في يوم إعلان وفاة حافظ الأسد في العاشر من حزيران (يونيو) عام 2000،
عقد
مجلس الشعب جلسة استثنائية برئاسة رئيس المجلس عبد القادر قدورة (1935 ـ
2013)، وبعد كلمات النعي، قال قدورة أمام النواب "أيها الزملاء وردني اقتراح
من أكثر من ثلث أعضاء مجلس الشعب بتعديل المادة 83 من الدستور التي تنص: يشترط في من
يرشح لرئاسة الجمهورية أن يكون عربيا سورياً متمتعا بحقوقه المدنية والسياسية
متمما الأربعين عاما من عمره".
مناسبة التذكير بهذه الواقعة التاريخية خبر لوكالة الأنباء الحكومية
سانا قبل أسبوع، يقول إنه تم تشكيل لجنة مشتركة من أعضاء في المجلس، واللجنة
الاقتصادية في رئاسة مجلس الوزراء، لإعداد حزمة متكاملة من المقترحات العملية
والفاعلة للنهوض بالواقع الاقتصادي، والمعيشي، والمالي، والنقدي.
الغرابة لا تكمن في الخبر ذاته، فمثل هذه الخطوات يقوم بها النظام
منذ عقود ضمن آلية شكلية تعطي انطباعا بأن النظام مهتم بشعبه، وأن مجلس الشعب على
الخصوص معني بأوضاع الناس المعيشية.
لكن الغرابة تمثلت في ردود الفعل على وسائل التواصل الاجتماعي بعد
الجلسة الاستثنائية لمجلس الشعب التي عقدت الإثنين الماضي، والتي عُلق عليها آمال
كبيرة.
ولا يقتصر الأمر على مجلس الشعب، فثمة قناعة عند كثيرين بأن النظام
يعمل بجد كبير لتأمين حياة لائقة للشعب، لكن العقوبات الدولية و"المؤامرة
الكونية" هي التي تحول دون قدرته على تحقيق هذه الأهداف.
جاءت جلسة المجلس مخيبة للآمال، ليس لأنها لم تتخذ أي موقف من
الحكومة كما ذهبت بعض التوقعات فحسب، بل لأنها أتاحت لرئيس الحكومة أن يبشر
السوريين بمزيد من التدهور، ويتحدث صراحة عن إلغاء ما تبقى من دعم.
حتى ما تم تداوله عن احتمال قيام المجلس بطلب حجب الثقة عن الحكومة،
انتهى بصورة هزلية كما وصفها البعض، حين انتشرت صورة لورقة صغيرة مكتوبة على عجل،
وقع عليها أعضاء في المجلس لم يصل عددهم إلى نصف العدد المطلوب للمطالبة بحجب
الثقة.
المفاجأة كانت أن رئيس الحكومة دعا من تحت قبة "البرلمان"
الشعب إلى الاستعداد للأسوأ، ما قد يعني أن الحكومة قد تلجأ إلى إلغاء الدعم لهذه
السلع إثر تشوه بنية آلية التسعير، التي أفرزت مستويات عالية وغير منطقية من
الأسعار، وترافقت مع نسب تضخم عالية مصحوبة بمظاهر ركود في بعض القطاعات والأنشطة
كمؤشر على ظاهرة الركود التضخمي المركبة.
ومن الأسباب الرئيسية التي تقف وراء عدم استقرار سوق الصرف، وجود
فجوة تمويلية واسعة بين الحاجة للقطع الأجنبي لتلبية احتياجات البلد وبين الكميات
المحدودة المتاحة تحت تصرف مصرف
سوريا المركزي من جهة أخرى.
ومع التدهور الحاد في سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار: 13 ألف
ليرة مقابل الدولار الواحد، ارتفعت أسعار السلع الأساسية بشكل كبير مقارنة بالدخول
المنخفضة جدا والتي لا تلبي حاجيات الإنسان سوى لبضعة أيام فقط.
لقد عودنا النظام على أن القرارات السيئة تبدأ التهيئة لها في مجلس
الشعب، في حين أن القرارات الجيدة تصدر من الرئاسة بصورة مراسيم جمهورية.
تبدو الأسئلة محيرة للغاية، هل فعلا ما تزال هناك فئة تعول على مجلس
الشعب؟ أو على أية هيئة داخل النظام؟ أم أن الوضع المأساوي الذي يعيشه الناس في
مناطق سيطرة النظام وصل إلى مرحلة من الأسى أصبح فيه الناس يتعلقون بأقل ما يمكن؟
في الحقيقة، تصعب الإجابة على مثل هذه الأسئلة، وإن بدا أن الاحتمال
الثاني أقرب إلى الواقع لأنه من طبيعة الفعل والتمني الإنسانيين، لكن في الحالة
السورية يختلط التفسيران معا، فما تزال هناك فئة كبيرة من الناس تعول وتبني آمالا
على النظام، وأتذكر قبل نحو سبع سنوات كيف كانت ردود الفعل الإيجابية التي ظهرت
على وسائل التواصل الاجتماعي عندما نشرت محافظة دمشق صورا في الشوارع لأبراج سكنية
مرتفعة ستبنى خلال عامين أو ثلاثة في المناطق المدمرة شرق وشمال دمشق، مثل حرستا
ودوما وجوبر وغيرها، وفي حي البستان في قلب دمشق، وكان ثمة تصديق حقيقي بأن هذه
الأبراج ستبنى فعلا.
يتكرر هذا المشهد مؤخرا، خصوصا بعد عودة سوريا إلى القمة العربية
التي انعقدت في جدة، والتسريبات الإعلامية بأن النظام السوري سيحصل على مساعدات
مالية ومشاريع مقابل تلبية المطالب العربية.