش
هيتحاسب".
كانت الفكرة المبدئية لدى السيسي هي مركزية الإعلام بحيث يكون كله تابعا لإدارة واحدة وإن تعددت الوظائف، وقد بدأ خطته عن طريق مدير مكتبه وجعل الملف الإعلامي ملفا سياديا تابعا للرئاسة وإن أشرف عليه ضباط جيش أو استخبارات وثيقي الصلة بعباس كامل
كأي مستبد يخشى السيسي من حرية الكلمة والتعبير ولو بالمدح والتأييد،
فالسيسي لا يريد أن يغرد أحد منفردا وأن يكون هناك نوع من التناغم والهارموني وفقا
للتعليمات. وهذا ما قام عليه وبه مدير مكتبه الذي أصبح رئيسا لجهاز المخابرات وعرف
في الأوساط الإعلامية تندرا بـ"
إعلام السامسونج"، وهي كلمة تعني إرسال الرسائل الموحدة عبر جهاز
سامسونج إلى محموعات مقدمي البرامج وروساء التحرير بحيث تتم قراءتها كما هي، مع
السماح ببعض التجويد لكبار المذيعين الذين أحيانا ما يكون تجويدهم غير مقبول.
تحدث السيسي في
التسريب المشار إليه عن صناعة الأذرع الإعلامية وكيف أنها تستغرق وقتا طويلا
قبل أن تصبح جاهزة، وذلك تفاعلا مع اقتراح أحد الضباط الذي اقترح دورا أكبر للجيش
في الإعلام واحتواء الإعلاميين الذين وصفهم بأنهم كلهم خمسة وعشرين إعلاميا، إما
ترغيبا وإما ترهيبا.
لم يكن السيسي ساعتها قد وصل للسلطة، ولكنه وفي إطار تجهيز نفسه كان يجهز
أفكاره التي سيطبقها عندما يقبض على السلطة، وحتى قبل وصوله في 2014 وضع الإعلام
هدفا له، وكلنا يتذكر كيف نهَر السيسي إبراهيم عيسى أثناء المقابلة التي أجراها
معه الأخير أثناء حملته الانتخابية، حين ذكر عيسى تعبير "العسكر"، فقال
له ساعتها "
ماسمحلكش".. ومن هنا بدا للجميع أن السيسي قادم بجملة من الأفكار
السلبية عن الإعلام وأفكار عملية للسيطرة عليه.
كانت الفكرة المبدئية لدى السيسي هي مركزية الإعلام بحيث يكون كله تابعا
لإدارة واحدة وإن تعددت الوظائف، وقد بدأ خطته عن طريق مدير مكتبه وجعل الملف الإعلامي
ملفا سياديا تابعا للرئاسة وإن أشرف عليه ضباط جيش أو استخبارات وثيقي الصلة بعباس
كامل.
واجهت السيسي مشكلة الإعلام الخاص، وهو أكبر تحديات عصر مبارك الذي كان
مضطرا لفتح المجال العام والتنفيس عن غضب الشارع فاضطر للسماح ببعض النوافذ الإعلامية
التي يسيطر عليها رجال الأعمال المحيطين به، مثل أحمد بهجت وقناة دريم وحسن راتب
وقناة المحور وعائلة دعبس وقنوات مودرن، ظنا منه أنها تحت السيطرة. والحقيقة أن
رأي السيسي في كل هذه القنوات كان سلبيا للغاية حتى ولو وافقته الرأي في الحرب على
الإخوان أو المعارضة، فمجرد وجود نوافذ إعلامية قوية يثير غضب الجنرال ويعتبرها نذير
شؤم على أي نظام.
