براءة
الأطفال تشبه نسمات الصباح المُعَطَّرَة،
وتَفتّح الورود في الربيع، وتدلّي الثمار الزاهية على أغصان الأشجار، وهطول
الأمطار في الخريف، وبداية الحياة بشروق الشمس.
والأطفال هم ضياء الحياة وسعادتها، وهم أمل
الأوطان ولبنة الغد المشرق، وبهم تنهض الدول والأمم، وبسحقهم تموت الدول والأمم!
وسبق لحكومة بغداد أن قرّرت في العام 2007
الاحتفال في الثالث عشر من تمّوز/ يوليو من كلّ عام بيوم الطفل العراقيّ!
ويحزنني هنا أن أتكلّم عن بعض الجوانب
المظلمة في حياة أطفال
العراق الذين عاشوا طفولتهم منذ العام 2003 وحتّى اليوم في
مراحل قاسية وقاتمة!
ومَنْ وُلد منهم في العام 2003 هو اليوم
في العشرينيّات من العمر، فما الذي فهمه هؤلاء من طفولتهم، وغالبيّتهم تائهون
وحائرون ما بين الخوف والتهجير والغربة والضياع؟
وتأكيدا للوحشيّة الأمريكية المستمرّة في
العراق، قالت المرشّحة السابقة للرئاسة الأمريكية "تولسي غابارد"
الثلاثاء الماضي: إنّ اللامبالاة في قرارات إدارة جو بايدن ذكرتني بكلمات وزيرة
الخارجيّة السابقة "مادلين أولبرايت" عندما سُئلت عن نصف مليون طفل
عراقي قتلوا بسبب العقوبات الأمريكية، فقالت: "أعتقد أنّ الأمر يستحقّ
ذلك"!
خلال العقدين المنصرمين عانت العائلة العراقية عموما، والنساء والأطفال خصوصا، من تحدّيات مركّبة بدأت بالاحتلال، ثمّ الفوضى، والتهجير الداخليّ والخارجيّ، والقتل على الهويّة، والاعتقالات العشوائيّة وبالذات بوشاية المُخْبِر السرّيّ، والمادّة "أربعة إرهاب" وتداعياتها "السوداء"، وغير ذلك من الآفات السياسيّة والاقتصاديّة والمجتمعيّة والإنسانيّة
وسجّل تقرير الأمم المتّحدة السنوي بشأن
الأطفال والنزاعات المسلّحة للعام 2022، وصدر نهاية حزيران/ يونيو الماضي بأنّهم تحقّقوا
في العراق، من وقوع 202 انتهاك جسيم على 173 طفلا، وتحقّقوا من وقوع 17 انتهاكا
جسيما في سنوات سابقة ضدّ 15 طفلا، منهم تسع فتيات!
وهذا التقرير، وغيره من التقارير، ربّما
لم يتناول بدقّة الجانب المظلم المحيط بواقع الطفولة العراقية، والذي يحتّم على
الجميع ضرورة دقّ ناقوس الخطر المتعلّق بمستقبلهم، ووجوب الاهتمام بهذه الفئة الضعيفة!
وسبق لوزارة التخطيط العراقية أن كشفت عبر
موقعها الرسمي حالة سكّان العراق لسنة ٢٠٢٢، وبيّنت أنّ "تقديرات عدد سكّان
العراق لسنة ٢٠٢٢ بلغ ٤٢ مليونا و٢٤٨ ألفا و٨٨٣ نسمة، وأنّ نسبة السكّان الذين تقلّ
أعمارهم عن ١٥ سنة بلغت ٤٠.٥ في المئة من مجموع السكّان!
وهذا يعني أنّ حديثنا اليوم عن قرابة عشرة
ملايين شخص في مرحلة الطفولة ولغاية 14 عاما!
وخلال العقدين المنصرمين عانت العائلة
العراقية عموما، والنساء والأطفال خصوصا، من تحدّيات مركّبة بدأت بالاحتلال، ثمّ
الفوضى، والتهجير الداخليّ والخارجيّ، والقتل على الهويّة، والاعتقالات العشوائيّة
وبالذات بوشاية المُخْبِر السرّيّ، والمادّة "أربعة إرهاب" وتداعياتها "السوداء"،
وغير ذلك من الآفات السياسيّة والاقتصاديّة والمجتمعيّة والإنسانيّة.
