أثار تحرك الحكومة البريطانية السريع لتقييد قدرة
البنوك على إغلاق الحسابات دون أسباب واضحة، على خلفية إغلاق حساب زعيم حزب بريكست
السابق نايجل فاراج، تساؤلات عن الازدواجية في هذا الصدد، في ظل رفض الحكومة ووسائل
الإعلام سابقا اتخاذ موقف مشابه إزاء إغلاق حسابات عدد كبير من الشخصيات والمنظمات
الإسلامية.
وقالت صحيفة التايمز؛ إن البنوك التي لا تحترم حرية
التعبير وتلجأ لإغلاق حسابات زبائنها لعدم موافقتهم في آرائهم السياسية؛ مهددة بفقدان
رخصتها.
وتحدثت الصحيفة عن خطط حكومية في
بريطانيا لحماية حرية
التعبير، على ضوء قضية إغلاق حساب فاراج ورفض بنوك أخرى فتح حساب جديد له.
وأوضحت الصحيفة أن الخطة التي تعمل عليها وزارة الخزانة
ويتوقع أن يعلن عنها الأسبوع القادم، ستتضمن منح العملاء مهلة ثلاثة أشهر قبل إغلاق
الحساب، بدل من شهر واحد حاليا. وسيتوجب على البنك إعطاء تفسير واضح لإغلاق
الحساب، وسيكون أمام صاحب الحساب الحق في طلب مراجعة القرار.
ورحب فاراج بهذه الخطوة، وقال؛ إنها "أسرع تدخل
رأيته من الحكومة منذ العديد من السنين".
اقرأ أيضا: كاتب بريطاني: عكس نايجل فاراج.. لا أحد يهتم بإغلاق الحسابات البنكية للمسلمين
وواجه بنك "سكاوتس" الذي يدير حسابات
للأثرياء الذين تبلغ إيداعاتهم ثلاثة ملايين جنيه إسترليني على الأقل، انتقادات من
جانب الحكومة، فقد وصف رئيس الوزراء ريشي سوناك قرار البنك بإغلاق حساب فاراج بأنه
"خاطئ. لا أحد ينبغي أن يُمنع من استخدام الخدمات الأساسية بسبب آرائه
السياسية. حرية التعبير هي حجر الزاوية في ديمقراطيتنا"، كما قال.
كما هاجمت وزيرة الداخلية سويلا بريفمان قرار البنك
الذي يتبع مجموعة "ناتويست"، ودعت البنوك لإعادة التفكير، واتهمت البنوك
بأنها تتبنى "عقيدة سياسية متحيزة"، وفق تعبيرها.
ويزعم فاراج أن مراجعة داخلية في البنك أوردت أن
"الكثيرين يرونه محتالا ومخادعا"، وأن آراءه السياسية يمكن وصفها بأنها
"معادية للأجانب وعنصرية"، وهي "لا تتوافق مع قيمنا (البنك)".
وقال فاراج لوكالة برس أسسيوشيين؛ إن حسابه أُغلق بناء
على قاعدة تخص الشخصيات السياسية أو الشخصيات العامة، رغم تبرير البنك بأسباب
مالية أو تجارية. وحمّل مسؤولية القرار لمسؤولة في البنك قال إنها مؤيدة للبقاء في
الاتحاد الأوروبي، وتعتقد أن انسحاب بريطانيا أضر بالاقتصاد.
وأعاد تفاعل الإعلام والحكومة في بريطانيا مع قضية
فاراج، التذكير بإغلاق البنوك البريطانية حسابات أفراد من الجالية المسلمة ومنظمات
إسلامية ومساجد، وحينها رفضت صحف مثل الديلي تلغراف، التي كانت أول من تحدثت عن
قضية فاراج، النشر عن قضية حسابات
المسلمين التي أغلقت، كما لم تستجب الحكومة على
مدى سنوات للضغط على البنوك بهذا الصدد، على العكس تماما من تحركاتها الحالية.
وفي هذا الصدد، كتب الصحفي البريطاني بيتر أوبورن في
موقع "ميدل إيست آي" مؤخرا؛ أن كبرى الصحف البريطانية، بما في ذلك
التايمز، وديلي ميل، والفاينانشيال تايمز، والغارديان، وتلغراف، تناقلت خبر إغلاق
حسابات نايجل فاراج، معتبرا ذلك أكثر من مجرد مبالغة فارغة.
وكان أوبورن قد استقال من الديلي تلغراف في 2014 بعدما
رفضت نشر مقال له عن قضية إغلاق بنك "إتش إس بي سي" حسابات منظمات إسلامية،
علما أن الصحيفة سبق أن نشرت تقريرا وضعت فيه العديد من المؤسسات تحت مظلة الإخوان
المسلمين، وكثير من هذه المؤسسات تم إغلاق حساباتها لاحقا.
ولفت إلى أنه كان قد كتب العديد من القصص عن إغلاق
حسابات لمسلمين، لكن "لم تتم متابعة أي منهم في وسائل الإعلام البريطانية، أو
اعتباره قضية من قبل السياسيين"، مفسرا ذلك بأن "الأفراد المعنيين على
الرغم من أنهم مواطنون بريطانيون بشكل أساسي، فإنهم كانوا من المسلمين".
وأشار أوبورن إلى أنه كان قد أثار هذه القضية مع وزير
المالية السابق جورج أوزبورن، ثم مع الوزير جون غلين، لكن دون نتيجة.
وفي ذات السياق، تفاعل مسجد فينسبري بارك على تويتر،
وهو أحد المؤسسات التي تم إغلاق حسابها البنكي عام 2014، مع طريقة التعامل
الإعلامي والرسمي مع قضية فاراج.
