بعد تغير موقف
تركيا وأردوغان من السيسي وانقلابه ونظامه، بدأ إعلامه
وإعلاميوه تخف عباراتهم التي كانت تنال منه، وكانت تتجاوز في حق كل خصوم هذا
النظام، ولكن فاجأنا الإعلامي عماد الدين أديب، بكلام تجاوز به كل من كانت مواقفهم
في اتجاه، وتحولت نحو أردوغان مدحا، فنقل عن أديب تحت عنوان: أردوغان أنت معلم،
ومنك نتعلم.
بدأ أديب في بيان أوجه معلمة أردوغان، في قدرته على فعل الشيء
ونقيضه، فيشعل حربا مع خصم، وسريعا ما يتحول توجهه لرفع رايات السلام معه،
واستغلال الأزمات الإقليمية، وتحويلها إلى فرص لتحقيق المكاسب، وقدرته على تبني
سياسات متشددة، ثم التخلي عنها، ثم مؤخرا من مقايضة الغرب على ضم السويد لحلف
الناتو مقابل مكاسب يحققها، وكيف يوازن بين علاقته بروسيا وأمريكا في آن واحد،
محققا مكاسب من الجميع.
هذا مجمل كلام أديب في إعجابه بعبقرية أردوغان، أو ما أطلق عليه بلغة
المصريين العامة: معلم، ومنك نتعلم، وبالطبع يغفل أديب لماذا أردوغان معلم؟ فضلا
عن انتهاء خلافه مع السيسي رأس النظام الذي يواليه أديب، والذي كان مواليا لكل
نظام، بداية من مبارك، ومرورا بالمجلس العسكري، وانتهاء بالسيسي، وإضافة لعلاقته
بالأنظمة الخليجية، وبخاصة السعودية.
أديب ليس شخصا صغيرا، لا يفهم ملامح عبقرية أو دهاء أردوغان، أو
معلمته حسب تعبيره، لكنه يبتعد بالأسباب الحقيقية، ليذهب لأسباب أخرى، وهي مفادها:
البراجماتية، فهو ينتهي إلى أن السياسي الذكي ممثلا في أردوغان، هو من يحسن التنقل
من الشيء ونقيضه، ما دام ذلك يعبر به ويحقق مصالحه.
لكنه يعلم ويتجاهل أن السبب الذي يجعل أردوغان يضع نصب عينيه مصلحة
بلاده وشعبه، بأنها أسباب مهمة، لا يجرؤ أديب على طرحها، أو التلميح إليها،
فأردوغان شخص منتخب، ولا يملك إلا أن يسعى ويجتهد ليل نهار، ليرضي الناخب التركي،
والمواطن التركي، الذي فعل له كل ما تم في تركيا، ومع ذلك لا ينجح بنسبة مريحة، بل
بنسبة لا تزيد عن 52%، وربما كانت 53%، ورأينا آخر انتخابات خاضها منذ أسابيع،
وكيف مر منها بصعوبة، بعد جولة إعادة كان يمكن أن يخسر فيها الانتخابات.
هذا هو السر الأهم في المعلمة، أن هناك فرقا بين حاكم عينه على رضا
شعبه، وخدمته، وتبدأ الخدمة من البلديات، وتنتهي بالرئاسة، وكل أمله أن يظل في
الحكم ومعه حزبه ولو بفارق لا يزيد عن ثلاثة في المائة بينه ومنافسه، بينما هناك
حاكم يعمل معه أديب، ويروج له، آخر ما يمكن أن يفكر فيه هو هذا الشعب، لأن الشعب
لا فضل له في مجيئه، ولا في بقائه، ولا يمكنه عزله. هذا فارق مهم.
وما أسهل عزل أردوغان بالصندوق، ولا يمكنه أن يبقى في الحكم يوما
واحدا بعد انتهاء مدته الثانية، حسب الدستور التركي، ولا يمكنه التلاعب في نتائج
الصندوق، سواء كانت معه أو ضده، وقد رأى العالم كيف خسر رئيس وزراء سابق، ورئيس
برلمان تركيا، وهو بن علي يلدريم، أمام شاب معارض هو أكرم إمام أوغلو، ومع إعادة
انتخابات بلدية اسطنبول، لم ينجح مرشح الحزب الحاكم في أكبر بلدية في تركيا.