ومع ذلك صمدت الأسرة العراقية في مواجهة غالبيّة
تلك التحدّيات، وكأنّ قدرها التحمّل والصبر رغم أنّ ما وقع على العراقيين يَهدّ
الجبال وليس الإنسان، ذلك الكائن الضعيف.
وحاولت بعض القوى السياسيّة "زرع
الأمل الدستوريّ" بين الناس للتغطية على الشقاء ودوام سيطرتها! ولهذا تكفلت
الدولة العراقيّة للطفل والأسرة، وفقا للمادّة (30) من الدستور، بالضمان الاجتماعيّ
والصحّيّ، والمقوّمات الأساسيّة لحياة حرّة كريمة!
ولكنّ الواقع مختلف تماما عن هذا الكلام
المنمّق، ولن نقترب هنا من الإحصائيات التي تُشير لعشرات آلاف الأطفال المقتولين
والمعوّقين والمرضى جسديّا ونفسيّا بعد العام 2003، وسنكتفي بذكر آخر إحصائية
ذكرتها بعثة الأمم المتّحدة في العراق (اليونامي) في 7 حزيران/ يونيو 2023 والتي
أكّدت بأنّ أكثر من تسعة آلاف طفل عراقي قُتلوا أو شُوّهوا، حيث هناك 3119 قتيلا و5938
مصابا من بين الأطفال منذ العام 2008، بمعدّل تشويه أو إصابة واحدة أو أكثر يوميّا!
وهذه الإحصائيّة لا تتحدّث عن أيّ مشاريع
لتنمية الطفولة المُبكّرة، ولا عن رعايتها الصحّيّة والغذائيّة، ولا عن التعليم
المبكّر في مراحل ما قبل المرحلة الابتدائيّة والدراسة الابتدائيّة وحتّى
المتوسطة، ولكنّها، مع الأسف، تكشف بعض إحصائيّات القتل والتشويه لأطفال العراق!
هنالك حاجة مُلِحّة لبرامج حكوميّة مدعومة من منظّمة الطفولة العالميّة (اليونيسيف) لترميم الحالة النفسيّة للأطفال الذين أجبرتهم ظروف الحرب والخراب على العيش بلا معيل، بسبب القتل أو الاعتقال، أو الهروب بعيدا نتيجة التهجير داخل العراق وخارجه. وهذه الخطوة ضروريّة جدّا لتلافي أيّ تداعيات متوقّعة لما عانوا منه
وسبق لمنظمة اليونيسيف أن كشفت منتصف
كانون الثاني/ يناير 2023 عن وجود ما يقارب من 2.5 مليون شخص في العراق بضمنهم 1.1
مليون طفل، يشكل المعاقون منهم نسبة 5.6 في المئة، ما يزالون بحاجة لمساعدات
إنسانية.
وبيّنت اليونيسيف بأنّ هذه الأعداد تشمل 960
ألف شخص منهم 422 ألفا و400 طفل مُصَنْفين على أنّهم بحاجة لمساعدة إنسانيّة مُلحة.
إنّ توفير بيئة آمنة وصحّيّة ومحفّزة جزء
من سياسات الدول العلميّة الهادفة لبناء الوطن والإنسان، أما السياسات العبثيّة
والفوضى فلا يمكنها أن تقود لتنشئة صالحة وحياة مليئة بالعطاء والعلم!
وتحقيق هذه البيئة يتطلّب توفير رعاية
سكنيّة لأسرة مُستقرّة، وغير مُهجّرة، وتأمين مستشفيات رعاية الأمومة والطفولة، ومدارس
متطوّرة ورصينة لزراعة العلم والأمل معا!
وحاليّا هنالك حاجة مُلِحّة لبرامج حكوميّة
مدعومة من منظّمة الطفولة العالميّة (اليونيسيف) لترميم الحالة النفسيّة للأطفال
الذين أجبرتهم ظروف الحرب والخراب على العيش بلا معيل، بسبب القتل أو الاعتقال، أو
الهروب بعيدا نتيجة التهجير داخل العراق وخارجه. وهذه الخطوة ضروريّة جدّا لتلافي
أيّ تداعيات متوقّعة لما عانوا منه، بحسب نصائح منظّمة الصحّة العالميّة وإرشادات
العلوم الإنسانيّة المتعلّقة بالإنسان وصحّته النفسيّة والفكريّة!
ساندوا أطفال العراق لتلافي الضياع الفكريّ
والصحّيّ والنفسيّ لأنّ ضياعهم زوال للحاضر والمستقبل.
twitter.com/dr_jasemj67