انتقل الجنرال من مرحلة السيطرة عن بُعد إلى السيطرة عن قرب، وذلك بالضغط
على معظم القنوات ووسائل الإعلام لكي تبيع حصتها لشركة جديدة تابعة للأجهزة
السيادية ومموليها من دول مجلس التعاون الخليجي وخصوصا الإمارات والسعودية؛ التي
اعتادت
السيطرة عن بعد من خلال شراء بعض المذيعين والكتاب من خلال تعيينهم
مستشارين للسفارة أو من خلال شراء بعض النسخ أو تقديم هدايا لكبار المذيعين
بمناسبة العيد الوطني السعودي، ومنها دعوة الحج والعمرة والتي كان يتنافس عليها
معظم أعضاء مجالس إدارات القنوات والمؤسسات الصحفية وهذا تقليد قديم جدا.
تم شراء معظم الوسائل الإعلامية ذات الصيت والسمعة وحتى تلك التي لا تتمتع
بصيت ولا سمعة من باب تجفيف المستنقع؛ لأن الجنرال يرى أن الإعلام عبارة عن مستنقع
كبير يجب تجفيفه، ودائما ما يوجه اللوم للإعلاميين ويراهم سببا في عدم إيصال إنجازاته
العظيمة إلى قلب وعقل المواطن
المصري عموما.
ورغم سيطرته على وسائل الإعلام ورغم مرور عشر سنوات على الانقلاب فلا يزال
السيسي يرى أن إعلامه الذي هو ملك يمينه وفي قبضة يده مقصر. ففي أيلول/ سبتمبر
2022 خرج السيسي على الإعلام ليطالبه بالرد على
المشككين في إنجازات الدولة بالحقائق والأرقام، وهذا يبين لك
مدى عمق الأزمة التي يعيشها رغم السيطرة المتناهية على كل تفاصيل المشهد الإعلامي.
نعود إلى فكرة مركزية الإعلام فقد تأسست الشركة
المتحدة للخدمات الإعلامية كشركة
مساهمة مصرية في أيار/ مايو 2016 وتضم حوالي 40 شركة و17 قناة تلفزيونية و10 منصات
رقمية، ويعمل فيها حوالي 8400 موظف بدوام كامل عدا العاملين بالقطعة.
من بين الشركات التابعة للمتحدة شركات دعاية وإعلان، وشركة لحجز تذاكر
المباريات الرياضية (تذكرتي)، وأخرى لإدارة استادات كرة القدم (استادات)، ورابعة لإنتاج
المسلسلات، وخامسة لعرض المسلسلات والأفلام التي تشوّه المعارضة وتمتدح النظام
وتدغدغ مشاعر اليهود والصهاينة، وهكذا تتم السيطرة على المشاهدة جوا وبرا وبحرا، رياضة
وترفيها، طول الوقت. كما تضم "المتحدة" مجموعة قنوات على رأسها القنوات
الرياضية المعروفة بأون تايم سبورت، والتي يقدم برامجها مجموعة من الجنرالات
وعملاء المخابرات ومؤيدي نظام مبارك في السابق، وأخرى إخبارية، وثالثة ترفيهية،
وكلها تقدم على النظام حتى الرياضية التي لا تكف عن كيل المديح للسيسي بمناسبة
وبدون مناسبة.
في البداية تم اختيار مخرج الإعلانات تامر مرسي، صاحب شركة
سينرجي للإعلانات، لكي يكون رئيسا للشركة بما عُرف عنه من أنه قريب الصلة بجهاز
المخابرات، ولكن ما لبث أن
تم التحقيق معه ثم طرده من موقعه بسبب تهم تتعلق بالفساد وإهدار
مال عام، وأوكلت المهمة لحسن عبد الله، رجل
البنوك المعروف والذي لم يُعرف
عنه أي نشاط إعلامي من قبل، ولكن يبدو أنه جاء بمهمة محددة وهي طرح أسهم المتحدة في البورصة تمهيدا لبيعها، وقد تم الإعلان عن ذلك في عام 2021 (ربما
لسداد ديون مصر!!).