وكتب الحساب: "عندما أُغلق حسابنا البنكي في
2014، اهتم عدد قليل فقط.. وعندما يغلق الحساب البنكي لرجل يعتقد أن المسلمين
البريطانيين هم طابور خامس، هناك اهتمام وطني، لماذا؟"، في إشارة إلى فاراج
المعروف بمناهضته للمهاجرين والمسلمين.
وكان المسجد قد توصل لتسوية
قضائية مع شركة تومسون رويترز، بعدما أدرجت الشركة اسم المسجد ضمن قاعدة بيانات
تستخدمها معظم البنوك الكبيرة في العالم لتقييم مستوى الخطورة، وهو ما أثر بصورة
سلبية وخطيرة على سمعة ومالية المسجد، وعلى إثر ذلك تم إغلاق الحساب البنكي للمسجد.
وبموجب الصفقة التي جاءت بعد
معركة قضائية في 2017، تقدمت الشركة باعتذار للمسجد، كما وافقت على دفع تعويضات.
والقائمة ذاتها كانت السبب في
إغلاق حسابات أخرى لمسلمين. ورغم تسوية العديد من هذه الملفات مع الشركة، إلا أن
البنوك لم تُعد فتح الحسابات.
من جهته، قال رئيس هيئة أمناء
مسجد فينسبري محمد كزبر؛ إن "قضية فاراج أعادت إلى الأذهان ما حصل من إغلاق
لحسابات مؤسسات إسلامية عديدة منذ سنوات دون أسباب واضحة، ومعظمها بدوافع سياسية
وتحريض من دول وجهات خارجية".
اقرأ أيضا: مسجد بلندن يكسب دعوى قضائية وتعويضا بعد اتهام "بالإرهاب"
وأوضح كزبر، لـ"
عربي21"، أن "هناك
تعاملا بمكيالين في هذه القضية، حيث إننا حاولنا مرارا لفت النظر لدى الإعلام
والسياسيين من برلمانيين ووزراء لخطورة هذا الإجراء ضد العديد من المؤسسات الإسلامية
والمساجد بدون وجه حق وبدون إبداء الأسباب، ومن ضمنها مسجدنا فينسبري بارك، ولكن
للأسف لم يتحرك أحد للوقوف معنا، أو على الأقل لمتابعة هذا الملف مع البنوك
المعنية، بل وجدنا تواطؤا واضحا في كثير من الأحيان"، حسب وصفه.
وقال: "وجدنا التعامل مع قضية فاراج مختلفا تماما،
حيث أصبحت قضية وطنية تكلم فيها معظم الإعلام، وحتى رئيس الوزراء علق عليها مطالبا
البنك بإعادة النظر بإجراءاته، واعدا بتغيير القواعد والإجراءات التي تتيح للبنوك
باتخاذ إجراءات تعسفية بحق المودعين، مما أدى لاعتذار البنك رسميا من فاراج وعرضه
فتح الحساب مرة أخرى".
وأكد كزبر أنه "ضد إغلاق حساب بنكي لأي شخص بسبب آرائه
السياسة أو معتقداته الدينية، ولكن وجدنا الفرق في التعامل والكيل بمكيالين بشكل
واضح وصريح، مما جعلنا نشعر بخيبة أمل كبيرة كمجتمع مسلم، وهذا يؤكد حالة
الإسلاموفوبيا
التي نعيشها، والتي تميز بشكل واضح في كيفية التعامل مع المسلمين".
ولفت كزبر إلى "توقعات بتغييرات قانونية لهذا
الملف من خلال تلميح وزراء في الحكومة، خاصة أن القضية أصبحت قضية رأي عام الآن،
وهذا سيكون له أثر إيجابي كبير على المسلمين ومؤسساتهم الاجتماعية والخيرية، التي
كانت المتضرر الرئيس من هذه الإجراءات"، وفق تقديره.
وفي حين أنه لم تظهر أي تطورات حتى الآن في هذا الصدد،
عبّر كزبر عن اعتقاده بأن "الكثير من المؤسسات والشخصيات المتضررة ستحاول الاستفادة مما حصل، من خلال محاولة فتح حسابات في بعض البنوك في المستقبل".
وتحدث كزبر عن "المعاناة الشديدة" التي واجهها
المسجد بسبب إغلاق حسابه البنكي، وهو ما يشبه حال المؤسسات الأخرى المتضررة، مع "عدم
القدرة على دفع الرواتب والفواتير، وقد تأثرت سمعته سلبا بهذا الإجراء، مما حتم
علينا اتخاذ إجراءات قانونية بحق بعض المؤسسات التي شوهت سمعة المسجد، وتم الفوز
بالدعوى المقدمة والاعتذار للمسجد ودفع تعويضات".
ودعا مسجد فيسنبري بارك في تغريداته؛
"صناع القرار والمؤسسات المالية والمجتمع ككل؛ لتحدث المعايير المزدوجة. دعونا
نحاسب جميع الأطراف، ونعمل باتجاه نظام عادل، يضمن العدالة والمساواة ويحترم حقوق
الأفراد، بغض النظر عن عقيدتهم".
وشدد المسجد على ضرورة
"رفض آفة الإسلاموفوبيا. نطالب باستجابة دائمة وحماية متساوية تحت القانون،
بغض النظر عن الآراء السياسية أو الهوية الدينية".
اقرأ أيضا: "وورلد تشيك" وإغلاق الحسابات البنكية: ما علاقة الإمارات؟