قلَّما يجتمعُ الشعرُ والنقدُ والتربيةُ
والتأليفُ والعملُ الميدانيُّ في شخصٍ واحدٍ من دونِ أن يملأَ الدنيا ويشغلَ
الناسَ بنفسِه. وقلَّما تجدُ شخصاً متمكّناً وصاحبَ إنجازاتٍ تأسيسيةٍ، ولا يطلبُ
لنفسِهِ منصباً أو دَوراً في مسيرةِ نضالِ الشعبِ الفلسطينيِّ ومؤسساتِهِ الثوريةِ
أو سلطتِهِ المنتظرة.
الدكتور ياسين أحمد فاعور، ينظمُ الشعرَ
ويكتبُ القصةَ والروايةَ والدراساتِ الأدبيةَ والنقديةَ، ويدرِّسُ في كليةِ
التربيةِ في جامعةِ دمشق، ويقودُ لجنةَ النقدِ في اتحادِ الكُتّابِ العرب، ويشاركُ
في الملتقياتِ الدوليةِ والعربيةِ والمحليةِ، ورغمَ كلِّ ذلكَ بقيَ يعملُ بصمتٍ من
دونِ ضجيجٍ إعلاميٍّ وصخب شعبي وطموحات سياسية.
فكيفَ أسَّسَ شاعرُنا لهذه الأجيالِ أدباً
ونقداً وشعراً ساهم في جعلها تحافظ على تمسكها بحقّها ببلادها؟
حياته
وُلد الدكتور ياسين أحمد فاعور في قرية شعب
في قضاء عكا بفلسطين، في الأول من آب (أغسطس) 1939، وخرج من
فلسطين بعمر تسعِ
سنواتٍ إلى لبنانَ، ثم إلى سورية، وعاش طفولتَهُ وشبابَهُ في مخيمِ النيربِ في
حلب، حيث التحقَ في المرحلةِ الابتدائيةِ بمدرسةِ عكا التابعة لوكالة الأونروا
بالمخيم. وتلقى دراسته الإعدادية والثانوية في مدارس مدينة حلب السورية. وفي عام
1965 حصل على الليسانس في اللغة العربية من جامعة دمشق، وحصل على دبلوم التأهيل
التربوي منها عام 1982. أعقب ذلك الماجستير ثم الدكتوراه، وحصل على منحة دراسية من
جامعة تونس حيث حصل على درجة "دكتوراه الدولة" من الجامعة التونسية.
التحق شاعرُنا في البداية بالمؤسسات
التعليمية التابعة لوكالة الغوث، فعُيّنَ مُعلّماً للمرحلة الابتدائية في حلب، ثم
مدرّساً للمرحلةِ الثانويةِ فيها، ثم مديراً لإعداديةِ الخيرية باللاذقية، ثم
موجهاً تربوياً لمدارسِ الأونروا، فمُوجِّهاً للغةِ العربيةِ، ثم أصبح نائباً لرئيسِ
مركزِ التطويرِ التربويِّ، وبعدها أصبح مديراً لمركزِ التطويرِ التربوي في
الأونروا، فضلاً عن اعتمادِهِ مستشاراً لملتقى المُبدِعات العربيات في تونس. كما
مارس التدريس الجامعي في جامعة دمشق.
فضلاً عن كونِهِ مقرراً لجمعيةِ النقدِ
الأدبيِّ في اتحادِ الكتابِ العرب وعضو اتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين.
المؤلفات:
مؤلفات الدكتور ياسين فاعور مؤشرٌ مهم
وفارقٌ على أهمية دوره التربوي اللغوي، إلى جانب مهماته الوظيفية (مركز التطوير
التربوي في الأونروا) والتدريسية (مدير وموجه في مدارس الأونروا، ومدرّس في جامعة
دمشق) في بناء الأجيال. فهي مجموعة عوامل متضامنة تشكل شخصيته الكاريزمية ودوره
الهام في بناء الأجيال.
من مؤلفاته:
ـ كتاب اللغة العربية كلية التربية لمعلم
الصف (بالمشاركة)، جامعة دمشق، دمشق 2004- 2005 كتاب جامعي.
ـ كتاب اللغة العربية كلية التربية لمعلم
الصف (الصف الثاني) بالمشاركة، جامعة دمشق، 2006- 2007 كتاب جامعي.
ـ كتاب اللغة العربية كلية التربية لمعلم
الصف (الصف الثالث) بالمشاركة، جامعة دمشق، 2007/2008 كتاب جامعي.
ـ همسات العمر، دار الربيع، حلب 1985 مجموعة
شعرية.
ـ الثورة في شعر محمود درويش، دار المعارف،
تونس 1989 دراسة نقدية.
ـ السخرية في أدب إميل حبيبي، دار المعارف،
تونس 1993 دراسة نقدية.
ـ القصة القصيرة الفلسطينية ميلادها وتطورها
1924 – 1990، اتحاد الكتاب العرب، دمشق 2000 دراسة نقدية.
نماذج من شعره:
حوارية الإصرار والتحدي
كان حلماً لازورديَّ الرُّؤَى صعبَ المنالْ
شفَّ روحي، أَسقَم الجسمَ وطال الجُهدُ..
