سلط تقرير لموقع "
ميدل إيست آي" الضوء على فيلم "
ذكريات مذبحة" الذي يستعرض توثيقا جديدا هو الأول من نوعه للمجرزة التي ارتكبها الجيش
المصري خلال فض الاعتصام في ميدان
رابعة العدوية بالقاهرة يوم الرابع عشر من آب/ أغسطس 2013، وراح ضحيتها مئات المصريين.
وقالت كاتبة التقرير الصحفية، كاثرين هيرست، إن الفيلم ليس مجرد توثيق لمذبحة، بل إنه توثيق كذلك لموت الديمقراطية المصرية، وتحطم الأحلام التي تشكلت في ميدان التحرير خلال الأسابيع التي سبقت ثم لحقت سقوط الطاغية حسني مبارك.
ولفت التقرير إلى أن "المذبحة كانت واحدة من أكثر الفظائع توثيقاً بالصوت والصورة في التاريخ المعاصر، فقد فتحت قوات الأمن النيران على الناس في وضح النهار".
اظهار أخبار متعلقة
وكان الفيلم قد تم عرضه في المسرح التابع للأكاديمية البريطانية للأفلام وفنون التلفزيون (BAFTA) مساء الخميس، وتضمن شهادات حصرية للناجين من المجزرة، وشهود عيان على ما جرى فيها، ومن بينهم غريغ سامرز رئيس الأمن السابق في قناة سكاي نيوز البريطانية، ومصعب الشامي مصور وكالة أسوشييتد برس، وديفيد كيركباتريك مدير مكتب صحيفة نيويورك تايمز في القاهرة في تلك الفترة، وآخرون ممن عايشوا المجزرة.
وتاليا نص التقرير:
تم في الأكاديمية البريطانية لفنون السينما والتلفزيون (بافتا) يوم الخميس، عرض فيلم يوثق قتل مئات المتظاهرين في ميدان رابعة العدوية في القاهرة بعد الانقلاب العسكري الذي أتى بعبد الفتاح السيسي إلى السلطة. وقد حاز الفيلم على الكثير من الإشادة والتقدير.
رافق عرض فيلم "ذكريات رابعة"، وهو من إخراج نيكي بولستر، ندوة حوارية شارك فيها نشطاء وصحفيون وشهود عيان بما في ذلك خالد شلبي الصحفي في موقع ميدل إيست آي.
وقال شلبي، الذي كان شاهد عيان على المذبحة: "كان واضحاً أن الخطة من البداية كانت تقضي بقتل الجميع".
استثار استعراض الفيلم بشكل حازم لعمليات القتل الجماعي التي راح ضحيتها ما لا يقل عن 900 شخص ردود فعل عاطفية من قبل أفراد الجمهور.
إلا أن توتراً حدث عندما قام أنصار السيسي، الذين لم يتجاوز عددهم الخمسة، بتوزيع المنشورات على الجمهور فاضطر المنظمون إلى إخراجهم من القاعة.
في شهر يوليو 2013، بعد الانقلاب الذي أطاح بمحمد مرسي، أول رئيس منتخب ديمقراطياً في مصر، نظمت جماعة الإخوان المسلمين وأنصار الديمقراطية اعتصاماً للمطالبة بإعادة الرئيس إلى منصبه.
طبقاً لمنظمة هيومن رايتس ووتش، انضم إلى الاعتصام ما يقرب من 85 ألف متظاهر، كثيرون منهم مكثوا في ميدان رابعة وفي ميدان النهضة ينامون ويقومون فيهما.
تشهد تقارير شهود العيان على الطبيعة السلمية للاعتصام، حتى إن الكثيرين عادت بهم الذاكرة إلى الأجواء "السحرية" التي اتسم بها ميدان التحرير في عام 2011 أثناء انتفاضة الربيع العربي.
ولكن مع مرور الوقت، سئم أنصار العسكر وتنامى السخط لديهم فأمروا بفض اعتصام رابعة في الرابع عشر من أغسطس (آب) باستخدام العربات المدرعة والجرافات والمئات من قوات الأمن الذين اقتحموا الميدان.
على مدى الساعات الأربع والعشرين التالية، قتل ما لا يقل عن 900 متظاهر، بما في ذلك عدد كبير من النساء والأطفال، بحسب ما ورد في تقرير لمنظمة هيومن رايتس ووتش.
مذبحة خطط لها
يبدأ فيلم المخرجة بولستر بصورة التقطت لشاب وهو يمشي وسط الركام الذي يتصاعد منه الدخان، يتدلى من يده مقلاع. التقطت تلك الصورة قبل لحظات من موت ذلك الشاب، بحسب شهادة المصور نفسه.
كانت المذبحة واحدة من أكثر الفظائع توثيقاً بالصوت والصورة في التاريخ المعاصر، فقد فتحت قوات الأمن النيران على الناس في وضح النهار.
يتضمن الفيلم مقاطع مصورة كثيرة توثق الحدث، كما أنه يشتمل على شهادات أدلى بها الناجون وعلى تصريحات وتحليلات لشخصيات بارزة بما في ذلك بن روديس، المسؤول السابق في إدارة الرئيس أوباما، ودافيد كيركباتريك، مراسل "نيويورك تايمز"، وساره ليا ويتسون، المديرة الإقليمية السابقة في منظمة هيومن رايتس ووتش.
بعد مرور سنين على المذبحة، توصل تقرير لمنظمة هيومن رايتس ووتش إلى ما يثبت أن السلطات خططت مسبقاً لعملية القتل الجماعي. يؤكد ذلك ما ورد في الفيلم من مشاهد مصورة يظهر فيها قناصون اتخذوا لأنفسهم مواقع فوق أسطح البنايات المحيطة بالميدان كما تظهر فيها طائرات عمودية وهي تطلق النار على الناس من فوق.