الفارق الثاني والمهم، أن أردوغان جاء وقد أعاد المؤسسة العسكرية
لدورها الحقيقي، منحيا إياها عن الحكم، بعد أن كانت تتدخل في كل تجربة ديمقراطية،
أما الآن فانتهى دورها، ولم يعد في إمكان الجيش ـ حاليا ـ أن يهدد بالانقلاب على
انتخابات في البلد، ولا يوجد حاكم عسكري يقوم بانقلاب، بل كانت كل انقلابات تركيا
لا يحكم العسكر، بل ينقبلون ويأتون بمدني يديرونه من خلف الستار.
السر الأهم في المعلمة، أن هناك فرقا بين حاكم عينه على رضا شعبه، وخدمته، وتبدأ الخدمة من البلديات، وتنتهي بالرئاسة، وكل أمله أن يظل في الحكم ومعه حزبه ولو بفارق لا يزيد عن ثلاثة في المائة بينه ومنافسه، بينما هناك حاكم يعمل معه أديب، ويروج له، آخر ما يمكن أن يفكر فيه هو هذا الشعب..
ورغم انقلابهم، يقومون بانتخابات، ويشارك فيها أنصار والحزب الذي تم
الانقلاب عليه، في انتخابات شفافة، والجيش التركي ليس شريكا في الاقتصاد ومنافسا
للمدنيين، وهو ما لا يحدث في مصر، وما لا يجرؤ أديب على ذكره، ويعد أردوغان معلم
بحق في هذه المسألة، إذا استطاع بمهارة تقليم أظافر العسكر، وجعل العسكر في مكانه
الطبيعي، وهو التسليح، والعمل على زيادة قوة تركيا عسكريا، على حدودها، وخارجها.
الفارق الثالث: معرفة من يحكم بجغرافية وتاريخ البلد الذي يحكمه،
فيزيد من رقعة نفوذه، ويعيد ما اقتطعه الغرب منه، في اتفاقيات كانت تركيا في وقت
وضعها في شدة ضعفها، وهو ما يجسده أردوغان، لأن وراءه شعب يقارن بوضوح في هذه
المسألة، وشتان بين حاكم يدرك قيمة جغرافية وتاريخ بلده، ويحفظ هيبة الكرسي الذي
يجلس عليه، وبين آخر، باع الجغرافيا والتاريخ والهيبة التي كانت لمصر بين العرب
والعالم.
الفارق الرابع: وجود معارضة قوية في تركيا، تتصرف مع أردوغان وكأنها
تحكم، ويقع الحاكم تحت ضغوطها، ويستجيب لبعضها، حتى يفوت عليهم فرصة اقتناص مواقع
منه في العملية السياسية، وهو ما لاحظه الجميع في الانتخابات الرئاسية الأخيرة،
فلغة خطاب المعارضة، وطريقة تحركها، وطرحها للقضايا، والذي اشتمل على عنصرية
واضحة، ومع ذلك تعامل أردوغان معها بما يفوت بعض الضغوط، ووقع تحت بعضها.
فهل يوجد في مصر معارضة يا سيد أديب، ما يمكن أن يعتبرها النظام قوة له،
وزادا وحافزا له للتجويد والإتقان في الحكم؟ أم يعتبرهم خونة في الداخل إن وجدوا،
ولا مكان لهم إلا السجن، أو خونة في الخارج، ولا مكان لهم سوى قوائم الإرهاب،
وملاحقات أمنية، وتفاوض مع الدول الأخرى عليهم، مقابل مقدرات البلد وثرواتها
الخارجية؟!
هذه الفوارق التي تجعل من أردوغان معلم، ومنه يتعلم عماد الدين أديب
وغيره، وليس ما ذكره من مناورات سياسية، وليس ذلك تقليلا من سياسة أردوغان، لكن
ماذا تفعل السياسة للسياسي إذا كانت كل هذه الفوارق ليست موجودة، فلدينا رأس نظام،
نال دعما لم ينله حاكم مصري على مدار تاريخها، سواء مادي، أو سياسي، أو غربي، ومع
ذلك ليس معلما، ولا يتعلم منه سوى من يعجبون بديكتاتوريته كما قال عنه ترامب:
ديكتاتوري المفضل.
[email protected]