وفي أيلول/ سبتمبر 2022 تم الإعلان عن تعيين وزير الاستثمار السابق أشرف
سالمان رئيسا للشركة المتحدة، بعد أن تم تعيين حسن عبد الله محافظا مؤقتا للبنك
المركزي المصري في 18 آب/ أغسطس
2022.
يتوغل المال الإماراتي في وسائل الإعلام المصرية، ولكن كله يصب في خزانة
الجهاز المسيطر على الإعلام وهو جهاز المخابرات بقيادة عباس كامل (الذي يشاع أنه
مريض ويرقد في أحد المستشفيات العسكرية منذ فترة قصيرة).
الإمارات عبر محمد دحلان قامت بتمويل غير معلن لصحيفة وموقع اليوم السابع
الذي كان يترأسه خالد صلاح، المعروف لدى أمن الدولة قبل ثورة يناير بـ"أبو
لمونة" والذي أرشد عن خاله الإسلامي وتسبب في سجنه. و
قام دحلان بزيارة اليوم السابع لتدشين العلاقة مع الصحيفة والموقع، وبالتالي يمكن
الدخول إلى دهاليز الإعلام المصري من خلال شراء قنوات مثل قناة "تن"
التي يديرها الصحفي نشأت الديهي، وهو أحد صقور إعلام الانقلاب المدافع عن السيسي
وجرائمه، وفي نفس العام (2015) تم تدشين
قناة الغد العربي بحضور توني بلير، مستشار الإمارات ومعظم حكام المنطقة.
لم تكتف الإمارات بشراء والاستحواذ على بعض القنوات ووسائل الإعلام، بل
اتجهت إلى السيطرة ولو جزئيا على نقابة الصحفيين المصرية من خلال إنشاء وحدة تدريب
في طابقين من طوابق النقابة العريقة. وفي عام 2019 قام وفد من الصحفيين الإماراتيين
بزيارة للنقابة، وعلى رأسه نادي
دبي للصحافة برئاسة منى المري التي صرحت بالقول: "اليوم لدينا الفرصة أن نخلق
نموذجاً لأننا في منطقة مضطربة سياسياً، وواجبنا أن نغير هذه الصورة وألا نحارب
أنفسنا"، في إشارة إلى أهمية السيطرة على كل ما يقال.
التوغل الخليجي في الإعلام المصري الرسمي قديم ويشبه التوغل في دهاليز السياسية الخارجية المصرية، كما عبّر أحمد أبو الغيط في مذكراته (شهادتي) عن أن جزءا من السياسية الخارجية المصرية تخضع للسعودية
التعامل السعودي مع الإعلام المصري قد لا يقوم على شراء المنافذ الإعلامية
بالطرق التقليدية، ولكن وعلى سبيل المثال استطاعت قناة إم بي سي- مصر شراء أكبر
بوق إعلامي في العالم العربي وهو عمرو أديب،
ودفع راتب سنوي لا يحصل عليه مذيع في
العالم العربي وربما في أوروبا،
وذلك لهدفين أساسيين هو الترويج لمشاريع الترفيه التي يقوم بها تركي آل الشيخ على
الصعيدين السعودي والمصري ونشر أفكار الحكومة السعودية وتعليقاتها على الأحداث
بطريقة غير مباشرة، ومنها مثلا الضغط على النظام في مصر في بعض القضايا العالقة
بين البلدين أو ما يعرف بـ"تحمير" العين للنظام، من خلال هجوم ولو مخفف
ونبرة غير عادية في خطاب عمرو أديب للنظام والاقتصاد والسياسة المصرية، وهو أمر
أثار حفيظة بعض مذيعي النظام (
محمد الباز) فاعتبره عميلا سعوديا.