قبل لحظات فقط من الهجوم، كررت قوات الأمن بث تحذيرات مسجلة مسبقاً بأن الفض كان وشيك الوقوع. إلا أن التحذير الأول بالنسبة للكثيرين جاء مع بدء إطلاق الذخيرة الحية.
في حديثه أثناء تقديم الفيلم، قال أسامة جاويش رئيس تحرير إيجيبتووتش: "كنت هناك".
وأضاف: "لا يمكنني نسيان الصوت الرهيب لصفارات الإنذار. ما زلت أذكر الصوت المرعب [الذي أمر المعتصمين بالتفرق]. ظللت لسنوات عديدة أسمع ذلك الصوت".
في مقابل التوحش الذي دبر بليل هناك الإنسانية التي تحلى بها المعتصمون، ولا أدل على ذلك من المقطع المصور لآخر لحظات في حياة أسماء البلتاجي التي كانت في السابعة عشرة من عمرها وهي ممددة على أرض المستشفى، وكذلك المقطع المصور الذي تجبر فيه امرأة شابة على البحث عن شقيقها بين أكوام من الجثث، والكلمات الأخيرة الحزينة التي نطق بها المصور ميك دين، قبيل وفاته مباشرة، وهو يقول "لقد أصبت".
لغة الإبادة الجماعية
إلا أن الفيلم ليس مجرد توثيق لمذبحة، بل إنه توثيق كذلك لموت الديمقراطية المصرية وتحطم الأحلام التي تشكلت في ميدان التحرير خلال الأسابيع التي سبقت ثم لحقت سقوط الطاغية حسني مبارك.
في الرواية التي تقدمها بولستر، تمثل رابعة النهاية المباغتة لتلك الأحلام. ففي خضم النشوة والابتهاج الذي تلا انتفاضة الخامس والعشرين من يناير (كانون الثاني) 2011 ضد مبارك، استعدت جماعة الإخوان المسلمين لأول انتخابات ديمقراطية تجرى في مصر.
غدا مرسي، مرشحهم المفضل، أول رئيس منتخب في البلاد.
ولكن على الرغم من ذلك، لم تزل البلاد في قبضة العسكر. وأصيبت فترة حكم مرسي بنقص الوقود وانقطاع الكهرباء وغياب الشرطة من الشوارع. ثم ما أن أطيح بمرسي حتى اختفت هذه المشاكل بما يشبه المعجزة.
تلمح سردية الفيلم إلى دور "الدولة العميقة" في نقص الوقود وانقطاع الكهرباء.
وفي يونيو 2013 أطيح بمرسي من قبل السيسي، الذي كان في ذلك الوقت يحتل منصب وزير الدفاع. وشهدت الشهور التي تلت الانقلاب احتجاجات واعتصامات، إلا أن المذبحة التي ارتكبت في رابعة قضت تماماً على ما تبقى من الثورة.
تضمن الفيلم مقاطع من برامج إخبارية ضمن حملة عامة ضد الاعتصام، وصف المتظاهرون فيها بأنهم صراصير يتوجب أن يتم سحقهم.
أثناء الندوة التي أعقبت عرض الفيلم، قالت داليا فهمي، المحاضرة في العلوم السياسية في جامعة لونغ آيلاند: "استخدمت هذه اللغة في رواندا وفي سريبرينيشا، وفي المحرقة، وفي كمبوديا. كان ذلك بمثابة إبادة جماعية".
تسلط المخرجة بولستر الضوء على الدور الذي لعبه عدم مبالاة الفاعلين الدوليين في تكريس سلطة السيسي، ما سمح للحصانة من المساءلة التي مارسها في رابعة بترسيخ حكمه، والذي شهد منذ ذلك الحين احتجاز ما يقرب من 65 ألف معتقل لا يزالون قابعين وراء القضبان.
قال عمرو مجدي، الباحث في "هيومن رايتس ووتش"، أثناء الندوة: "أظن أن الخطة لم تقتصر فقط على تفريق المتظاهرين، وإنما معاقبة الناس فعلياً وجعلهم عبرة لغيرهم".
وأضاف: "ما حدث فيما بعد، خلال الأسابيع والشهور والسنين التالية، كان فعلياً أسوأ تجربة سلطوية".
ولا أدل على ذلك مما ذكره روديس من أن السيسي علم بأن الولايات المتحدة لم تكن لتتدخل بعد وقوع الانقلاب.
وقال في الفيلم الوثائقي: " كانت تلك التجربة من أكثر ما يسبب الاكتئاب وخيبة الأمل ويثير السخط لأننا كحكومة اتخذنا قراراً بعدم عمل شيء للوقوف في وجه هذا الانقلاب، وها نحن نرى أسوأ ما نجم عنه من تداعيات".
وبحسب ما تقوله داليا فهمي، فإن "الاستقرار" في مصر بالنسبة للإدارة الأمريكية يعني ممارسة "المزيد من القمع" ضد شعبها.
وقالت: "ولكن هناك نقطة انكسار، ولعل من أكبر منح الثورة كسر حاجز الخوف".
وأضافت: "كانت الولايات المتحدة سترضى بالسلطوية لأن ذلك يمثل بالنسبة لها مصدراً للاستقرار. مصر مؤهلة للانفجار من جديد، وجل ما أخشاه هو أن دورة التغيير القادمة قد لا تكون سلمية".