طالْ
راوَدَ الإحجامُ نفسي، وانبَرَى يَطوي
الليالْ
وقضيتُ العمرَ غمّاً بين حلٍّ وارتحال
خطوةٌ تُحيي مواتاً، وثلاثٌ للمحال
كلما أدركتُ سُؤْلاً جال في البحث السؤال
همزةُ الوصلِ استحالت، وانثنَى دربي ومال
هِمَّتي تأبَى انكساراً رغم آلاف النِّصالْ
كبوةٌ تتلو عثاراً، وسرابٌ وظِلالْ
وبصيصُ النورِ يخبو، ثم يطفو في اشتعالْ
أَزرعُ النورَ بقلبي، من يَفُزْ بالصبرِ
نالْ
تَعظُمُ الأهوالُ حولي، وربيعُ العمرِ زال
كلما استسهلتُ سهلاً هدَّني زحْفُ التلالْ
ضاقَ صدري، عِيلَ صبري، مالَ هذا الحظُّ مال
قالت الزوجة مهلاً، كل ضِيقٍ لِزوالْ
تَلِدُ الظلمةُ فجراً ما أتى ليلٌ وطال
رُبَّ كَربٍ أنتَ فيه بعدَه فوزٌ يُنال
تُؤْخذُ الدنيا غِلاباً، إنما الحربُ سجال
أثنتِ الحسناء بنتي بعباراتٍ تُقال
قد عَهِدْناكَ صبوراً، صِنْوَ أفذاذِ
الرجالْ
وسِراجاً كنتَ فينا، يهبُ الدنيا جمال
لا تنلْ منكَ الليالي، إنَّ صوتَ الحقِّ
قالْ
عانِقِ العلياءَ مسعى تبْقَ في عزٍّ ومال
يا أبي حيَّاكَ ربي، قالها ابني وجالْ
ينبشُ الذكرى حواراً، يرسًمً العمرَ خَيالْ
قُدوتي في كلِّ جهدٍ أَفرغتْ فينا الخِصالْ
مِن مَغانيها احتَرَفْنا عملاً دونَ كلالْ
هلَّلَ الطفلُ حفيدي، وتثنَّى في دلالْ
داعبتْ يمناهُ صَدري، وهفا منهُ سُؤالْ
جَدُّ هل أدركتَ فوزاً؟ فيهِ يعتدُّ الرجالْ
يا أحبائي هنيئاً، حُقَّ ما كانَ خيالْ
أصبحَ الحلمُ حقيقهْ، لم يَعدْ صعبَ المنالْ
محمد الدُرّة
أبتاهُ ما ماتَ الصغيرْ.. مات الضميرْ
رامي يُحلِّقُ في الفضاءْ.. قمراً يُنيرْ
يَهدي البَشرْ
يُذكي الشررْ
ليعود للشعبِ المناضلِ بالظَّفَرْ
هذي الكواكبُ إخوتي
في صُحبتي يحلو الفِدا.. يحلو السَّمرْ
صنعوا من القهرِ الظفرْ
حملوا الحجرْ.. قذفوا الحجرْ.. قهروا الخطرْ
صنعوا القدرْ
*****
أبتاهُ ما ماتَ الصغيرْ.. مات الضميرْ
أنا لم أمتْ.. أنا لم أزلْ شِبلاً يُقاوِمْ
في صدرِ أحبابي مُقيماً
أنا لن أهونَ، ولن أساومْ
عبثاً يحاولُ حقدُهم حلاًّ عقيماً
أنا لم أزل في صحوة الأحرار نبراساً عظيماً
إن يقتلوني غيلةً.. أو يطمسوا حقي القديما
أو يُمطِروني حقدَهَمْ مطراً غزيراً
أو يحفروا في الصدر أخدوداً أليما
سأظل بركاناً يقاوِم
في صدرِ أحبابي مقيماً
أنا لن أهونَ ولن أساوم
عبثاً يُحاولُ حقدُهم حلاً عقيما
أنا لم أزل في صحوةِ الأحرارِ نبراساً
عظيماً
إن يقتلوني غيلةً.. أو يطمسوا حقي القديما
أو يمطروني حقدَهم مطراً غزيراً
أو يحفروا في الصدر أُخدوداً أليماً
سأظل بركاناً يقاوم
******
سلِمَت يمينك يا أبي
ضمّت إلى الصدرِ الجريحِ حبيبَها
تحمي الصغيرَ وتفتدي.. وتردُّ كيدَ المُعتدي
رسمتْ شعارَ النصرِ واثقةً بِهِ
أوحَت بفجرٍ مشرقٍ متجددٍ
وتَوَعَّدَت.. وتَوَعَّدَت..
وتوعدتْ بالثأرِ ظلمَ الحاقدِ
لم يقتلوني يا أبي.. قتلوا الطفولة
وأدوا البراءة.. واستهانوا بالكهولة
نفثوا سموم ضميرهم..
أين الضمير من الرجولة
*كاتب وشاعر فلسطيني