لا يكتفي النظام السعودي بذلك بل يسيطر على الحياة الرياضية عبر زرع بعض
المذيعين مثيري الشغب في فضائية إم بي سي- مصر، مثل مهيب العجيب الذي يأتي ببعض
المعلقين التافهين ويثير الشحناء في النفوس. وقد
تمت إحالته للتحقيق ووقف برنامجه مؤخرا، ولكنه حتما سوف يعود فنفوذ تركي آل الشيخ لا يقاوم،
أو حتى من خلال بعض المذيعات اللواتي احترفن فن الترند في مجال نشر النسوية وغيرها.
التوغل الخليجي في الإعلام المصري الرسمي قديم ويشبه التوغل في دهاليز السياسية
الخارجية المصرية، كما عبّر أحمد أبو الغيط في مذكراته (شهادتي) عن أن جزءا من
السياسية الخارجية المصرية تخضع للسعودية.
الخطورة الكبيرة ليست في ما يعرف بالإعلام السياسي والمتمثل في البرامج
الإخبارية أو السياسية بل في تعميم رسائل النظام (السامسونج) على كافة البرامج،
حتى برامج ربات البيوت والبرامج الرياضية والفنية والاقتصادية والدينية، فالكل مسخّر
لخدمة النظام وتقديم تبريرات غير مقبولة لفشله المتتالي والتاريخي. وهنا لا بد من
ذكر تجربة الشيخ خالد الجندي الذي نجح وببراعة في تقديم تبريرات للظلم والفساد وتأميم
الخطاب الديني واتباع الحاكم وعدم عصيانه مهما فعل، بل وتباهى بمقولة كنا نقولها
منذ نهاية السبعينيات وهي علماء السلطان، وخرج على الملأ معلنا: "
أنا شيخ السلطان".
كل ما سبق من هيمنة وسيطرة وإحكام قبضة لم يكفِ الجنرال ولا تزال في نفسه
ريبة من الإعلام الذي بين يديه، لذا فما ينفك عن الظهور الإعلامي عبر المؤتمرات،
خصوصا مؤتمرات الشباب التي تجاوز عددها تسعة وتبلغ تكلفة المؤتمر الواحد قرابة 750
مليون جنيه، أو المؤتمرات التلفزيونية التي يفتتح خلالها مشاريع تم افتتاحها مرات
ومرات ليمسك بالميكروفون مكررا أرقامه وإحصائياته التي يتم الرد عليها وتكذيبها صباح
مساء، ويعيد على مسامع الناس شعاراته القديمة عن ثورة يناير وتحذيره المستمر من الإخوان
ومن الثورة ووعيده الذي لم يعد يخيف حتى الأطفال.
على مدار العام الواحد يظهر السيسي بمتوسط مرتين إلى ثلاثة مرات أو أكثر كل
شهر، وقد يغيب في شهر كامل ليعوض ذلك الغياب بالظهور أكثر من مرتين سواء في
مؤتمرات كمنتديات الشباب العالمية التي تكلف الدولة مليارات الجنيهات أو
افتتاح مشاريع عبر الزووم أو
الفيديو الكونفرس، أو
زيارته للكلية الحربية التي يحلو له زيارتها بصورة متكررة والتجول داخلها
بدراجته باهظة الثمن، وكذلك
زيارة أكاديمية الشرطة ودائما ما يكرر
رسائله المبطنة أحيانا والمفضوحة في كثير من الأحيان، لكنه لا يجرؤ على زيارة
المستشفيات والجامعات والتحاور مع الأساتذة وإن فعل فعادة ما يمسك الميكروفون
ليكون حديثا من طرف واحد.
ولا يكتفي السيسي بالظهور الإعلامي المحلي، بل يحلو له الظهور في منتدى شباب العالم النسخة المصرية ودعوة آلاف الشباب من خارج البلاد وإعاشتهم
لثلاث ليال على حساب الدولة (كلفة المنتدى الواحد
حوالي 37 مليون دولار أمريكي) في بلد فقير بلغت ديونه 163 مليار دولار حسب آخر تقدير
للديون.
تصنف مصر على أنها واحدة من أسوأ الدول في قمع الإعلام والإعلاميين بل توصف
بأنها في الحضيض، وهي مشهورة بما يعرف
بالإسكات الممنهج للأصوات الناقدة، ومعروفة بغلق النوافذ والمنصات الإعلامية المعارضة
وطرد المراسلين الأجانب غير المتعاونين مع الأجهزة، وقتل الباحثين على غرار الباحث
الإيطالي جوليو ريجيني. (
طالع تقرير منظمة مراسلون بلا حدود).
ولا يكتفي الجنرال بإسكات الأصوات وإبقاء أصحابها خارج السجون حتى يستطيعوا
العمل وكسب قوت يومهم، بل وصم عصره بقتل واعتقال الصحافيين وبصورة ممنهجة ومستمرة
مثيرة للسؤال:
لماذا تستمر اعتقالات الصحفيين؟ وهو أمر جعل من مصر أضحوكة العالم. (طالع
تقرير "عربي
21" عن اعتقال وانتحار الصحفيين في مصر).
لا يكتفي الجنرال بإسكات الأصوات وإبقاء أصحابها خارج السجون حتى يستطيعوا العمل وكسب قوت يومهم، بل وصم عصره بقتل واعتقال الصحافيين وبصورة ممنهجة ومستمرة مثيرة للسؤال: لماذا تستمر اعتقالات الصحفيين؟ وهو أمر جعل من مصر أضحوكة العالم
وكما فعل السيسي في إعلام الداخل استحواذا وسيطرة وغلقا وتأميما واعتقالا
وقتلا للصحفيين، طارد الإعلام المصري المعارض في الخارج وذلك مع بدء العام الأول للانقلاب،
حين تحالف النظام مع دول محور الشر (السعودية والبحرين والإمارات) للضغط على قطر
حتى تقوم بتخفيف حدة الانتقادات الموجهة للنظام، واستجابت الجزيرة وأوقفت
برنامج المشهد المصري الذي كان يمثل
رئة للشعب المصري والعربي ليتعرف على حقيقة ما يجري في مصر، ثم كانت الخطوة
التالية وهي وقف
بث قناة الجزيرة مباشر مصر، ثم كانت الخطوة الأخيرة وهي
إبعاد الرموز السياسية والإعلامية التي تقض مضاجع الجنرال من قطر وعدم استضافتها على قناة
الجزيرة في أيلول/ سبتمبر 2014.
ثم مارس النظام نفس الضغوط برفقة محور الشر الثلاثي على دولة تركيا التي
ظلت عصية على الاستجابة لسنوات، ولكن ما لبثت أن استجابت بوقف
بث البرامج ذات التأثير الجماهيري من دولة تركيا في عام 2021 رغم أنها أبقت على بعض
القنوات مفتوحة وتبث من تركيا.
وحتى اللحظة يمارس الجنرال سياسة التشويه وإطلاق الشائعات كأحد أسلحته الإعلامية
في مواجهة خصومه السياسيين، وخصوصا الإعلاميين والمؤسسة التي ينتمون إليها في
الخارج وهي رابطة الإعلاميين المصريين في الخارج، كما يستخدم القضاء الفاسد للحكم على بعض هؤلاء الإعلاميين
و
منهم العبد لله، ووضع أسمائهم
على قوائم الإرهاب والضغط عليهم من خلال
اعتقال أفراد من أسرهم والاستيلاء على ممتلكاتهم داخل مصر.
لو كتبنا ألف فصل عن الإعلام في العشرية السوداء فلن يكفينا، ولكن بمجرد
متابعة برنامج واحد من برامج النظام أو مشاهدة أحد إعلاميي النظام مثل أحمد موسى
أو نشأت الديهي؛ سيدرك أصغر طفل أن الإعلام في قبضة الجنرال وأنه في مرمى قناصة
الجنرال..